السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الصُفّارة هي الحل - أحمد السري
الساعة 13:03 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


يُسمع صوت الصفارة، أحدهم يتحرك ويجري، يترك ميدان اللعب، يُسمع صوتها في يوم تال وهو عائد من المدرسة، يترك زملاءه ويجري. كان صوت الصفارة يملأ الأرجاء، ابتكار جيد، أثنى أهل القرية على والد محفوظ، كم بُح صوته وهو يناديه، اشترى تلك الصفارة العجيبة المميزة، انجليزية الصنع، انتزعها أحدهم من جيب ضابط انجليزي قتيل في شوارع عدن، في سنوات المقاومة، صوتها مميز ويصل نقيا إلى حدود القرية كلها وأبعد قليلا، هكذا قال بعض أهل القرى المجاورة.
كان والد محفوظ يعترض على من يحاول تقليده، لكنهم جميعا فشلوا، فصوت صفاراتهم شاحب وأولادهم لا يستجيبون..
كبر الفتى محفوظ، الصفارة تعمل، زادت السيارات التي تخترق القرى،كثرت المباني، بدأ صوت الصفارة ينخفض، حتى الأب لا يقوى على النفخ كما كان.. لكنه لم يعدم وسيلة، كان ينادي جاره الشاب لينفخ في الصفارة، لكن الضوضاء المتزايدة تمنع نقاء صوت الصفارة وتقصر مداه.. الصفارة انجليزية الصنع، عسكرية، ما تزال تعمل بكل طاقتها، فلم لا يأتي محفوظ مهرولا كعادته.. هل أصابه الصمم.. كبر الفتى، خجل أن تناديه صفارة وتنتزعه من بين زملائه، فكر الأب ان يشتري صفارة مماثلة ويعطيها ولده لينفخ فيها علامة على سماع صفارته.. تغيرت الدنيا، صار في كل جيب هاتفا، والأب الشائخ يرفض طلب ولده للحصول على هاتف، فالوالد لا يجيد ولن يجيد استعمال الهاتف، لا يقرأ ولا يكتب، الصفارة هي الحل، الصفارة هي الحل، أزعجه ان تنتشر الهواتف ويقبل كل الجيل عليها، وتبدأ إزعاجاتها تطل من خلال فوائدها الأخرى، لا شيء جديدا نافعا بلا أضرار، يضخم الرجل العجوز أضرار الهواتف، ويبرز منافع الصفارة التي لا أضرار لها البتة. لا يقوى على النفخ، كان السعال الدائم يحشرج صوته ويخدش نقاء صوت الصفارة، الصفارة لا تعمل لوحدها، الإنسان يتحكم بنقاء صوتها ومداه.. الصفارة هي الحل، حتى في جنح الليل، والناس نيام، ينادي الرجل العجوز زوجته القابعة في الطابق الأعلى بالصفارة..
تنتشر ألوان الهواتف، وتزداد منافعها، والرجل العجوز يطلب من الجيران النفخ في الصفارة، وقد كبر الولد وصار له هاتفه الخاص، يرن ويسمع رنينه أهل البيت، فيقول الوالد العجوز ، هذا شيطان رجيم ياولدي، أوصيك بالصفارة، فالصفارة هي الحل ستحتاجها غدا لمناداة أولادك.. مات الوالد وأهملت وصيته، تبرع الولد محفوظ بالصفارة الإنجليزية لمتحف المدينة وكتبت تحتها هذه الحكاية.

 

 17.12.19

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً