السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قصة قصيرة
الحياة / للموت بقية - وجدان الشاذلي
الساعة 14:18 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

- الساعة الثانية عشر:
أنفض الغبار عن شهادتي الجامعية المهملة في أحد أدراج الخدمة المدنية منذ خمسة أعوام.
ببطء يمر شريط الذكريات..
وجوه الأساتذة والزملاء، القاعات الدراسية ، أروقة ودهاليز الجامعة ..
وأستعيد الكثير من المشاعر .. 
توجس اليوم الأول ، رهبة الامتحان ، وغصة الوداع في اليوم الأخير.. 
ثم وفي دورة كاملة عكس عقارب الساعة ، أعود مرة أخرى لأنفض الغبار عن شهادتي الجامعية..
أشعر بأنني أختنق ببطء مميت ..
ألتقط أنفاسي وأستعيد واقعي ، على صوت مجموعة من الكلاب خلف نافذتي تتقاتل على كسرة من الخبز ألقيتها منذ قليل .
لم تلبث طويلا ، قبل أن تنزلق قدمي مرة أخرى في هوة الذكرى ..

- الساعة الثانية عشر ونصف :
محدثاً نفسي : هذه الافكار لا تزال تمارس ألاعيبها عليّ ، وتطرد النوم بيد باردة وضمير شبه ميت ..
سأحاول الآن ممارسة حيلتي القديمة والموثوق بها :بدأت العد : مائة ، تسعة وتسعون ، ...

الساعة الواحدة:
من أعلى السلالم تندفع في اتجاهي حيوانات على هيئة غريبة :فيلة بدون خراطيم ، وأرانب لها ريش ، أسود لها آذان أرانب وردية، تماسيح برؤوس غزلان ، وغزلان بدون رؤوس .. 
خرجت هاربا فوجدت نفسي أمشي على الماء يمسني ولا أمسه
..ولكن كيف وصلت إلى تلك الصحراء مترامية الاطراف ؟ والتي لا تنبت فيها شجرة ،ولا يرتفع فيها ظل ، كشعاع رفيع من الضوء انسلّ إلى داخل حجرة معتمة ..
هكذا بدا لي خط الاشجار على الطرف الآخر من الصحراء.. لا أعلم كيف قطعت تلك المسافة في لمح البصر؟ وهبط الظلام فجأة ، فخرجتْ من حيث لا أدري سيدة في منتصف العمر .. تحمل طفلاً لا يكف عن البكاء .. 
كان وجهها يبدو مألوفا كذلك وجه الطفل ، شقت الظلام باتجاهي .. وتوسلتني أن أهديها إلى وجهتها التي أجهلها ..
لم تنتظر ..
أخذت طريقها وكنت أتبعها وأتساءل أينا يهدي الآخر إلى وجهته ؟ 
التهمتها العتمة ولم يتبق سوى صدى بكاء ذلك الطفل ..
ومرق من أمامي في الظلام خيال رجل يبدو هو الآخر مألوفا ، يحث خطاه متجاوزا الأشجار ،
( ناديته ولم يجب ، تضاعفت عدد الأشجار ، وتضاعفت سرعته ، ولكنني ركضت وأمسكت كتفه بقوة وقلت :خذني معك ، فلم يلتفت ، دخل شجرة ضخمة ولم يخرج )أسندت ظهري إلى جذع شجرة أخرى ، كان طولها ستين ذراعا وعرضها ستين ..
بينما كنت غارقا في حيرتي ، سقطت بين يدي ورقة على وجهها الثاني شهادة وفاة ، الاسم في الأعلى يبدو مألوفا، كذلك رقم البطاقة الشخصية وتاريخ الوفاة ، ولكن لِمَ كل تلك التوقيعات والختوم الحكومية التي تذيلها وزارة الصحة ، وزارة التربية والتعليم ، وزارة الثقافة؟
وتشققت الأرض تحت قدمي كاشفة عن هوة سحيقة .. جذبتني إلى أسفل ، ثم إلى أسفل ،وإلى أسفل ..

-الساعة السابعة والنصف :
أغادر المقهى وصوت ذلك الرجل يوخز أعماقي ، وهو يغمز رفيقه مشيراً إليّ :انظر إلى هذا ، ولد العم صالح ، يحمل شهادة جامعية في الهندسة .. ولا يحتكم على ثمن كوب من الشاي!
ثلة من النسوة على الساقية . إحداهن تهمس لأختها .. هذا ولد العم صالح، يقولون لديه شهادة جامعية ، لكنه الآن عالة على مرتب زوج أخته الأرملة! 
هذه المرة أحد عقال القرية يرشقني بالكلمات على وجهي :انظر إلى حالتك الآن ! لو أنك فقط أصغيت إلينا ، وأبقيت على أرض أبيك..
ثم أمضي في غير وجهة أجرجر قدميّ بين الحقول وأنا أشعر بأن نفسي ثقيلة بلا حد ، وأتعثر في طريقي بالكثير من الأشكال الهندسية، الخوارزميات ، المتراجحات ، والمعادلات الكيميائية ..
أبحث عن تلك الشجرة التي طولها ستون ذراعا وعرضها ستون .. 
كي أدخل في جوفها..
أتلاشى 
وأختفي ..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً