الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
لحظة تيه - إبراهيم لخليف
الساعة 10:27 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

شغلت هناك  في مقهى زاوية لتستقل ولو لبرهة من شقاء المنزل ولترتشف بعض  المشروبات.  كانت تريد لحظة استرخاء لإزالة الضغط النفسي الذي يمورها.

 لكنها انكفأت على ذاتها. علت سحنتها مسحة من القلق لا تخطئه العين. تقاسيم وجهها غزاها الوهن وعلامات التوثر طفرت من ملامحها تفصح عما يخالجها من شجون وما يثير فيها من ظنون. حالها يشي بأن الرغبة تتنازعها بين البوح بما يعتمل في دواخلها وبين التكتم على اسرار لا تريد الإفصاح عنها، أو ربما تتحفظ عن الجهر بها لأنها خمنت ان الأمر لا يستحق. على الاقل هكذا تظن. تأبى أن تفصح عما يقبض أنفاسها وان لا تثير الشكوك من حولها. لكن بيان الحزن على محياها أكبر من ان تخفيه ولو بقدر. تجد في المراوغة و التمويه لكن ملامحها تشي بكثير من التيه. يبدو انها احتشدت في نفسها آلاما أو ربما جراحات لم تندمل.  أهي جراحات قديمة ام راهنة. هي نفسها لا تعرفه بالكاد مصدر قلقها. كل ما تعرفه أنها تعيش حالة غير عادية. الشحوب الجاثم على وجهها الجميل جعله ممتقع اللون وأحال نظارته الى صفرة . تاه نظرها، يجول في المجال الذي أتاحه لها المكان. لكن ذاك المجال ليس بالسعة الكافية مما سبب لها حنق.  تأمل لو ينبسط أمامها أفقا أوسع لتحضنه ولتمسح أكبر قدر ممكن  منه حتى تدلف إليه من خلال حدقتيها لتفرغ فيه تلك الطاقة السالبة التي تكبس ذاتها أو تبدد بعض منها. ما كان متاحا لها هم هؤلاء الناس الذين اقتعدوا في زوايا عدة من المكان. تحاول استشراف ضحكاتهم واقتناص بعض الايماءات أو الايحاءات  أو ربما بعض النظرات من وجوههم قد تخرجها من ذاك الشرود و التنفيس عما يشبه الكرب الذي طوقها. لكن كل المحاولات باءت بالفشل. قسمات وجهها ظلت جامدة لم تبدي أي ومضة أو ذبيب قد يوحي بتفاعلها مع المحيط. فقط عيناها كانتا تتحركان في تتاقل كبير يمنة و يسرة.

 لكن هل هي فعلا كانت تسعى لذلك. في حقيقة الأمر بريق عينيها الشاخصتين لا يشي بتفاعل مع ما يجري حولها. لم تكونا لترفا بالشكل الكافي والطبيعي تجاه الحركة الدائرة أمامها، مما يعطي الانطباع انها في حالة سهو او حالة شرود. يبدو أنها كانت  تنظر اكثر ما بداخلها فغاصت في أغوار ذاتها   لتعيش حراكا داخليا مع  الهواجس التي تقافزت إلى وجداننا ولتستجمع شتات افكارها. كانت الأسئلة تتقادفها. فقررت أن مجاراة الظنون لن تفضي إلا إلى ماهو أسوأ. خمنت انه قد يكون  لذلك  تداعيات وخيمة على نفسيتها. وراحت تبحت عن شئ ما يعيد لها صفاء روحها.

 في لحظة رنَّ جرس في ذهنها ينبهنا إلى ما آلت إليه. تململت في مكانها وانطقت جسدها بحركات تتحسس وجودها فسرى ذبيب بدواخلها وانقشعت أساريرها تنم عن استشعارها بتلك اللحظة الوجودية. تماسكت وطفقت تفكر في شيئ يزيح عنها تلك الهموم التي لم تبرحها. ران عليها هدوء يشي بأن أمرا ما قد حصل وفي داخلها اعتمل. شع من عينيها بريق واندلقت من فمها همهمات فراحت تخاطب نفسها فيما يشبه الإيحاء الذاتي. تقول لها: لا ضير، تلك المشاعرلا يجدر بك ان تجاريها وان تنساقي وراها. فهي بلا ريب تخفي مكرا والإمعان فيها قد يحيل الأمر مرارة. عليك ان تطرديها فورا  و أن ترميها في سلة المهملات. عليك استبدالها  في ذهنك بأخرى تحيلك على مواقف  ولحظات جميلة عشتيها. لحظتئد انقشع الغم وداب الهم فانفرجت اساريرها وطلبت من الكرصون أن يناولها براد شاي. حين وضعه فوق المنضدة أضافت اليه النعناع و قطع سكر وهي تمتلى بشكلها. فحركت الخليط بنشوة وشحت وجهها وكأنها بتحلية الشاي كانت تريد أن تزيل مغص المرارة الذي استبد بها. فكرعته بانتشاء على شكل رشفات متقطعة و هي تتأمل في رواد المقهى في غدوهم ورواحهم وكأنها تتفرج على فصل من فصول الحياة.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص