الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قصة قصيرة
"بين جناحي فراشة" - وجدان الشاذلي
الساعة 15:37 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

— امتطيت صهوة قلبي، وجئت الموعد قبلي بساعة، تسبقني لهفتي وكومة من الذكريات تجلس على الكرسي المقابل.. 
كنا أطفال في أوائل عمر الدهشة، كل ما نعرفه عن الحياة لايتجاوز حدود معدتنا وأفواهنا ، قطعة من الحلوى، ومزحة . تلك كانت أقصى أمانينا..
في سفح الوادي عند مهد فرحتنا، كنا نطارد الفراشات اللاهية تحت دفء أشعة الشمس.
لانضرب موعداً، لا فواصل صمت، ولا نبحث عن الكلمات حين نتحدث . 
كنا نقول كل مانفكر فيه، وننسى ما قلناه، ونشرع في قول ما لم نقله بعد. 
ويستوقفني صوت سارة : 
- كان مثل هذه قبل أن يشيخ، تضع تلك الحصاة الصغيرة في راحة يدي، مشيرة بسبابتها إلى ذلك الجبل الذي يتكىء عليه منزلنا. 
وأهمس بها:
ــ تأتي الريح محملة بالكثير من الأغاني، ويرقص الشجر ..
تقاطعني سارة: 
ــ لكنه يموت ..
ــ فقط حين يكف عن الفرح . أجيبها .
ونركض خلف الفراشات..


— فنجان قهوتي الرابض قبالتي على صدر الطاولة ينتظر، ويبخر أرامل أفكاري، وتلعق عقارب ساعتي مرارة الرشفة الأخيرة في حنجرتي.. 
ــ لن تجىء ، 
ستجىء ، 
يجب أن تجىء.. 
وأشعر بحقد عميق وكراهية لامبرر لها اتجاه ذلك الشاب الذي يجلس على على مسافة مني، محدقاً في شاشة التلفاز ،ولا ينتظر أحداً.. 
حين يكون عدوك الوقت، لا تفكر أبداً في البحث عن مبررات وأسباب لكل ما تفكر فيه، أو ما تنوي القيام به.
فالانتظار وحده يميط اللثام عن كل ما حاولت أن تخبىء من غبائك وسذاجتك..! 
وينحسر بصري عند قاع الفنجان.

— تحت وسادتي خبأت تلك الحصاة التي أعطتها ليّ سارة، وذهبت أتفقد حجمها كل صباح . 
لكنها لم تكبر أبداً، ويبدو بأنها لن تشيخ وتصبح جبلا.
على خلاف ذلك؛ كبرت سارة غادرت شرنقتها، وكانت الفراشة الأجمل.
وأثناء إنشغالي بسارة وتلك الحصاة، لم ألحظ بأني كبرت أيضاً.
هل كان يجب أن نكبُر ..؟
ومرقت ثلاثون شمساً، ستون شمساً، تسعون شمساً.. وسارة لم تعد تجىء.!
وذهبت أطارد الفراشات وحدي.

—التقطت فنجان قهوتي في محاولة بائسة لقراءة أقدار عشيتي، والمرفأ الأخير لإنتظاري هذا.. 
-) في قاع الفنجان..
تمددت قطرة كبيرة من القهوة بشكل أفقي، وقطرة أصغر تعلوها بقليل.. 
تلك القطرة الصغيرة هاتف سارة الذي أنستها أياه لهفتها عند حافة السرير حين غادرت المنزل.. 
-) في قاع الفنجان أيضاً؛ خيط رفيع من بقايا القهوة يتمدد في المنتصف.. 
ذاك هو الطريق الذي تجتازه الآن في اتجاهي. 
-) القطرات المتناثرة على الحافة . لاتعني شيئاً ، ربما مجرد حافلات تمر بجانبها، 
ماذا لو كانوا مجموعة من الصبية يحاولون إزعاجها؟.

— فراشة جميلة تحلق فوق رأسي، أبسط لها راحة يدي وتستريح .أتأملها.. 
جناحان ورديان؛ لون سارة المفضل.
لها جبهة سارة، عيناها أيضاً تشبهان عيني سارة التي لم تجىء بعد..
لم تجىء بعد..
أطبق عليها راحة يدي، أرسلها تحت قدمي وأسحقها بقوة..!

- لن تجيء.. 
- ستجيء.. 
- يجب أن تجيء..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص