السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
رواية يمنيّة في أول عرض مسرحي في لندن: هل سيختفي اليمن؟ - أحمد الأغبري
الساعة 14:07 (الرأي برس - أدب وثقافة)


على الرغم من ظروف الحرب وجائحة الكوليرا، حضر اليمن مسرحياً في لندن، وتجلى واقعه فيما قبل الحرب، محذراً مما سيؤول إليه حاله الآن، وذلك في عرض مأخوذ من رواية للكاتب اليمنيّ وجدي الأهدل (1973) “بلاد بلا سماء” ترجمها للإنكليزية البروفيسور الأمريكي وليام هتشينز بعنوان “A Land without Jasmine” وهو اسم حملته المسرحية التي عُرضت خلال الفترة 4-6 نيسان/أبريل الجاري في مركز “باترسي للفنون”.

لكن هل القيمة الحقيقية للعمل في كونه أول عرض مسرحي عربي لرواية يمنيّة في بريطانيا، أم في نوعيته كتجربة نجحت في الترجمة بين لغتين والتحول بين فنين وتخطي ورطة الانتقال بين رؤيتين فنيتين إزاء موضوع يُعنى ببلدٍ قصي اسمه اليمن، وصولاً للمشاهد الذي يفترض أن تصل إليه رسالتها الحقيقية؟ وهنا تكون التجربة، على ريادتها، تستحق الضوء باعتبارها نجحت في تقديم بلد كما هو، وفي ظرف حرج يمرّ به؛ وبالتالي فإن كانت المسرحية فشلت في مهمتها تلك فإنها كانت ستضيف مزيدًا من الإحباط إلى ما تصنعه الحرب هناك، لكنها قدّمت مزيداً من الأمل بأن البلد يستحق الانتصار لإبداعه الإنساني، فاليمن حديقة وارفة بالجمال، لكن هذه الحديقة العريقة لم تلق الرعاية والحماية؛ فتُركت للعابثين الذين سلموها لاحتراب مصالح محلية وإقليمية.

قالت المسرحية كل ذلك، ولم يشعر الحضور، الذي اكتظ به المسرح من الجمهور العربي والأوروبي على مدى ثلاث أماسٍ، أن ثمة فجوة أو مجافاة للواقع هناك خلال تصاعد الحدث والحوار الدرامي، لاسيما وقد حَضرَ العرض عددٌ من اليمنيين؛ إذ نجح المخرج الفلسطيني مؤمن سويطات، وفريقه من الممثلين والمساعدين في تقديم عمل ينتمي موضوعيًا لليمن وتقنياً للمسرح العالمي، فقالت المسرحية رسالتها؛ وهو ما يمكن فهمه في تفاعل الإعلام البريطاني مع الحدث.

اختفاء ياسمين والحرب

 عكسَ العرض معاناة المرأة وما تتعرض له في اليمن من ضغوط واستغلال ونظرة دونية تعيق تقدمها وتحرم المجتمع من فاعلية نصفه الحاضن لتطوره. وكعادة الكاتب، في معظم أعماله، فهو يقدّم رؤية ناقدة للمجتمع بشكل غير مباشر من خلال الغوص في بُنية الثقافة التقليدية والتقاط بعض الصور الممزوجة بسحرية الواقع لثمة اختلالات في قعر الوعي العام، ويصعد بها ويمنحها روحا سردية مغايرة، معتمداً في نقده الاجتماعي الثقافي ثيمات مختلفة في كل رواية، وتشترك المرأة في كثير من أعماله كمركز من مراكز الألم الناتج عن التخلف الذي تعاني منه بلاده، في سياق سعيه للارتقاء بالوعي الجمعي، ولعل بداية المواجهة، كما يعتقد، تنطلق من احترام المرأة ما لم فالنهاية مفتوحة، ولهذا أختار لنهاية روايته حدث اختفاء (سماء) والتي تحول اسمها عند ترجمة الرواية للإنكليزية، وكذلك في المسرحية إلى (ياسمين) “باعتباره اسما شائعا في الغرب” ليترك حدث الاختفاء؛ وهو مآل مفتوح، لكل قارئ قرار اختيار النهاية التي يراها مناسبة. يُشار إلى أن الرواية نُشرت عام 2008 وربما أن ما آلت إليه البلاد لاحقاً هو جزء مما حذرت منه الرواية باختفاء (ياسمين). وهنا يربط الكاتب وجدي الأهدل في حديث لـ “القدس العربي” بين اختياره نهاية مفتوحة للرواية وبين ما يحدث في بلاده حالياَ؛ “فاليمن في عام 2019 يواجه مصيراً مجهولاً، وفي الرواية هناك أطراف كثيرة متورطة في اختفائه، وشخصيات عديدة تحوم حولها الشبهات. ما تقوله الرواية بوضوح إن اختفاء بطل الرواية (اليمن) ليست مسؤولية فردية، وليس هناك متهم واحد، بل هي مسؤولية جماعية، وكل الأطراف متورطة وتتحمل جزءا من المسؤولية”.

في معظم أعمال وجدي يبرز الاستغلال الجنسي للمرأة ثيمة رئيسة يختزل فيها معاناة بلده العريق، وكّأنه يقول أن منح المرأة حقها ومكانتها سيعود على المجتمع بما يصبو إليه؛ وهنا يؤكد أن الرجل الذي لا يحترم المرأة هو رجل لا يحترم وطنه، وبالتالي “ففكرة تحويل المرأة أداة للمتعة وتجريدها من روحها وكيانها واستقلالها هي مجاز عن اليمن العريق القديم الذي يُراد استغلاله من أبنائه ومن الأجانب كوسيلة لتحقيق المكاسب المالية والسلطوية، وإهمال الروح اليمنية التي تتغلغل في تراب وهواء وماء البلاد، هذه الروح التي يُراد القضاء عليها بشتى السبل. والشاهد أن منح المرأة في اليمن حقها من الاحترام والمشاركة والمساواة سيؤدي بالضرورة إلى حدوث أمر مماثل فيما يتعلق بالوطن ككل”.

من رواية إلى مسرحية

عندما بدأت فكرة تحويل الرواية لعمل مسرحي تلقى المؤلف طلباً بذلك و”قد وافقت دون تحفظ، كما وجهوا لي الدعوة لحضور عروض المسرحية في لندن على حساب المجلس الثقافي البريطاني، ولكن تعقد ظروف السفر بسبب إغلاق مطار صنعاء جعلني أعتذر عن تلبية الدعوة. وبالتأكيد سرني كثيراً أن يتم تكييف روايتي لعرضها على المسرح”.

وأضاف ان “المسرح البريطاني عريق جداً، ولديه قابلية لاستيعاب تجارب مسرحية متنوعة؛ وبالتالي فإن إقدام فرقة مسرحية على تكييف رواية من ثقافة مختلفة كعرض مسرحي هي خطوة مُرحّب بها، وتأتي في سياق البحث والتجريب الذي يساعد على تطوير المسرح” وأعرب المؤلف عن إعجابه بالمستوى الذي ظهر عليه العرض، معتبراَ أن “المخرج الفلسطيني مؤمن سويطات قد نجح في تقديم نسخته الإبداعية الخاصة، مع الحفاظ على روح الرواية ورسالتها الأساسية. كما تمكنت الممثلة صوفيا الأسير التي قامت بدور ياسمين من تقمص الشخصية، ولعبت الدور باقتدار”.

خيال جديد

وكانت مجموعة مسرحية عربية بقيادة المخرج مؤمن سويطات قررت عام 2018 التوجه للثقافة اليمنية لإنجاز أعمال فنية…يقول المخرج لـ”القدس العربي”: “في رحلة البحث تلك وجدنا رواية (أرض بلا ياسمين) للروائي اليمنيّ وجدي الأهدل المترجمة إلى الإنكليزية، وقررنا إمكانية الاشتغال عليها كمسرحية”. وأضاف: “نوع الكتابة الذي كتب بها وجدي الأهدل والنقاشات حول كيفية نقل الرواية العربية من الزاوية الوثائقية إلى الروائية يجب أن يُطرح. لا أقصد أن ‏نتخلى عن الرواية الوثائقية بل أن ندعمها في الخيالية، والعالم الْيَوْمَ يعيش في وقت الخيال العلمي. وجود الجن أو رموز الجن في رواية وجدي كانت محطة سحرية للمشاهد الغربي”.

“نتاج العرض كانت أكثر من المتوقع. المشاهد العربي قد غص بسبب شُح المسرح العربي في الشتات. أما المشاهد الغربي فقد رحل معنا في خيال وفضاء عربي جديد غير المتعارف عليه” يقول مؤمن.

منقولة من القدس العربي..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً