- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
أتلقى رسائل عديدة من فتيات معجبات، وأهملها في الغالب، لأن ما فيها لا يثير انتباهي بأي حال.. كلمات سخيفة كتبت بخط نميم يغص بالأخطاء الإملائية، والعبارات الركيكة التي تمتدح احدى رواياتي، بل إن هناك من طلبت أن ألقاها وأوقع على نهدها البيضاوي، ولن أندم. وشيء من هذا القبيل. وأصبحت معتادا على هذه الرسائل ولا ألقي لها بالا. وبعد روايتي الأخيرة التي لاقت اهتماما لم أتوقعه، ازدحم صندوق بريدي بالرسائل.. حملت الرزمة متضايقا، وأوشكت أن ألقي بها في الفراغ. وفي مكتبي فككت رباطها الرقيق، وجعلت أطالع سطر أو سطرين من تلك الرسائل التافهة، وأرميها إلى سلة الورق.. وفي إحدى الرسائل توقفت، شدني خطها الرشيق، وجملها الاحترافية الأنيقة. وغام خيالي بشكل لاإرادي متخيلا فتاة في حجة تقابلني في قلعة القاهرة، وتلهمني نصا روائيا خارقا.. وذيلت رسالتها "فتاة حجة الشقراء" ، أرغمني هذا على الابتسام، وتملكتني روح التهكم، وربما الاستخفاف.. وقلت لنفسي أي نص ستلهمنيه فتاة من حجة، وأيضا شقراء.. ونحيت الرسائل جانبا، بينما بقيت رسالتها مستلقية باسترخاء على الطاولة، وأعدت ظهري إلى المقعد عاقدا ذراعي متمتما بأن هذه الفتاة في غاية الجرأة والقحة، حين تقترح علي أن أزورها جازمة أنها ستلهمني نصا لم أكتب نظيره، كانت عيناي تقفز إلى سطور الفتاة الشقراء بين فينة وأخرى، ثم ترتدا عنها باشمئزاز.. لا أعرف كم بقيت عاقدا ذراعي حول رأسي، ثم نهضت محاولا صرف انتباهي إلى أشياء أخرى.. ودار في ذهني أن علي استكمال نص مسرحي طلب مني تقديمه للوزارة لعرضه في المركز الثقافي بمناسبة اليوم العالمي للمسرح.. وقد اتصل بي الوزير بضع مرات وحثني على إنجازه.. وكان شيك الوزارة قد وصل بين رسائل البريد مع رسالة الفتاة المجهولة.. وحفزت نفسي أن أبدأ بكتابة المسرحية، وأخفيت الرسالة المثيرة في أحد الأدراج، ووجدت نفسي غارقا بكتابة سطور الرسالة التي اكتشفت أني احفظها عن ظهر قلب: صديقي الكاتب بسام، أنا زهرة لا نظير لها في الكون نبتت على ظهر صخرة صماء تدعى حجة، أجيد كتابة السرد كما تجيد أنت شرب الماء، قرأت رواياتك سرا، حيث لا يسمح بتداولها في مدينتنا التي تقطنها غالبية عظمى من الإرهابيين والمتطرفين، وهنا لا يسمح للنساء باستخدام العطر أو المساحيق أو الخروج إلى أي مكان سوى إلى القبر، ولسوء الحظ أن أبي اكتشفني أقرأ روايتك الأخيرة التي دخلت مدينتنا في ليلة ظلماء، على غفلة من حراس النقاط في ضواحي المدينة، وتنقلت بين عدد كبير من القراء، وحين وصلت إلي كانت قد بهتت وتهرأت.. ولم أقرأ سوى بضع صفحات حتى اقتحم أبي حجرتي، وانقض علي باللكمات والضربات الطائشة، وهو يقول بنزق" سمعت أنك وضعت أحمر شفاه على شفتيك يا فاجرة".. ثم انتبه إلى كتابك مجدولا على الأرض، فأخذه بتقزز وكأنه فأر ميت، وقرأ عنوان الرواية" رسالة إلى فتاة شقراء".. وانتفخت أوداجه، وانعقد لسانه عن الشتائم، ورأيت الزبد يخرج من فمه لفرط غضبه، وأقسم أن أجلب إليه من كتب إلي هذه الرسالة الضخمة أو يذبحني يوم الجمعة القادم، وأنا فتاة شقراء في العشرين من العمر، ورثت جمال أمي اللبنانية التي ارتبط بها أبي في الضاحية الجنوبية بعد اجتياح اسرائيل لبيروت عام ١٩٨٢م، وكوفئ على نضاله بامرأة جميلة عاد بها إلى الوطن كوسام شجاعة. لكنه حبسها وعذبها وتزوج عليها امرأة محلية.. ولم تعش معه سوى بضعة أعوام، وفارقت الحياة وهي نائمة.. وأخبرني حين كبرت أنني أشبهها وهو يصرخ في وجهي، وكأن هذا ذنب جسيم. وراح يراقبني ويشد علي الخناق، وما إن رأي روايتك في حجري وقرأ عنوانها حتى أقسم أن أجلب كاتب هذه الرسالة البغيضة أو يقتلني.. لم يسمع برواية أدبية طوال حياته، ولم يقرأ شيئا سوى القرآن، وبعض كتب شيوخ الدين المتزمتين. وحاولت عبثا أن اقنعه أنك لست حبيبي، بل كاتب شهير تعيش في مدينة بعيدة، تكتب باحتراف وتطبع آلاف النسخ، وهذه إحداها.. وفي النهاية طلب مني أن أبعث إليك هذه الرسالة، وأرى هل بوسعك أن تنقذني من مصيري المحتم، وتثبت له أنك لست شخصا عابثا يبعث لابنته الرسائل ويغويها.. أعرف أنه شيء غريب وأن قدومك ضرب من الجنون، وهذا لا يعني أنك فاقد للرأفة أو الشجاعة، بل أنك لن تفهم ما أرمي إليه، وقد تظن أنني مصابة بالهوس. ولا أظنك تؤمن بشيء مما كتبت. لكن هذا حقيقي وليس عبثا، وبمقدورك ألا تأتي، وهذا أقل ما انتظره منك، لكن هلا فكرت بزيارة مدينتي لتتمتع برؤية قلاعها العتيقة، وأعرف أن بوسعك إنقاذي، شخص بشهرتك لن يتردد المحافظ عن استقباله، أما عامة الناس فإنهم سفلة ومنحطون يتنافسون على قراءة القرآن وحفظه وتجويده، وعلى الزواج بأكبر قدر من الفتيات قبل الموت. ولا تعول على أن تجد فيهم من قرأ اسمك.. لا أحد غيري قرأ لك، وأظن المحافظ يعرف اسمك من الجرائد وحسب.. وأنت تعرف ما يجب عليك أن تقوله وتفعله، وبإمكانك أن تنقذني من أبي بطريقة واحدة وأنت تعرف ما أرمي إليه، دع المحافظ يكون دليلك إلى منزلنا، افعل هذا وحسب.. ثم ارمني بقارعة الطريق.. أريد منك أن تحررني من سجن أبي بتلك الحيلة، ثم ارمني في قارعة الطريق عند عودتك.. أجزم أنك لن تندم، وأقسم أنك في طريقك إلى حجة.. لا تتأخر عن الجمعة.. فتاة حجة الشقراء.. أثارت الرسالة انتباهه وغضبه في آن. كيف تقسم أنه قادم إليها، ألا تدرك حجم مسئولياته وازدحام جدول ومواعيده، بضع صحفيين يرجون اجراء حوارات معه، ومراسلي قنوات فضائية يبغون اجراء مقابلات له، وأهم من ذلك مسرحية استلم شيكها للتو، ومطلوب منه انجازها الأسبوع القادم. لم يأته النوم، وظل يحاول ابعاد شبح رسالة الفتاة عن ذهنه، التهى بأشياء كثيرة، وامسك بالقلم ليكتب المشهد الأول للمسرحية، لكن أفكاره كانت تتوه، وقلمه يرجف بلا توقف. وشعر بفتور عجيب يعتريه. فأخذ الشيك ورماه في حجر كاتب مسرحيات نشيط، طالبا منه أن ينجز المسرحية للوزارة. وسار إلى مكتب النقل البري، وقطع تذكرة إلى مدينة حجة. وآب إلى مكتبه وهو يشعر بالخفة والحيوية، ورد ظهره على كرسيه متخيلا شكل فتاة حجة، وإن كانت بحاجة إلى مساعدته أو تود أن تلهو بأعصابه.. وأثناء ذلك غرق في سبات عميق دون أن تفتر ابتسامته.
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر