الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة عاشقة لعنوان وغلاف المجموعة القصصية " ركام الدموع " لـ خلدون الدالي - زكية الحداد
الساعة 09:34 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


حين تصافح عينا القارئ باكورة الكاتب اليمني خلدون الدالي { ركام الدموع }، يغمره إحساس بأن القاص يعلن منذ بداية /العتبة/العنوان أن ما سيأتي ليس محكوما بمنطق التسلية والترفيه، بل سرد كتب بالدمع والكثير من المرار يصل بالكاتب إلى أقسى حالات الإبداع، وبالقارئ إلى أقصى مايمكن من الانسجام والتماهي، إذ بمجرد دخوله إلى عمق المجموعة يدرك أن المبدع الحقيقي يصنع عالمًا من السرد البديع المحبوك بحنكة واحترافية وبشكل يثير الإعجاب.
مجموعة تفرج عن هويتها، أقصوصة بعد أخرى وعلى مدى مئة واثنين من النصوص، تكشف عن اشتغال الكاتب الرصين والدقيق عليها عبر تيمات متعددة تصب كلها في بوتقة الهم الإنساني.
وأول ما لفت انتباهي - كقارئة شغوف وباحثة في فن القصة القصيرة جدا - وأنا أقلب أضمومة المبدع المتميز خلدون الدالي، هو عنوانها "ركام الدموع" وبيني وبين نفسي تساءلت عن سر اختياره لهذا العنوان بالذات.
وإذا تأملناه جيدًا وجدناه عنوانًا مركبًا، يتكون من جملة اسمية من كلمتين، (ركام) و( الدموع ).
والركام : هو كل ما اجْتَمَعَ من الأشياء وتراكَمَ بعْضُهُ فوق بعض وفي( البيئة والجيولوجيا )، هو تجمُّع أو كومة من قطع الصَّخر انحدرت إلى أسفل جُرْفٍ أو مُنحدرٍ شديد الميل، وكذلك فُتات الصخور على مثل هذا المنحدر.
وكلمة ركام مشتقة من فعل رَكَمَ: ركَمَ يَركُم، رَكْمًا، فهو راكم، والمفعول مَرْكوم.
ركَم الشَّيءَ: كوَّمه، جمَعه وألقى بعضَه فوق بعض.
نستخلص مما سبق، أن الركم أو المراكمة تكون في الأشياء الصلبة، وعند انتقالنا لثاني كلمة نكتشف المأزق الذي وضعنا فيه صاحب المجموعة، فثاني كلمة يتشكل منها العنوان كلمة "الدموع"، والدموع كما يعلم الجميع هي مادة سائلة غير قابلة للمراكمة، إلا في آنية أو وعاء يستطيع احتواءها.
وكلمة الدموع: (اسم) مشتق من فعل دمع للمذكر ودمعت للمؤنث، فهي دَموع/دُموع بصيغة مبالغة من دمَعَ.
فيقال عين دَموع: أي كثيرة الدَّمع، سريعًا ما تدمع
ويقال أيضا ثَرى دَمُوعٌ: أي يسيل منه الماءُ أَو يكاد.
والدُموع: جمع مفرده دَمعة.
فإذا اخترنا المنهج العلمي التطبيقي، نجد من الصعوبة بمكان مراكمة الدموع، ولكن إن اخترنا المنهج الاستقرائي، نستطيع معالجة الأمر.
فالكاتب هنا وباختياره لهذا العنوان لم يقصد أن يحقق المعنى العلمي لتلك الجملة المركبة؛ ولم يتقصد وضعنا أمام إمكانية مستحيلة، بل أراد إثارة انتباهنا وجلب اهتمامنا كقراء شغوفين بفن السرد لنبحث فيما وراء الكلمات ونكتشف أنه مجرد تعبير مجازي يحمل في طياته الكثير والكثير.
وبعودتنا لغلاف المجموعة نجد أنها طبعت عام 2018، أي السنة التي وافقت عز الأزمة والمعاناة اليمنية.
وافقت الفترة التي ارتوى فيها ثرى اليمن من دماء أبنائه شيبا وشبابا ورضعًا؛ الفترة التي تحول فيها الدمع من حالته الطبيعية السائلة إلى بلورات ملح صلبة ترسم على خد كل يمني مسيلات من الضنك والكرب، وتحفر في روحه أخاديد عميقة قوامها الحزن والعذاب.
هي الفترة التي تحول فيها ثرى اليمن إلى مقبرة راكمت في جوفها الأحياء والأموات على حد سواء.
وكأننا بالكاتب ينقلنا عنوة وبطريقة فنية مبتكرة لنقاسمه هموم وطنه.
ذلك الوطن الذي طالما عشقه حتى النخاع وتمنى من أعماقه سلمه وسلامه.
بفنية عالية استطاع المبدع خلدون الدالي جرنا إلى خندق نصوصه القصيرة جدا التي حبلت بها (ركام الدموع) نصوص متعددة التيمات كتبت بحنكة واحترافية، جسدت لنا مرحلة تاريخية أراها من أهم المراحل التي مر بها اليمن الشقيق.
والمجموعة بالفعل، هي ركام من الدموع التي تحجرت في مآقي الشعب اليمني وفي عيون كل عربي غيور.
هي ركام من الأحزان والعذابات التي يستحيل على بشر التكهن بها أو تصورها.
وأستطيع أن أقول جازمة بأن القاص المبدع خلدون الدالي، قد نجح فعلا في هذه الأضمومة عندما وسمها ب "ركام الدموع".
وكذلك عندما اختار لها كصورة غلاف، لوحة من توقيع الفنان الجزائري المبدع عبد الحليم كبيش؛ تلك اللوحة الثرية التي نقلت بأمانة هموم الإنسان العربي عامة واليمني خاصة ومعاناته مع واقع حاله المزري، الذي تطبعه العداوات والاعتداءات ويسود داخل نسيجه المجتمعي الجور والظلم واللاعدالة.
واقع حال أقل ما يقال عنه أنه يفتقد لأدنى شروط العيش الكريم التي تضمن للإنسان كرامته وحريته التي كفلتها له جميع الكتب السماوية.
بالرغم من كل ما سبق فإن القاص خلدون الدالي الحامل لهموم وطنه والمتماهي مع واقعه لم يجعل فرصة تنبيهنا عبر نصوص مجموعته إلى وجوب الحذر الشديد والتأني في التعامل مع القصة القصيرة جدا بوصفها إبداعًا هشًا وشديد الحساسية، وليس هذا غريبًا على كاتب مجيد وجدير بالاحترام.
----------------

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً