الأحد 10 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
المجموعة القصصية " أجاج" مابين اكتمال الخطاب السردي والانشغال بالهم الوطني - علي أحمد عبده قاسم
الساعة 11:55 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

حظيت القصة الومضة منذ في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين بالكثير من المتابعة سواء على مستوى الممارسة الكتابية لها كجنس سردي جديد من قبل الكثير من الكتاب والقاصين العرب أو من حيث الانتشار في أرجاء الوطن العربي حتى غدت جنسا سرديا جديدا فرض نفسه على المشهد الإبداعي بصدور بعض الإصدارات من كتاب عرب في مصر والعراق واليمن والأردن وقد صدر فيها كتبا مشتركة عن الرابطة الأدبية للقصة الومضة ضمت عددا من الكتاب العرب وإن كان مايزال وجودها قليلا إلا أن هذا الجنس السردي الجديد مفروضا من خلال المسابقات والنشر الصحفي والإلكتروني والسجالات النقدية بل والدراسات الأكاديمية علاوة على الندوات والورق النقدية بهذا الشأن والتي لفتتها هذه الظاهرة الإبداعية الملفتة والجدير بالإشارة أن القصة الومضة والتي لاتزيد عن ثمان كلمات احتضنتها جميع المؤسسات الإبداعية ولم تخض الجدل النقدي مابين القبول والرفض كالقصة القصيرة جدا والذي استمر فيها الجدل النقدي مابين مؤيد ومعارض مايقرب عقد ونصف والذي أدى لقبول الجنس الأدبي الراقي أسباب كثيره ولعل أهمها:
- أنها أتت أحياء لفن التوقيعة والذي ظهر في العصرين الأموي والعباسي فهي ترتبط بجذر أدبي عربي تراثي يمثل نضج اللغة العربية.
- شبكة التواصل الاجتماعي والتي أدت لانتشارها في كل الوطن العربي انتشار النار في الهشيم فضلا عن المسابقات التي تنظم بشكل بيومي ويقبل عليها الكثير من القاصون ويشرف عليها كتاب مشهود بالمعرفة.
- مناسبة هذا الجنس للعصر بسرعته وتقنياته.
وبين أيدينا مجموعة في الجنس الجديد للأستاذ المبدع القاص الأردني البديع بل القدير الأستاذ / حيدر مساد وهو من أوائل القاصين أو الكتاب الذين كتبوا في هذا الجنس على مستوى الوطن وعرفته من خلال المسابقة اليومية الذي ينظمهما الأديب المصري الأستاذ/ مجدي شلبي والذي كان يحقق غالبا المركز الأول لقوة نصوصه وجرأتها وجدتها
والملفت في هذه المجموعة أنها مختلفة ومكتملة لحد بعيد فالقارئ أمام خطاب سردي جاد وناضج مكتمل ينم عن قاص متمكن وقدير وهو قاص إنساني وطني فنادرا أن تجد في مجموعته نصا ضعيفا أو مهزوزا وإن وجدت فمن العنوان وهذا نادر للغاية
انشغلت المجموعة بالهم العربي والإنساني سواء من ناحية مظاهر الضعف والاستسلام والظلم والحروب والتمزق والتشرد وغير ذلك من قضايا الإنسان العربي المعاصرة إضافة لنصوص الحياة الإجتماعية والعاطفية.فهي مجموعة مختلفة وجديدة بكل المقاييس

 

أولا العنوان:
أولت الدراسات النقدية العنونة كثيرا بوصفها اللافتة الإشهارية للنص والتي تشد انتباه المتلقي وتحوله لمتحاور مع الخطاب ومن خلال يولج القارئ إلى عالم النص الداخلي ومضامينه العميقة بدعوة من لافتة النص الملغزة والمثيرة والتواصلية بشكل يؤثر في المتلقي فالعنوان ينم عن احتراف كاتب وقدرات مبدع فهو يشكل واجهة النص الأولى للإثارة والجذب وقد اختار المبدع" أجاج" عنوانا لمجموعته.
وبالنظر لجذره اللغوي فقد جاءت من " أجّ"وقيل في متردافاتها.
-" أجاج" شدة ملوحة الماء وشدة مرارته فهو محرق للذائقة بطعمه.
- ويقال: "أجج النار فتأججت"
أي زاد اشتعالها وارتفعت بألسنتها
- وتأجج الشلال: ارتفع صوت الماء
ومماسبق يمكن القول:

- الأحراق بالطعم اللاذع والمر يساوي رسالة الومضة الموخزة اللاسعة للمشاعر فتهز المتلقي بصدمتها وقوة تناقضها وتشكيل صورها العميقة المتوترة.
- الومضة تؤجج المشاعر ليتحول الحال من مظهر متردٍ لحياة أفضل فرسالة الخطاب الأدبي تهدف لإعادة صياغة الحياة بشكل قيمي وإنساني.
- مضامين النص اللغوي السردي أيضا تأجيج للمشاعر واحراق للحياة المتردية فهو محاولة لتحريض إنسانية الإنسانية للعودة لقيم الحياة الحقيقية.
ولكن جاء في القرآن في سورة الواقعة قوله تعالى: " هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج"
وجاء قوله تعالى: " ولو نشاء لجعلناه أجاجا فلولا تشكرون" صدق الله العظيم.
وإذا كان الكاتب قد باشرنا بالأجاج فأين العذوبة؟!
يمكن الإجابة على هذا السؤال بما يلي:
-
الومضة هي :عبارة عن تصادم طرفين سلبي وإيجابي وعندما التصادم المتناقض يتولد عنها برقة هي نهاية خطاب الومضة والرسالة التي يود الخطاب توصيلها للحياة والإنسان ومن ذلك تفتح آفاقا للتأويل لاتنتهي تفسيرا ودلالات.
فالعذوبة هي رسالة الخير في النصوص والملوحة هي التصادم الجرئ للوصول للمسكوت وفضح المستور ليخلق الخير من رسالة النص ومضامينه والبحر رمز العطاء والخير فالأجاج معادل رمزي لطرفي الومضة ولخطابها العام والتي تخلق بحرا من التأويل لاينتهي عطاؤه فالاختيار محترف وقدير وعميق ولكن قوله تعالى:" ولو شئنا لجعلناه أجاجا" يعني غير قابل للانتفاع به في شرب أو زراعة
فهل النصوص كذلك؟
بالطبع لا.
ولكن رسالة النصوص تنفع وتجدي وتغير فكر ذوي العقول الحكيمة والأريبة وهم جانب الخير والعذوبة ولاتجدي نفعا جانب الشر وهم الأجاج وهم الذين لايشكرون الناس ولايشكرون الله.
انشغلت المجموعة بالأوطان والهموم العربية والإنسانية وقضاياها المعاصرة وهي الأجاج وليست مستساغة من الإنسان العربي وليس نافعة له بل مدمرة لحياته ومقدراته وليست مستساغة ومتقبلة من الواقع الروحي والمادي العربي فهي نيران تحرق الخير وتضعف الأمة وتوجع الإنسان وذلك هو الأجاج الذي لايروي روحا ولايزرع خيرا ولايرسم مستقبلا.

 

ثانيا:خطاب ومضامين النصوص.

ولأن تركز خطابها الكثيف في قضايا الوطن العربي والإنسان العربي وأمته ومعاناته جراء ذلك وتصور علاقات الإنسان ورؤيته لها برسم المواقف السلبية والإيجابية مع الأنظمة السياسية أو الحياة الإجتماعية والعاطفية وسآخذ بعض النصوص على سبيل المثال لا الحصر وعلى ضوء ذلك أتناول الخصائص
أتت المفارقة في النصوص لأجداث الصدمة والسخرية وإبراز صورة المواقف الإنسانية والحياتية من هزيمة الإنسان أو انهزامه ففي نص " تهافت" يعكس مضمون النص كثيرا من الدلالات ومنها
- المفارقة مابين صورة طلب" الانحناء" وهو الاسنسلام والخضوع بمايعكس الاستبداد إلى كسر أفق المتلقي بإبراز صورة التأليه التي تعني التنازل عن الكرامة والتحول للعبودية بجيث ترسم صورة المنافقين والأتباع والمفارقة حركية نفسية تعكس صورة البطانات للحاكم أيا كان وخلاصة المضمون التنازل عن كل شئ لتحقيق المصلحة الذاتية والتتازل عن المصلحة العامة والسخرية التناقض بين طلب الاعتدال في الإتباع للتطرف في التأليه والنص يقول:

تهافت
أمرهم بالإنحناء؛ سحدوا.

وتأني مفارقة أخرى في نص " وطن" تصور تلك العلاقة السلبية بالرؤية الوطنية بحيث يجعل البعض من الأوطان منجما شهيا للاستغلال وتتحول المسؤولية من ثقة الشعوب بالمسؤول إلى خيانة بتمزق الأوطان حد أن تقتل حياه الإنسان وتدمر بحيث يتحول الوطن من حالة الوحدة إلى لتمزق والشتات ومن صورة الجمال للقبح ويعد الانتهازية باستغلال أوطانهم عيدا واحتفالا ويتجرع الوطن والإنسان المآسي فالمعنى الظاهر في النص أن الوطن كعكة فيه الفرح والأعراس لكن المعنى الخفي من المفارقة المآسي والشتات والذبح لخيرته بدم بارد حيث يقول النص:

وطن
رأوه كعكة؛ صاروا سكاكين.

ولأن النصوص تركزت على الصراع مابين الخير والشر والاستبداد والحرية والعدل والظلم فقد جاءت بعض النصوص التي تعكس الصراع بين والنضال والعراقيل وتقابا بالتحدي والإرادة وهذه مفارقة بين ماديات الاستبداد باستعراض قواه وامكانياته وإرادة العدل والخير والحرية وبلوغ الغايات بإخماد استفحال الظلم.

رهان
" القوه في النار؛ أخمدها.

وإذا كان التكثيف هو البعد عن الوصف والشرح والسرد والحكائية ليعكس النص الكثير من الدلالات بفكرة سريعة وجمل قليلة حيث تميز النص الواحد بكل خصائص الومضة كلها ولو تأملنا
نص
ذمم
جاعت الحرة؛ أكلها السلطان.
فالحرة لاتأكل من ثديها كما ورد في المثل العربي حفاظا على كرامتها ولكن النهاية صادمة حين يكون غريمها السلطان وهو الراعي والحاكم وهو الحريص على خير وطنه والحفاظ على كرامتهم وشرفهم ونشر قيم العدل لكن لأن يتحول هو للصغير والغريم فذاك أمر يثير الصدمة. ويتسع أفق التأويل من خلال العنوان" ذمم " أضافة للتناص وسرعة النص ليتحول المضمون لإبراز صورة الخيانة وبيع الكرامات ويأتي التكثيف بالابتعاد عن التفاصيل والوصف والشرح علاوة على الاختزال الذي يقتطع كثيرا من المشاهد والأحداث في النصوص والزمان والمكان والصراع بجمل تعد بالأصابع لتصل الرسالة من البنية التركيبة المعدودة والمحدودة.
استبداد
ساس البلاد؛ تسوست.
وهذه تقنية حداثية في التكثيف باختصار الحدث بذكاء الالتقاطة ليرسم صورة لقضية عصرية بجملتين أسرع من الضوء " ساس البلاد؛ تسوست.
ليرسم عدوى لاجدوى معها سوى الاقتلاع وفي المضمون دلالة الفساد وانتشاره وشخصية المسؤول الذي يضع الأتباع في دائرة لتتحقق المصالح.

وإذا كان الادهاش يهدف لكسر أفق المتلقي من خلال تشكيلة الصور من استعارة ورمز وتلميح وغموض ليبتعد النص عن الجفاف ويخلق المفاجأة والصدمة بأدهاش نفسي وتأثير عاطفي صادم ومن ذلك نص

احتياج
هجم البرد؛ أطلقوا النار.

يلحظ المتلقي التوتر الدرامي في الاستعارة" هجم البرد؛ أطلقوا النار" فضلا عن الصورة والتلميح في " اجتياح " والذي يلمح لمعركة شاملة وغزو كاسح من الأرض والسماء " اجتياح ، هجم. أطلقوا" لتشر الدوال لحرب من الأرض والسماء ويكون حطبها وضحاياها الأبرياء إلا أن هجوم البرد طبيعي وقاسي لكن الاجتياح تلميح لغزو بلا رحمة يترافق معه إطلاق النار. فالقسوة ليست إنسانية بل تصور وحشية الإنسان وفظاعته فهو يغزو ويدمر كل شئ بلا رحمة والنص منشغل بالتشرد ومعاناة الإنسان المتشرد الذي،اجتمع عليه قسوة الطبيعة وماهو أقسى من وحشية الإنسان.
قكانت الصورفي:
اجتياح إشارة وتلميح لغزو ومعركة وهذا رمزية صورية في دلالة الكلمة.
- استعارتان في " هجم البرد، أطلقوا النار"
تشكيلة الصور أدت لتوتر لخلق المفاجأة وابعدت النص عن الجفاف ليكسر أفق التلقي.
وباختصار المجموعة التي بين أيدينا تضمنت نصوصا خارجة عن المألوف سواء من حيث الفضح والجرأة وطرق التابوهات المحرمة لتدل على مبدع يمتلك أدواته ويدرك مايعني ويدرك الظواهر التي يعاني منها الإنسان العربي وأوطانه وفي جانب البنية التركيبية التزم بالعنونة والمحترفة التي تختزل مضامين النصوص ويحتاج هذا الجانب لدراسة مستقلة والتزم بمميزات الومضة سواء في خلق الحكمة الصادمة أو علامات الترقيم والبدايات الموفقة والنهايات الفارقة وفي ظني أن نصوص ستلفت الكثير لجدية خطابها وجدة موضوعاتها وعكست رؤية إنسانية ووطنية للمبدع تحاه أمته وأوطانه وحتى في أخلاق القاص نادرا أن تجد نصا عاطغيا إلا ماأتى عاما خاليا من الأنا كمثل:
تداعٍ
هشمها؛ تهشمت.
احتوت المجموعة على مايقرب من مائتي نص جاد صحيح لن يجد القارئ نصا خبريا ممايدل على سعة نقدية وقرائية لدى القاص ومعرفة وممارسة سابقة لكتابة القصة القصيرة جدا والتي أظنها أساس لكتابة الومضة
أتمنى لأستاذي القدير/ حيدر كل التوفيق والسداد.

 

منقولة من مجلة أبجديات..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص