السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عبد الكريم قاسم سعيد ... الصورة بدون مجمِّلات - محمد عبد الوهاب الشيباني
الساعة 16:31 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


قبل اثنتين وثلاثين سنة تعرفت على عبد الكريم قاسم سعيد، كان شابا بكامل حضوره وحيويته، ولم يمض زمن طويل على عودته من دمشق حاملا اجازة الفلسفة من جامعتها الام. كنا شبانا في بداية الطريق وبكامل الامل ،حين لم تكن قد انهدمت كامل خياراتنا في الحياة ، وكانت لنا احلامنا التي لاتحد في تغيير العالم. وكنا نرى في المؤسسات التقليدية الثقافية بما فيها اتحاد الادباء والكتاب كابحا امام رغباتنا في العبور، فذهبنا الى انشاء جمعيات ادبية للتعبير عنا وعن امزجتنا في الكتابة , ومنها جمعية ادبية اسميناها "جمعية الغد الادبية" للدلالة على مغزى الغد ومرموزه في اذهاننا الطرية . 
 

في تلك الفترة كان عبدالكريم قاسم عضوا في الهيئة الادارية لفرع الادباء في صنعاء وربما عضوا في المجلس التنفيذي للاتحاد ايضا ، وكنا نراه قريبا جدا منا بأفكاره ومزاجه الفكه، وسلاسة تعامله معنا. وفي اكثر من جلسة معه استطاع هدم صورة الاتحاد البائسة التي تضخمت في أذهاننا ، فصار الاتحاد ،بحديثه المقنع، بهيا واكثر اشراقا، باعتباره الفكرة النبيلة والحاضن الاهم لكل الافكار والمشارب الثقافية والادبية المتنوعة في اليمن الطبيعي غير المشطور سياسيا، حتى انه مع اعضاء اخرين اذكر منهم عبد الفتاح عبد الولي ولاحقا على المقري عملوا على منحنا عضويات عاملة في الفرع بدون المرور بالإجراءات الادارية المنمطة . حتى انه عمل في اواخر العام 89 على الدفع بالكثيرين على تعبئة استمارات الانتساب للحزب الوليد " حزب التجمع الوحدوي اليمني" الذي اسسه، مع توقيع اتفاقية نوفمبر1989، الاستاذان عمر الجاوي ومحمد عبده نعمان، باعتباره القيمة التبشيرية للتعدد وفكر اليسار المتجدد غير المتحوصل في رحم السلطة والحكم.
 

مضت الاشهر و الايام ويُبتعث صديقنا كريم في العام 1991 الى القاهرة لاستكمال رسالة الماجيستر، التي كان يتمحور موضوعها حول قضايا التصوف واشكالياته عند العارف الاكبر احمد ابن علوان وصادف ان كنت هناك برفقة والدتي للعلاج، وكنت التقي به و استضاف لديه في شقته في مصر الجديدة فازداد قربي منه ، و حينما عاد لحضور فعالية المؤتمر العام السادس للاتحاد في نوفمبر 1993 اي عشية حرب صيف 1994، بوصفه عضوا في المجلس التنفيذي كان يرى في الحفاظ على تماسك هذا الصرح هدفا نبيلا في لحظة الاستقطاب الحاد لطرفي التحشيد للحرب.
 

عاد من القاهرة بشكل نهائي في العام 1995 ، وكانت البلاد قد دخلت منعطفا مغايراً ، بعد ان عبرت سلطة الحرب بحذائها الخشن على حلم اليمنيين في الوحدة والتعايش والشراكة ، كانت لكريم هذه المرة حساباته الخاصة في التموضع السياسي، فاختار العمل في اطار بنية الحزب الحاكم ، حيث تولى رئاسة القسم الثقافي في صحيفة الشعبي العام المركزية "الميثاق" وعمل من خلالها على اعادة الاعتبار للفعل الثقافي ومنتوجه الادبي على وجه الخصوص في صفحاتها والذي كان مهملا تماما، من خلال استقطاب الكثير من الادباء و الكتاب للكتابة فيها، وكان كثير من الزملاء ينشرون نصوصهم فيها تقديرا لشخص صديقنا، وليس حبا في الصحيفة ولا الخط السياسي الذي تعبِّر عنه.
 

في منتصف 1996 كان هناك مشروعا لإصدار صحيفة تحمل اسم " الشعبية" بواسطة حزب اتحاد القوى الشعبية وكان كريم ضمن طاقم التحرير فاقترح علي تولي رئاسة القسم الثقافي، غير ان هذا المشروع انتهى باكرا وبصدور عدد يتيم منها بعد ان سوى المتنافسون والمنتفعون الحزبيون خلافاتهم المالية مع ملاك الحزب.
 

ومع ربيع العام 1997 انعقد المؤتمر العام السابع للاتحاد ، في ظرف شديد التعقيد وبعد ان ظهرت بوادر الانقسام الواضح في قيادة الاتحاد واللجنة التحضيرية للمؤتمر خطا خطوة غير متوقعة مع المرحوم عدنان ابو شادي وعبد الله عوبل واخرين بإقناع الاستاذ عمر الجاوي بالعودة بالانخراط في اعمال المؤتمر فقبل ان يترشح ضمن الهيئات، ليحصد كل اصوات المؤتمرين واُنتخب رئيسا للهيئة الاستشارية ، قبل ان يعاجله الموت في ديسمبر من ذات العام، فعد بعض خصوم الجاوي في الاتحاد مثل هذه الخطوة تنسيقا غير محمود، فعملوا على ابطالها بشتى الوسائل دون فائدة.
 

تولى ادارة تحرير مجلة الثقافة التي تصدرها وزارة الثقافة ، فعمل على احداث نقلة في عملها، ومنها اصدار كتب مصاحبة لها على نحو ديوان المرحوم نبيل السروري المعنون بـ "زرياب" وكتاب عن المرحوم الجاوي "نبراس الحرية" وثالث للناقد محمد علي اللوزي قبل ان يتركها ويلتحق، كمسئول اكاديمي، في المركز العام للدراسات والبحوث والاصدار، وفي تلك الفترة او بعدها بقليل .


منذ العام 2000 عمل ضمن طاقم تحرير الموسوعة اليمنية في طبعتيها الثانية الموسَّعة ، والتي اصدرتها مؤسسة العفيف الثقافية ، وساهم في تحرير ما يتصل بالدويلات والحركات الاسلامية ومدارس التصوف وقضاياه ورموزه عبر التاريخ الوسيط والحديث في اليمن.
وكان في ذات الوقت يتهيأ للدفاع عن اطروحة الدكتورة التي اشتغل فيها هذه المرة على موضوع "اخوان الصفاء وفلسفتهم في الالوهية والوجود" والتي سجلها في كلية الآداب بجامعة صنعاء . 
في المؤتمر العام التاسع للاتحاد الذي انعقد في ربيع 2005 صعد ضمن القيادة الجديدة المحسوبة على الشعبي العام الحاكم بعد ازاحة الاسماء التي حسبت على اليسار عموما ، وتسنم موقع الامين المالي ، لكنه سرعان ما ترك هذا الموقع بعد ان دخل في خلافات مع بقية اعضاء الامانة العامة حول تسيير الجانب المالي في الاتحاد ، اذ كان يرى في الانفاق على المنتوج الثقافي ، وكذا الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية مثل شراء وتشغيل مطبعة وتملك عقارات للفروع اهم من الانفاق على المساعدات السيارة والصرف السائل، لكنه عاد في المؤتمر العام العاشر الذي انعقد في ربيع العام 2010 ليشغل موقع نائب الامين العام في ظرف قاس ، اقله كان التعبير عن ثلمة الانقسام في جسم المؤسسة الرائدة ، ومع ذلك ظل ولم يزل رهانه على دور الاتحاد التنويري في الحياة العامة اكثر وضوحا. 

 

في مسيرته الثقافية والاكاديمية والبحثية الطويلة اصدر كريم اربعة مؤلفات شخصية ومنفردة تنصب كلها تقريبا داخل انشغاله الرئيس في مقاربة قضايا الفكر الاسلامي ومدارس التصوف والحركات الاصولية المعاصرة، وابتدأها في منتصف التسعينات حينما اصدر كتابه الرائد " الاخوان المسلمون والحركات الاصولية في اليمن" في طبعته الاولى" قبل ان يعود ويصدره في العام 1998 في طبعة مصححة ومستوفاة البيانات والمعلومات، وتكمن اهمية هذا الاصدار في انه اول كتاب يقارب حركة الاخوان في اليمن منذ اهتمام مركز الحركة في القاهرة بموضوع اليمن في مطلع اربعينيات حتى تشكيل حزب التجمع اليمني للإصلاح في سبتمبر 1990 باعتباره الوعاء السياسي للحركة في اطار التعددية السياسية التي شهدتها اليمن مع دخول شطريها في وحدة اندماجية فورية، انقلبت الى مشكلة حقيقية ، والى جانب حركة الاخوان قارب وباقتضاب حالات الاحزاب والحركات ذات المنزع الديني والتوجهات الاصولية مثل اتحاد القوى الشعبية وحزب الحق واتحاد القوى الاسلامية الثورية وحزب العمل الاسلامي.
 

وثاني اصداراته كان في العام 1998 ومتصل بدرجة رئيسية برسالة الماجستير التي نالها عن دراسته لقضايا التصوف واشكالياته عند احمد ابن علوان واصدرها بكتاب حمل عنوان " قضايا واشكاليات التصوف عند احمد ابن علوان" بعد تطويعه للقراءة العامة وتخليصه من المستحكمات الاكاديمية الصرفة ، وتطرق فيه لسيرة ابن علوان ومؤلفاته وعصره والاطر التي توزعتها اراءه في قضايا التصوف "مصادره واتجاهاته" وعلم الكلام "التوحيد" والمعرفة والوجود وغيرها من المباحث المتصلة بالنفس والاخلاق.
 

الاصدار الثالث كان في العام 2006 وعنوانه " اخوان الصفا وفلسفتهم في الألوهية والوجود" وهو اطروحة الدكتوراه التي قاربت هذا الموضوع بإشكالياته المتعددة ومنها البيئة التي نشأوا فيها ورسائلهم ومؤلفوها ومصادر فلسفتهم والالوهية في فكرهم والعلاقة بين الله والعالم ، والمشكلات الميتافيزيقية للوجود الطبيعي وغيرها من المباحث المتصلة بأفكار واحدة من اهم مدارس علم الكلام في التاريخ الاسلامي.
 

الكتاب الرابع عنوانه " المواطنة ومشكلة الدولة في الفكر الاسلامي" وصدر في العام 2008 عن ملتقى المرأة للدراسات والتدريب في تعز وفيه قارب الباحث مفهوم المواطنة، والمواطنة والهوية وحقوق المواطنة والمواطنة والتمييز ضد المرأة والمشاركة السياسية الى جانب موضوعات الدولة ومشكلة تنميط المفاهيم، والخلافة بين الوازع الديني والوازع السلطاني ، والدولة في فكر ابن خلدون، والدولة في الفكر الاسلامي الحديث والمعاصر. 
 

والى جانب هذه الاصدارات قام بإعداد كتاب حصار صنعاء شهادات للتاريخ في جزئيين ، واعداد وتحقيق سيرة "سنان ابو لحوم ـ اليمن حقائق ووثائق عشتها " اربعة اجزاء، وصدر له بالتشارك مع اخرين 5 كتب مختلفة ، وله من غير المنشور كتابان جاهزان للنشر عنوان الاول فيهما التحول الديموقراطي واعادة بناء الهوية الوطنية في اليمن، وتصورات حقوق الانسان بين المتعالي والتاريخي .. دراسة في نموذج الفكر الاسلامي. 
 

هذه هي صورة عبد الكريم قاسم سعيد الخطيب التي ابصرتها بدون مجملات الا من تلك التحايا العطرة التي اوجهها لصديق يتم تكريمه اليوم بنادي القصة ، اتفقنا في اشياء عديدة واختلفنا ايضا في قضايا تتصل في وجهات النظر لكنها لم تقطع ابدا خيوط الود التي قوتها الايام خلال ثلاثة عقود.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً