الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قِفْ نَبْكِ على البكتيريا - محمَّد المهدِّي
الساعة 12:48 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

هُوَ ما يشغلُنا في ساعةٍ منسيَّةٍ؛ كي نَذكُرَهْ، 
هُوَ ما يقفزُ كالقُنفذِ في المشهدِ بسم المقبرَةْ: 
عُرسُ حطَّابين لم يحتطبُوا في غابةِ التاريخِ 
إلاَّ بشرًا أنفُسُهم حفلَ شِواءٍ لوُلاةِ الأمرِ صارتْ، 
ها هنا يا حَطَبَ الإنسان: من أشعلَ نارَ الحربِ!! 
والأوطانُ أسرابٌ إلى هاويةِ المجهولِ، والمنفى
تُرابيٌّ على رأسيْ يُلَبِّي رغبةَ الطَّاعُونِ والحُمَّى 
وسقفٌ عبثيٌّ يفتحُ الرِّيحَ على أبوابِ رُوحيْ.. 
آخرُ الصَّبرِ دُخانٌ ينكحُ الثورةَ في المحرابِ، 
ما أكفرَ مَن ينفُخُ في كِيرِ الأسى ما أكفرَهْ!!..

حُكَّ رأسَ الانطفاءاتِ وحدِّق في المنايا، 
ثُمَّ لوِّح لمغيبٍ، نازحٍ من ضجَّةِ الإنسان، 
ضعْ في سلَّةِ الأسفارِ عِبءَ الانكسارات، 
ستُبكِيكَ حصاةٌ وقعَتْ من كفَّةِ النِّسيانِ، 
لنْ تحجبَكَ الجُدرانُ، عنْ أسئلةِ الزِّلزالِ، 
للجمر عيونٌ تأكُلُ الأخضرَ واليابسَ أكلاً، 
وهُنا، للنَّاسِ والجِنَّةِ، أفواهٌ تُجيدُ الثَّرثَرَةْ..

أنت في بيتكِ مَذعُورٌ مِنَ الباطلِ، في الحسِّ، 
تُواليْ قلبَكَ الهشَّ، على الخُذلانِ والحرمانِ، 
تأتمُّ بشعبِ الخوفِ والجُوعِ، هروبًا وطنيًّا، 
وتُصلِّيْ، وحناياكَ جنازاتٌ، صلاةَ المعذِرَةْ.. 
لا تؤاخِذْ قمرًا يقتصُّ مِن عينيك أبعادًا، 
ومِن نجواكَ لا تأملْ بميعادِ نجاةٍ أبدًا، 
فالموقفُ الصَّعبُ سراطُ للمسرَّاتِ، 
ولا يلزمُك الآن سوى أن تَعبرَهْ؛ 
كي تُؤدِّيْ دورَكَ المطلوبَ، 
دافِع عنكَ بالحقِّ بلادًا 
دَافَعَتْ عنكَ نشيدًا، 
وتزوَّدْ بأناشيدِكَ؛ 
فالدَّربُ يُغنِّيْ: 
إنَّ خيرَ الزَّادِ 
إيقاعُ خُطىً 
مُستَبشِرَةْ..

نقطةُ البدء: 
شرودٌ غامضٌ جدًّا، 
يُعرِّيْ فكرةً مجنونةً.. هائجةً
تخرجُ من جُمجمةِ التكوين مثلَ الثَّورِ، 
تُغرِيْ هيكلَ الهامشِ والمتنِ، تُثِيرُ الأبجدياتِ، 
وتجتازُ صفوفَ العقلِ والمنطقِ،أسرارَ لُغاتٍ تتعالى،
حاولِ القفزَ إلى أن يُصبحَ التحليقُ معناك الهوائيَّ،
وعلِّمْ حالةَ الطَّقسِ مُجاراتِكَ معراجًا وأُفْقًا؛ 
فالمسافاتُ طوالٌ كاحتمالاتِ اللَّياليْ، 
ومدارُ القمرِ الجالسِ في الآفاقِ 
ما أطولَهُ من جهةٍ ما أقصَرَهْ!؛ 
فتمرَّدْ وابتَكِرْ أجنحةً مائيَّةً 
لا تغلقُ الأبوابَ في وجهكَ، 
من حقِّكَ أن تستبقَ الوقتَ 
فلا تعبثْ بأجراسِ المنافيْ 
فالجهاتُ السِّتُّ في عينيكَ 
لا أكثرَ من إطلالةٍ مُختَصَرَةْ.. 
سيكونُ الأمرُ في الرِّحلةِ عاديًّا، 
وعاديًّا إذا ألقيتَ أعباءك في البئرِ، 
وعلَّقتَ قميصَ الأرقِ اليوميِّ في الرِّيحِ، 
وأيقظتَ العصافيرَ وزوَّجتَ النَّدى بالعُشبِ، 
واحتَلتَ على حرِّ الضُّحى بالظِّل في أي مكانٍ، 
إن ربَّ الصَّيفِ لا يُزعِجُهُ لو نِمتَ تحتَ الشَّجَرَةْ.. 
الأهمُّ: احترمِ الأحلامَ بالواقعِ في صورتهِ السَّوداءِ، 
لا تجرحْ وميضًا هاربًا من غيمةٍ أو شمعةً مُنكَسِرَةْ..
ما لأعماقكَ في مُستودعِ الحكمةِ والسِّرِّ السَّماويِّ، 
انتَزِعْ مفتاحَهُ من نكهةِ الإحساسِ بالأشياءِ فعلاً، 
واحتفظْ بالسَّببِ الرُّوحيِّ في عُشبةِ إنسانِكَ؛ 
حتى يرثَ الحُبُّ المقاماتِ حياةً مُثمِرَةْ..

فاجَأَتْنَا، نشرةُ الأخبارِ، في الصَّحراءِ: 
عُمرُ النازحِ اليوم يساوي ليلةً باردةً؛ 
والبابُ مفتوحٌ إلى نافذةِ الأُخرى.. 
جلسنا نتحاشى حاجةَ الأديان، 
لم نفرضْ على آثامنا الجزيةَ، 
فالإحسانُ أولى بحنايانا.. 
لماذا نخذلُ المشهد!؟ 
لمْ نخذلْهُ لمْ نخذلْهُ؛ 
لكنَّا تعلَّمنا من النَّملةِ 
أنَّ الحظَّ لا يصنعُ خُبزًا؛ 
فتوكَّلنا ودافعنا عن الغيبِ 
بما يخفى لنا من خردلِ الرَّحمةِ، 
والشاهدُ: أنَّ الماءَ لا يشربُنا كالجمرِ، 
لا تشهدْ بأنَّ الدِّيكَ من أعماقنا طارَ بلا إذنٍ لهُ، 
وعلى مئذنةٍ هاربةٍ حطَّ شهيدًا.. دِيكُنا من طَيَّرَهْ!..

”غَيِّرِ الموضُوعَ“ بالوضعَ، فهذا ليس يعنينا.. 
أظُنُّ الخوضَ في فلسفةِ الأبعاد وهمٌ 
يُوجعُ القلبَ ولا يُكسِبُهُ في الحالِ، 
قيراطًا من الأمنِ الذي يحتاجُهُ؛ 
فالوضعُ موضوعُ الحقيقيِّين، 
ضعْ خطًّا دُخانيَّ الإشاراتِ 
على غاياتك المُستَعمَرَةْ.. 
وامحُ ذرَّاتِ الأساطيرِ، 
وما تحمِلُهُ من مُطلقٍ، 
حِمْلُ التَّباريح ثقيلٌ، 
وكلامُ الرَّملِ مفتوحٌ، 
وما أعمقَهُ في الذَّات، 
لا تنسَ بأنْ تَستَشعِرَهْ..

عقلُكَ الباطنُ لا يُغنيك 
إذ يدَّخرُ الصُّورةَ والصَّوتَ؛ 
لكي تستبقَ التقويمَ والأحداثَ، 
إنَّ العاطفيَّ الدهرَ أدهى مِن مراثيكَ، 
ولن تعفيكَ من تنهيدةِ الصُّبارِ أنفاسُ العشايا؛ 
فالغنائيُّونَ في هذا الزَّمانِ العبثيِّ، امتلؤوا بالملحِ، 
والنصُّ الغنائيُّ -وقد كان بخيرٍ- جُثَّةً هامدةَ صارَ، 
فكم آلةِ عزفٍ صيَّرَتْهَا فتنةُ الباطلِ، شاهدَ قبرٍ مَا، 
هنا كانت بلادٌ تُشبِهُ الجنَّةَ/ صارت فجأةً كالفحمِ، 
قِفْ نبكِ على البكتيريا.. قِفْ نبكِ.. قِفْ نضحَكْ.. 
هُنا كانت بلادٌ، فجأةً صارت دُخانًا، وانتهى الأمرُ، 
تمامًا تمَّ دفنُ الماءِ في الرِّيحِ بحُلْمٍ بشريٍّ لمْ تَرَهْ..

هُوَ ما يشغلُنا: هذا الصُّداعُ المُتنامي في المدى، 
هذا المدى المحمومُ مُنذَ الأزلِ العاطلِ، 
هذا النَّزقُ الكونيُّ في تصويرنا، 
يشغلُنا هذا الذي يشغلُنا: 
هذا الفناءُ الرَّحبُ.

____________ـ 
 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص