- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
يخرج من بيته في الخامسة صباحاً يحارب طواحين الجوع ، يحمل بعض السكاكين الصغيرة المربوطة إلى حزام يلتف حول خاصرته كقلادة نجاة ، يجتاز دهاليز الحي الشعبي باحثاً في العتمة عن فتات حياة قصم ظهرها الفقر ، وبسرعة وقبل بزوغ الضوء يسابق الحلم ، يتوقف عند ناصية أحد الشوارع الرئيسية بانتظار سيارة عابرة لا يجاوره إلا كلاب المدينة التي آمن بها وآمنت بغيره ، ينتظر أي سيارة قادمة ليتوسل صاحبها أن يركب معه إلى أقرب نقطة فاصلة قد تساعده على قطع نصف التعب وهو في طريقه باتجاه الشارع الذي يعمل به ..لماذا شكلت الحاجة حياته ، كيف يفر سائقوا السيارات فزعا من منظره عندما يرون ملابسه الرثة ويشتمون رائحة الدم ويلاحظون بقايا روث ملتصقا بحذاءه البلاستيكي الطويل هل فكروا أن هذا بفعل الفقر الذي يلتصق به منذ الصغر كتؤم سيامي . هل يعلمون أن ما يقوم به كفيلا بحماية اسرة كاملة من التشرد ..
عندما ينتظر الحافلة العامة ليستقلها ولا ينسى أن يرفع عملة ورقية مهترئة تعادل نصف الأجرة في وجه السائق قبل الصعود ؛ مدعيا عدم وجود غيرها معه؛ يحترق من الأسى والخجل ؛ يتحسر على نفسه التي تستجدي الجميع بانكسار - لحظات انتظار أن يهز السائق رأسه بالموافقة ليصعد وينطلقوا صعبه جدا..
عندما يترجل من الحافلة في ناصية أحد الشوارع الرئيسية ويشعر بالقشعريرة وهو يتبادل العويل
مع العابرين بخفي الم .. كيف يقطع بقية الطريق على قدميه عاريا من جسده وهو يجري باتجاه شارع جانبي ممتلئ بمحلات الجزارة الممتلئة حتى آخرها باشباهه .. يتوجه نحو أول محل ؛ كي يرمي السلام على بعض اصدقاءه قبل أن يخرج سكين يضعها في يده ويتوجه مباشرة نحو مجزرة كبيرة يوجد بها مجموعة من السلخانات ، وما أن يطل برأسه من باب المجزرة حتى يبادره صاحب المحل بصوته الغليض بالسب والشتم :
-ليش تاخرت يا ملعون؟
-ذبحنا عشرين رأس غنم.
- اسرع يا سُبلة الكلب (1).
: حاضر ..
كان عمله بسيط ولكنه منهك ، تجميع رؤوس الماشية والجلود المسلوخة وأقدام الذبائح ، في العادة يقوم بتنظيف الرؤوس والأقدام من الجلد لإعادة بيعها ، يقف أمام بركة كاملة من الدم والكثير من الرؤس الملونة التي تسبح في الدم ويبادر بجمعها في وعاء كبير.. أما الجلود فهو يقوم بغسلها جيداً قبل جرها إلى صندوق سيارة نقل مكشوفة مملوكة لصاحب المحل ..
تبخر حلمه أن يصبح شرطي ينظم المرور منذ أن توقف عن الدراسة تبخرت كل أحلامه وتظائلت إلى مستوى أنه يحلم بأن يقف على ناصية المحل لتقطيع اللحم وبيعه للناس فهو يستطيع تقطيع اللحم جيداً ولكن لم يعط أي فرصة لذلك مع انه يقف مكان أي جزار يمرض أو يغيب وقد تعلم مع الوقت كيف يقطع اللحم وكيف يتعامل مع الميزان بدس الامعاء والشحم بدل اللحم وخلط اللحم بالعظم عند البيع .
عاش على ما يحصل عليه من النقود وما يستطيع جمعه من بقايا عظام الماشية التي يبيعها لبعض الزبائن الذين يأكلون العظام(2) ..
وما أن ينتهي من عمله يجمع غلته من العظام وينصرف بعد أن يغسل المحل ويحد السكاكين والسواطير لليوم التالي..
فتح باب سيارة جيب دفع رباعي آخر موديل ؛ تناول علبة سجائر مارلبورو من على الطبلون واخرج سيجارة وبدأ باشعالها أخذ نفس عميق ونفثه في ذكريات الأيام الخوالي ، يرتدي ثوب أبيض ناصع البياض اشد بياضا من ماضيه يشبه ثوب صاحب المجزرة الذي كان يعمل لديه ويشد خاصرته بحزام مطرز بخيوط من الذهب(3) الذي يلمع ليشعره بالامان ويعتمر مسدس في جنبه الأيسر وفي حضنه تجلس جنبية "صيفاني"(4)كجنبة صاحب المجزره التي اشتراها بعد رحلة عمل واحده طالما كان يراها أمام ذلك الكرش السمين حتى انه لم يكن يحلم بلمسها لا امتلكها .. بخفة قفز إلى الكرسي الأمامي للسيارة والتقط علبه مشروب طاقة ؛ تجرعها دفعه واحده ليروي عطش أفكاره قبل أن يعاود التفكير بصفقة اللحوم الجديدة القادمة من أفريقيا وكيف سيتصرف بها بعد عزل شريكه مسؤول الجمارك ..منذ سنوات بدا بتهريب المواشي من أفريقا برفقة ذلك الرجل الذي كان يأكل العظام ، تردد على منزله كثيراً قبل ان يقنعه بتهريب صفقات من اللحم والمواشي كما يفعل عمه صاحب المحل وبمكاسبها الهائلة ، الحاحه وطمع الرجل فرصه سانحة ليستجيب له ويقوم بتسليمه سيارة نقل صغيرة وجعله يعمل لديه بتهريب كل شيء بمساعدة مسؤول جمارك يسهل لهما ذلك ، إلى جانب انه كان يسهل له المرور من النقاط الأمنية بالرشوة تارة وبعلاقاته المشبوهه الكثيرة مع شخصيات كبيرة بالدولة..ولكنه وبمساعدة مسؤول الجمارك وبعد عدة صفقات تهريب امتلك سيارة نقل صغيرة وقرر العمل لحسابه الخاص فصفقات المواشي المريضة المهربه عبر البحر من أفريقيا رخيصة جداً وتدر ارباحاً خيالية لذا قرر العمل مع مسؤول الجمارك بالمناصفه.. وهاهو يمتلك الآن عدة سيارات ومنزل كبير وثلاث سلخانات ومخزن لتقطيع اللحم بدون علم الرقابة..
التقط علبه جديدة من مشروب الطاقة واخذ جرعة كبيرة منها ونفث دخان سيجارته قبل أن يعود للتفكير مجدداً وهو يحشو فمه بأوراق القات ويتمتم :
-كلهم جزارين
- لن اعجز عن ايجاد بديل في هذه الدولة؛ المهم انني جزار مواشي ولست جزار بشر .
فجأة ..وقبل أن يأخذ نفس آخر من السجارة ترنح وفقد توازنه وسقط على وجهه في بركه كبيرة من الدم قبل أن يسمع صراخ بصوت غليض قادم من خلفه :
- قوم كمل عملك يا سُبْلة الكلب
- يلعن أبو من وردك ..
________________________________________
1- سبلة الكلب: ذيل الكلب.. شتيمة القصد منها ذيل الكلب الذي لا يستقيم يقصد بها شتمه بانه لن يتعلم أبدا أو لن ينضبط بمواعيده ..
2-أكل العظام : يشتري بعض الناس اقدام الحيوانات المذبوحه لصناعة أكلات من أشهرها أكلة الكوارع المشهورة .
3- الأحزمة اليمنية : يتكون الحزام التقليدي اليمني الذي يلبسه اليمنيين من عكيف ونصل، العكيف: هو خباء من الخشب يوضع به النصل ويكون ملتصق بحزام عادة يخاط من خيوط ذهبية عادية ولكن هناك نوعية من الاحزمة تخاط بخيوط من الذهب الحقيقي وهي غالية جدا .
4- الجنبية الصيفاني: وهي القطعة المركبه علي نصل حاد جدا بالعادة تصنع من قرون الحيوانات ولكن الصيفاني هو قرن وحيد قرن احيانا يصل سعره إلى ملايين الريالات لندرته.. أو لقيمته التاريخية أو للمكانة الإجتماعية لمن يرتديه ..
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر