- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
جدي في السادسة والسبعين ، وعلى ذمته زوجتان ، واحدة تسكن معنا في البيت الكبير بالجيلانية والثانية في المزرعة ، حيويته عالية جداً يتندر الناس بها ، وهو لا يهدأ ولا يقر سرب من الشقاة والشاقيات يفوق عددهم العشرين معه في المزرعة ، يشرف عليهم ويتابعهم ، أبي تخلى تمامأ عن ابنه البكر عبدالله الكبير (أنجبه من زوجته الثانية قبل أن يتزوج أمي) ، أعطاه لجدي يسكن معه في المزرعة ، وينفعه في احتياجاته الخاصة ، مع ذلك فجدي لا يهدأ ولا يقر ، حين لا يكون أبي عنده في المزرعة تجده بعد منتصف الليل في الظلام الدامس يتجول هنا وهناك وحيداً .
ذات ليلة كان في المجران غرب المزرعة ، وكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، سمع الكلاب تنبح فتوجس أن يكون هناك سارق مّا ، صاح بالشقاة الذين كانوا هم وأخي عبدالله ينامون على بعد مئة متر منه لكنهم كانوا يغطون في نوم عميق ، قوة طباعه دفعته للذهاب بنفسه كان يلبس فانلة أبو عسكري و فوطة بربل (ليست فوطة على الطريقة التهامية ولكن على الطريقة الصنعانية ، اعتاد لبسها بسبب صحبته للشيخ صالح المقالح الذي كان عاملا على الزيدية وكان هو يستضيفه كثيرا في الجيلانية).
توجه جدي إلى المجران وما أن وصل إلى المكان حتى صرخ صرخة مدوية ، ثمّة هاشّ ضخم (ثعبان كبير) قبصه (لدغه) في ساقه وضخ في جسده كمية كبيرة من السم ، وقع جدي على الأرض ، وسمعت زوجته صرخته فصرخت صرخة شقت عنان السماء ، استيقظ أخي عبدالله الكبير (هكذا اسمه للتفريق بينه وبين أخي الأكبر مني مباشرة عبدالله الصغير) ، واستيقظ الشقاة. مسارعين نحوها قالت لهم وهي تبكي وترتجف : الشيخ صرخ من جهة المجران يعلم الله ماصاده ( ما حدث له) .
سارعوا إلى المكان وعلى ضوء أتاريكهم ( مصابيحهم) شاهدو الهاشّ المتباهي بما فعله بجدي كان أسود مشوباً بحمرة أسفل عنقه وكان كبيراً ومخيفاً هاجموه بمهابّهم (عصيهم ) لكنه نجح في الإفلات منهم ، حملوا جدي ، وانطلق أخي عبدالله الكبير إلى الجيلانية ليخبر أبي.
حين وقف أمام باب الحوش البراني وصاح أباه ، سبق أبي الشقاة وأهل البيت والجيران فقد كان مستيقظاً ،استشعر الخطب ، وكعادة الشجعان أصحاب النجدة ، قفز يجري وفي يده بندقيته وقبل أن يفتح الباب صاح بأعلى صوته : عبدالله مالك ؟
أجاب وأنفاسه تغالبه : جدي قبصه هاشّو
-يالطيف
فتح الباب دون أن يفتح فمه بسؤال آخر وانطلق ، حين وصل كان السم قد تحول إلى شوك يجري في عروق جدي ، وصار جدي يهذي ويخلط بين الفاظ التألم والوجع والذكريات القديمة وسرد أسماء الميتين .
حملوه إلى القرية ولم تطلع شمس الصباح حتى كانوا قد ركزوا صربيتين (خشبتبن )كبيرتين في عريش البرود وربطوا فيها حندولاً كبيراً لجدي ، كان يتألم والناس يتوافدون ، هناك من يقف عند رأسه وهناك من يقف عند رجليه ، وكل واحد يأخذ نصيبه في تحريك الحندول ، فيما المطببون وأهل التجربة يوالون عليه الأدوية .
بعد أيام وجدوا الهاش قريباً من المكان وتمكنوا من قتله ، وترافق ذلك مع تسارع تعافي جدي
قال شوعي حاج : كان السم يمشي في جسده لأن الهاش لم يقتل ، فلما قتل الهاش هدأ السم وتعافى الشيخ .
***
مر عام على هذه الحادثة ، وذات ليلة كان الوقت يقترب من أذان الفجر حين أخذ جدي الابريق وذهب ليتوضأ ، لكنه سقط في مكانه ، لم تسمع زوجته الشابة الصغيرة منه سوى حشرجة صوته ، جاءت فوجدته مفلوجاً بنصف جسد ميت ، صرخت مستغيثة وانطلق أحد الشقاة كالسهم يلهث ليخبر أبي ، صعق الخبر أبي والأسرة كلها وشاع في الجيلانية فخرجت مذهولة عن بكرة أبيها لترى ما حل بكبيرها وعمود بيتها الأقوى .
كان جدي نيباً من أنياب البلاد وجبلاً من جبالها ، وهو واحد ممن نسجت حولهم الأساطير واخترعت المخيلة الشعبية له الحكايات ، فكيف يمكن أن يضعف وينهار ويمرض بمرض كهذا .
غطوه بغطاء حوكي بعد أن وضع على قعادة جديدة وحمله رجال من الجيلانية ومحل الخليل ودير امحمد هادي على أكتافهم ، كانت الساعة السابعة صباحاً حين وصلوا به إلى بيته الأصل ، بيتنا الكبير الواسع الأرجاء في الجيلانية .
وتوزعت الآراء بين من يقترح نقله إلى الحديدة للعلاج ، كان الناس قد بدأوا يعون ضرورة الطبيب المعاصر، وبين من يقترح أن يأتوا له بمحمد المهدلي الشهير بالدروه صاحب الكتاب وهومن محل المهدلي ، وبين من يقترح استدعاء امساوى شيخ الزار .
لجأ أبي أولاً إلى الدروه وهو طبيب يعالج بالطب العربي القديم يجمع بين العقاقير والطقوس الروحانية ، كان رجلاً مربوع القامة بكرش واضح لحيته كثفية سوداء يلبس مقطباً أبيض وفانلة أبو عسكري وكوتاً أبيض وطاقية بيضاء مركنة يشتهر المهادلة بلبسها أكثر من غيرهم ، فحص جدي متحسساً جسده وهو يتمتم مكرراً (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو) يكررها ثلاث مرات وينفث على جسد جدي ثم يكررها ثلاثاً أخرى وينفث، ظل يكررها وينفث ونحن نحيط به كباراً وصغاراً رجالا ونساءً فيما هو مندمج في عمله باستغراق عجيب وكأننا غير موجودين
فجأة توقف ، مسح بعرض إصبعه السبابة رشح جبهته والتفت إلى أبي وقال : أريد صينية (زبدية)
قال أبي : صينية هاتوا له صينية
مدت عمتي الزهراء يدها إلى الصياني المصفوفة على الرف ، تناولت واحدة غسلتها وقدمتها له ، التفت ، ففهم أبي أنه يحتاج إلى الجلوس
-وسّعوا
انفرجت الحلقة فاتجه إلى القعادة أخرج القلم ودواة المداد وبدأ يكتب مثلث الغزالي ، رسم ثلاثة أعمدة عمودية وأفقية ،حائطها من الجهات الأربع الأية (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ) ثم كتب في الأول حروف الباء والزاي والواو وفي الثاني حروف الهاء والطاء والألف وفي الثالث حروف الدال والجيم الحاء ، بعدها كتب من أعلى الشبكة جبرائيل وعن يمينها عزرائيل وعن يسارها ميكائيل ومن تحتها اسرافيل ثم اخرج دهنا ومحاها وطلب أن يخرج الجميع فلا يبقى معه إلا أبي وجدي علي ، خرجنا ، وهم خلعوا ثياب جدي ودهنوه جسمه بالمحو دهنا كاملاً ثم غطوه ، وأمر بحجبه عن الناس .
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر