الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
راقصة على أوتار الحياة - سماح حسين
الساعة 11:20 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

كانت تجيد الرقص والدوران برجل واحدة دون أن تهفو و لو لبرهة،  لقد تعلمت الاستمتاع بسيناريو الاحداث التي تجري من حولها أثناء الرقص، وفي حين أن الجرائم تحدث، و الحقوق تغتصب، و الأطفال يُشردون، كانت هي لا تفعل شيئاً غير الابتسامة و الاستمرار برقصها البارع،  تُحرك خصرها بسلاسة كغصن سنبلة تهدهده الريح،  وترفع قدمها ويدها اليُمنى برشاقة و من ثم تغرق في مراقبة كل شيء.. كل شيء.. أجل،  لم تغب عنها التفاصيل التي تحاول التملص عن عيون الحقيقة، أو الوجوه التي تتخفى عن ضوء القمر.. كانت تراقب كل ذلك، كما هو الحال مع تلك المرأة أيضاً...

تلك التي تهرول مبتعدة بأقصى قوتها،  تجر في يدها شال أبيض صغير وبعض الخبز وقارورة ماء، وحين خالت أنها تلاشت عن الأنظار، ركنت إلى غصن أخضر ظنت أنه سيحميها من أفواه يسيل لعابها اشتهاءاً بها كانت تلاحقها، فتحت ثنيات الشال وبدأ صوت الصراخ اللاهث جوعاً، أطلقت ضحكة بنشوة المنتصر و راحت تهمس في الأذن الصغيرة" الآن يمكنكِ أن تشبعي حبيبتي" ، تُرضعها وهي تفتت بيدها الخبز المسروق و تأكله ببطء.. 

دارت الراقصة كَرَة ثانية، أخفضت ساقها و راحت ترمش الأرض بأطراف أناملها، هذه المرة كان طفلاً صغيراً يبكي و قد تهشم ميزانه إلى بلورات صغيرة تبعثرت على الرصيف البائس،  يحتضن ما تبقى من هيكله و الدموع تهطل على خديه خوفاً و ألماً مما قد يحصل له حين العودة.. ظلت تتمايل على ذات اللحن، لم تغير سيمفونتيها المختلطة بألوان قصص وأحاسيس لكل لحظة وشعور، وصل الطفل أمام محكمة العدل والقضاء التي يرأسها عمه الذي أضحى ولي أمره و القاطنين في هذا النُزل، بخطىً واهنة يدلف... وكانت لا تزال تتمايل برشاقة لليمين... نظرات جاحظة تقترب نحوه.. تلتف لليسار... صفع ولطم يَصُمّ الآذان.. ثم تقفز وهي تمد رأسها لعيون السماء تستغيثها.. فتبكي السماء و تُخفي دمعات هذا الشجاع.

واصلت رقصتها على لحن الأنين الذي يفوح رائحته من قلوب أحرقها الشوق والفقد، و خطواتها تموج بانسيابية مع صرير أسنان المشردين الذين لا يجدون دفء في جُنح الليالي الباردة،  وها هي تصل إلى ذلك الجزء الرتيب من سيمفونيتها، الجزء الذي تكرهه أيما كُره، في نقطة امتلاء الحياة بالأكاذيب النابضة بإنسانية مُضللة، فلا تكف عن التبسم بأسنانها الناصعة رغم النتانة التي تسكن أغوارها ، فلا تزفرها سوى في وجوه الضعفاء..  

هنا فقط.. هفت قدمها عن الرقص، ركعت خائرة.. و ضغطت على زر الاستسلام! 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص