الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
(قصة قصيرة)
حليمة وثورة فبراير - موفق السلمي
الساعة 14:02 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

 

في 14مايو رحل والدها من الحياة، ليس أمس؛ وإنما قبل ثمانية أعوام،  لكنها أمس عاشت ذكرى ذلك الرحيل الذي شجى فؤادها، وهدّ أركانها. وفي ذلك اليوم سُمّيت يتيمة، وتغير كل شيء في حياتها، لم يُسمح لها بمواصلة دراستها الجامعيّة، وقد كانت على وشك التخرج، وكان يحتمل أن تحصد المركز الأول على مستوى الدفعة...

     في كلية الآداب، كانت حليمة تدرس لغة عربية،  لشغفها بلغة وأخبار العرب،  ثم ولطموح يروادها منذ الصغر، حلمها أن تصبح شاعرة وكاتبة يشار لها بالبنان، وكان والدها الراحل يشجعها على ذلك، وقد خصص لها عمودا في صحيفة المدينة التي كان يرأس تحريرها آنذاك...

      توفي والدها غدرا في تمام الساعة الثانية بعد منتصف ليل أسود ،وأثناء ما كان يجهز عدد الغد ، دخل عليه خلسة أحد حرس المنشأة ، وباشره بإطلاق النار من مسدس كاتم للصوت، وخرج دون أن يشعر به أحد، وذلك بعد نشره مقالا في يناير من نفس العام، يدعو فيه للثورة على الحاكم...

    وقد قامت ثورة فبراير المباركة  ، وقتل والدها في مايو، وغُيب في اللحد في يونيو ،  وبعدها آل أمرها إلى أخيها الأكبر عبدالله ، وانقطع خبرها عنا.. 

   انقطعت حليمة عن الدراسة، وانقطعت الحياة، انقطعت عن الكلية دون وقف قيد، ودون أن تُعلم أحد...
  حائطها في فيسبوك تهتك ، وكذلك في تويتر ، وسائر المواقع، جوالها أغلق فأغلقت أمامي كل الطرق اللاتي كانت توصلني إليها، ظننتها ماتت، فاحتسبتها عند الله، وحاولت أن أكتم أحزاني حتى عن أمي التي لم أُخفِ عنها شيئا... 

     لكنني أنا الآخر لم يعد بمقدوري مواصلة الدراسة، وكنت في المستوى الرابع،مثلها تماما، لكن هي كانت في الآداب، وأنا في الحقوق، وبين كليتي وكليتها مسافات بعيدة. كنت أحلم أن أفتتح بعد تخرجي منظمة لنصرة الضعفاء والمظلومين، وذلك بمساعدة والدها الذي وعدني بذلك، وبأن يزوجني السيدة حليمة، وذلك بعد تخرجنا...

    عدت إلى قريتي، وأخبرت أمي التي كانت تحلم أن تراني حاكما أو محاميا؛ بعدم قدرتي على الدراسة، وطلبتها بضع شِياهٍ لأرعاها مع أقران طفولتي، وبعد إلحاحي الشديد استجابت والدتي لمطالبي، والدموع تنهمر من عينيها كالمطر،  خلعت عقدا ذهبيا كان مربوطا حول عنقها، ووهبتني إياه..

 أشتريت شاة أو شاتين، وخمسة من الضأن، وعملت لسنتين راعيا للغنم، وبعد ذلك نمت ثروتي وتكاثرت وتزوجت ابنة عمي راعية مثلي...

ذلك ما جرى معي ، أما معشوقتي حليمة، فقد قامت قيامتها ومنذ ذلك الحين ، من بيده ولايتها  ( عبد الله) المكنى بأبي عزرائيل، هو قائد الأشباح في المدينة، وقد كان متدينا متنطعا متزمتا، حرم عليها كل تكنولوجيا العصر، وأحرق كتبها، ومذكراتها..
فسخ خطبتها بي وأبعدها عني، وعن دراستها، وحرم عليها الشعر، لا سيما الغزل، أضف إلى ذلك أنه زوجها مجرما مثله، ومن دون استرضائها...

أصيبت السيدة حليمة بحالة نفسية، وعلى إثرها وضعت على أرجلها الأغلال والقيود، تفيق أحيانا لكنها ما تلبث إلى سكرها أن تعود، وقيودها لا تفارقها أبدا...
 ولدت حليمة لزوجها السفاح ابنتين، وما زالت تحته، وبطبق من ورد بعثت إلي ابنتها الكبرى، حين علمت ذات مرة بدخولي المدينة، مباركة عيد ميلادي الذي قد كنت نسيته مع 
رعيّ للغنم... 

 

 ريف تعز
الأربعاء 15مايو 2019

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص