الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
امرأة - محمد المساح
الساعة 15:45 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

كان المطر يهطل بغزارة يا صاحبي.. في الشارع الرئيسي للعاصمة المرتعشة فوق الجبال تصفر في مبانيها الرياح.
وكان المساء يهبط وأشجار الكافور تتمايل وكأنما المطر يدغدغها وهو يتخلل أغصانها وأوراقها المبللة بقطراته الفضية كانت الأشجار تتمايل وكأنها تضحك أو تتراقص، ونحن البشر نخاف المطر يا صاحبي!
جرينا نأخذ مقاعدنا على حوافي بوفية التحرير، وصرخنا على الشاي بمرح ونحن ننفخ في ايدينا.. وجاء "الصلوي" وبراءة حقول الشعير في وجهه الضاحك، يحمل لنا فناجيل الشاي والبخار يتصاعد منها ليدفيء سطوح الوجوه.. بينما المطر لا يزال يتساقط في الشارع بغزارة. والأشجار تضحك وتتراقص وسط الريح، والسيارات تمرق غير مكترثة، والبشر يهرولون هاربين الى الدكاكين وزوائد السقوف... البشر ينتظرون الأمطار ويتمنونها، وحين تسقط يهربون منها.. في الحقيقة لم أجد تفسيرا لهذه الظاهرة يا صاحبي.
وخلا الشارع إلا من المطر والأشجار، وامرأة وحيدة تسير في وسطه متلفعة بشرشفها الأسود الذي يغطيها من الرأس حتى القدم.
امرأة فقط.. تسير وحيدة لا تلتفت.. تحت المطر وقد التصق قماش حجابها الأسود المبتل بجسدها الدقيق المتناسق... جسد امرأة يتحدى غزارة المطر، وصفير الرياح وعيون المتطلعين من تحت زوائد السقوف وفتحات الدكاكين وشرفة البوفية.. جسد امرأة شهي ومبتل يتحدى الرياح يثير الإشفاق والشجن.. فسألت الرفاق: لأنها امرأة يا غبي!
وفي الحقيقة لم أجد تفسيرا لهذه الظاهرة يا صاحبي. فما معنى أن يكون الإنسان امرأة؟ هل يلغي هذا آدميته؟ أليست كائنا بشريا مثلنا؟.. وقال الرفاق: العرف لا يسمح.. وقال الرفاق:
لقد التصق الثوب على تفاصيل جسدها.. انظر.. إن جسدها مثير وشهي..! 
كان المطر ما زال يهطل بغزارة في الشارع الخالي إلا من الأشجار.. ومن كائن وحيد يلتفع السواد.. يسير وحيدا يسير ويرتعش دون أن يلتفت.
كائن بشري.. لكنه امرأة!
مجلة الحكمة اغسطس ١٩٧٥

من كتاب "لحظة .. يا زمن محمد المساح".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص