السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
ثلاثة كتب غيرت حياتي !!! - طارق آلسكري
الساعة 11:42 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



ليس هناك في الدنيا شيء أمتع من القراءة ! ولا أستطيع أن أتخيل الدنيا بلا كتب
طبعا للحاجة الملحة التي تدفعني وتدفع كل طالب للمعرفة إلى المغامرة وحب اكتشاف العالم وما يدور فيه من أفكار حول كل شيء .. وحول ما يهمني ويهم موهبتي وقوايَ اللغوية والفنية .
الحياة بين الكتب ليست ممتعة فحسب ولكنها تستدعيك لأن تعيش فيما يشبه الطقوس الروحية ! فلنقل:

طقوس الإلهام .
أردت أن أهديكم فكرة أو انطباعي حول مجموعة من كتب الدكتور عبدالحميد الحسامي التي اشتغلت عليها ، والتي دفعتني إلى قراءتها دراستي الأكاديمية حول الصور الفنية ، وما في هذه المجموعة أيضا من مواضيع جديدة على الساحة الأدبية وبالأخص الشعرية ، وأيضا رغبتي في تسليط الضوء على تجربتي الكتابية ، واختبار ما لدي من معلومات ، والأهم كذلك ظلال صداقة حميمة تربطني بالدكتور .
ومن تمام توفيق الله لي أني اخترت ثلاثة كتب ذات مواضيع مشتركة إلى حد بعيد فكأنها بمجموعها تشكل سلسلة مترابطة :
التجديد في شعر الفضول
الحداثة في الشعر اليمني المعاصر
مرايا العرَّاف
هذه الكتب وأثناء تقليبي لصفحاتها اكتشفت كم هو شيء مفيد ورائع أن تقرأ في كتب النقد . لأن وظيفة النقد أستطيع أن أقول أنها ذات رسائل عدة فإذا كانت وظيفة المبدع : الإمتاع . فإن رسالة النقد تقوم على كشف مضامين هذه المتعة ورفع الغطاء عن أسرارها الجمالية الفريدة ، إضافة إلى اكتشاف طرق أخرى للتعبير الجمالي ، إضافة إلى تقديم خبرات جديدة تسهم في تطوير لغة المبدع وخياله الشعري ، إضافة إلى جمع وتحليل كتب التراث في وقت قصير ! فأنت مثلا لا تستطيع أن تقرأ كل كتب التراث دفعة واحدة ! خذ مثلا تراث أديب كالثعالبي مثلا . إن ضيق الوقت ومشاغل الحياة لايسمحان لك بذلك .
أو أنك مثلا لم تستطع هضم كتب عبدالقاهر الجرجاني في البلاغة على سبيل المثال للغته الصعبة لذا فإن كتب النقد تساعدك في معرفة ذلك
نعم .هذا بالضبط ماتستطيع أن توفره لك القراءة في كتب النقد .
الناقد يجهد ويتعب في الاختيار والتحليل واستخلاص الفائدة ويقدمها بين يديك كالفاكهة .
وأنا هنا لست بصدد تلخيص المجموعة التي قرأتها ولكني أتحدث تشويقا للقرَّاء عن انطباعي حولها.

ففي كتاب التجديد في شعر الفضول .
طبعا في البداية قد يتبادر إلى ذهنك أن الكتاب كتاب تاريخي فهو يتحدث عن شاعر قد مات في التسعينات واللغة الشعرية اليوم مختلفة والتحولات الثقافية والتكنلوجيا اليوم بعيدة جدا .. والحقيقة أنك ستفاجأ بعكس ذلك تماما ، فالكتاب يعرض في النقد المفاهيم التي تطرح اليوم على الساحة الأكاديمية .. إنه كتاب معاصر يفيد منها المثقف المعاصر كثيرا .
من هو الفضول ؟ الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان الشاعر والأديب والصحفي الكبير المعروف الذي ناضل في شبابه الاستعمار في الجنوب واستبداد الحكم الإمامي في الشمال .. صاحب بيت وطني كبير قدم الشهداء والتضحيات الكبيرة للوطن .
الفضول هو صاحب النشيد الوطني :
رددي أيتها الدنيا نشيدي .. ردِّديهِ وأعيدي وأعيدي
وما إلى ذلك من مميزات جمة كان يتمتع بها ، ومناصب كثيرة تقلب فيها وشخصيات وطنية وأدبية وفنية قابلها في حياته .
عرض لنا الكتاب شيئا من أيام شبابه وكيف استطاعت تلك الأحداث الجسام في تاريخ اليمن العظيم أن تكون مكونا أصيلا من مكوناته الثقافية والأدبية .
لقد كان للفضول لغة خاصة وصور فنية خاصة .. كان لشعره الغنائي نكهة وجدانية .. نكهة التربة الطاهرة والطبيعة اليمنية العبقرية .. كانت ثقافته الأدبية عالية فقد كان ملمَّا بالمستجدات التي تدور في الساحة الأدبية وكان ذلك واضحا في استخدامه لتقنية الرمز والقناع والأسطورة .
أفادني الكتاب كثيرا .. لأنه كتابٌ مثقَّف . تعرفت من خلاله على فتوحات جديدة في النقد بإمكان الشاعر صقل تجربته الشعرية بها . مِنْ مثل : الرؤية والبنية . ماهي الرؤية وهل يكون شعر بلا رؤية؟ ولماذا الرؤية مهمة ؟ كيف كانت رؤية الفضول للوطن ؟
المعادل الموضوعي .. ظاهرة الانزياح .. معجم الصورة .. كل تلك الإشكالات والمفاهيم والتساؤلات وغيرها والتي تساعد في اتساع الأفق المعرفي لدى الشاعر والمثقف تجدها معروضة في الكتاب بأسلوب جميل يفهمه حتى الطالب في المدرسة . وهذا ما يميز ويحبّب في كتب الدكتور الحسامي .
لقد كان الفضول شاعرا عظيما ومن الصعب أن يكتب أحد عنه، لكنك عندما تقرأ الحسامي وهو يحلل نصوص الفضول الشعرية ويترنم معها ويتماهى معها ويحلق في فضاءاتها تكاد أن ترى الفضول ماثلاً أمام عينيك يحدثك وجها لوجه ! لقد كان الحسامي في هذا الكتاب بمستوى شاعرية الفضول . واستطاع أن يكشف الكثير من الجماليات التي لم أملك أمامها إلا أن أصفق احتفالاً بهذه المتعة التي لا تقل عن متعة شعر الفضول .

أما كتاب الحداثة فهو كتاب في الحقيقة مثير أو أنه تناول موضوعا مثيرا للجدل ، وبالتالي فإن أعصابك تظل متحفزة للقفز والقتال !( الصراع بين القديم والجديد )
الحداثة موضوع شائك ومستفز .. لأن موضوع الحداثة عندما هبت رياحه على القرية – أقول القرية لأننا سافرنا من السعودية إلى اليمن أثناء حرب الخليج - كنا عندها صغارا في المدارس وعشنا ردود أفعال الشارع العربي الخطباء في المساجد والصحف والمجلات وكانت في القرية إمكانات الناس محدودة.
إن أكثر ما سلط الضوء عليه وجعل الناس تنفر من هذا الموضوع هو حداثة : أدونيس .( شاعر سوري من مواليد 1930م) والذي قامت نظريته على القطيعة مع التراث ! وتناقلت الصحف أقوالا وآراء له عن الدين في غاية الاستفزاز . فأصبحت الحداثة الوجه الآخر للشيطان . حاولتُ أن أكتشف ميول الحسامي هل هو مؤدلج ؟ هل هو مع حداثة أدونيس أو ضد ؟
ثم أبحرت في الأوراق !
وأول ما بدأ الكتاب به هو عرض التعريفات التي تحاول أن تكشف لنا عن ماهية الحداثة ، فاكتشفت أن هناك أكثر من أربعين تعريفا للحداثة ، وكل تعريف من تلك التعريفات يقوم عليه منهج وكتب وآراء .. يعني أننا نقف أمام مدارس كثيرة لمفهوم الحداثة ! ولكن ... لماذا سلط الضوء على تعريف واحد فقط للحداثة واعتماده في الخطاب الأدبي الديني وتعميمه وإلغاء ماسواه ؟!
الحداثة ليست القطيعة مع الدين .. ليست القطيعة مع التراث .. ليست عدوة النحو والبلاغة .. وليست ناقمة على سيبويه وابن القيم .
كل ذلك كان يدور في ذهني وأنا أقلب صفحات الكتاب .
لقد نجح الكتاب في العودة بي عبر الزمن إلى أيام الطفولة .
الكتاب يرصد تاريخا معينا للحديث عن تجربة الحداثة في اليمن .. ويطرح لنا نماذج لشخصيات أدبية هامة من جيل الرواد وجيل الإمداد كنموذج للتطبيق والشرح . عبدالعزيز المقالح وعبدالله البردوني من جيل الرواد
وشوقي شفيق ونبيل العواضي من جيل الشباب .
هل نجح الشاعر اليمني الحداثي في أدواته ولغته وصوره .. وتجربته الحداثية ؟
أين كانت مواطن الإخفاق ؟
ومن النتائج التي أراها مهمة وقد تثير القارئ لقراءة الكتاب :
(لم يكتف الشاعر الحداثي في اليمن باستثمار الجوانب اللغوية السابقة بل راح يبحث عن طرائق جديدة للتعبير تكون أقدر على حمل المضامين الجديدة لتجربته الشعرية فلجأ إلى المفارقة بدءاً من عنوانات دواوينه كما لجأ إلى الغموض الذي يعد إيجابيا حينما يضفي غلالة رقيقة على النص تزيد من جماليته ويكون سلبيا حينما يحول النص إلى طلاسم تضاعف أزمة التلقي ، ولجأ إلى الصورة الغرائبية تعبيرا عن سخطه على واقعه المتهشم وتجسيدا لمأساة الإنسان المعاصر ، كما استخدم التكرار بأنواعه تكرار الحرف والكلمة والجملة والمقطع والتكرار الاشتقاقي وتكرار الموازاة وهذه الطرائق حققت ثراءً في تجربته الشعرية وإبراز الأعماق النفسية للشاعر ).
لعلكم ستقولون أن تجربة الحداثة في اليمن مثالية ؟!
بالطبع لا .
حسناً . إلى أي مدى كان تعاطيها أو ضعف جوانبها وقصورها ؟
أعتقد أن الكاتب وقع على سر لا نقول فشل التجربة الحداثية في اليمن ولكن نقول ضعفها وعدم إثرائها كما هو معلوم عند جيل الرواد : السياب ونازك وعبدالوهاب البياتي وهو : عدم وجود الاتصال المباشر مع اللغة الأجنبية مع رواد الحداثة في الغرب ، والاعتماد على الكتب المترجمة هو السر في وراء ضعف التجربة الحدثية في الشعر اليمني المعاصر .
تجدون ذلك وغيره في الكتاب مبسوطا في هدوء وثقة .
الكتاب يقدم مادة علمية بحتة في أسلوب أدبي راقي .. إنه كتاب يُقدّم للتاريخ ولا يُقدم لرئيس دولة أو لزعيم حزب .

أما كتاب مرايا العرَّاف . هذا العنوان الشاعري الذي أثار غريزة الغيرة لديّ . لأني بدائي في التعامل مع عناوين نصوصي وأشعر بدوار عندما أحاول أن أخترع عنوانا لإحدى قصائدي !
هذا الكتاب يتحدث عن تجربة الشاعر محمد الثبيتي رحمه الله
رائد الشعر الحداثي في المملكة العربية السعودية
طبعا محمد الثبيتي شاعر غني عن التعريف صدرت له ست دواوين
موقف الرمال . التضاريس . تهيَّجتُ حلماً وتهيجت وهماً . عاشقة الزمن الوردي . بوابة الريح .
جمعت أعماله الشعرية الكاملة في مجلد كبير ، واختار الباحث أن يسلط الضوء على جزئية مهمة في تجربته الشعرية وهي : البنية الأسطورية في شعر محمد الثبيتي .
لماذا الأسطورة مهمة وما علاقتها بالشعر ؟ وكيف يمكن أن نوظفها في الشعر ؟
هذا الكتاب من ثلاثة فصول :
تحدث عن أسطورة الخصب في المعجم الخاص بالشاعر الثبيتي
أسطرة الذات والمرأة كيف استطاع الشاعر أن يحول المرأة والذات إلى أسطورة في عملية الانصهار الإبداعي .
ثم خصائص الصورة والمرجعيات
لقد اطلع الثبيتي على العديد من التجارب الشعرية كتجربة رواد الشعر العربي كالسياب والبياتي ونازك ونزار قباني وكيف كانت بداياته متأثرة بأولئك الرواد مر الشاعر في حياته بمحطات كثيرة وكان مخلصا لتجربته الشعرية واضطر للوقوف والانقطاع عن كتابة الشعر فترة طويلة ليمنحه ذلك فرصة التعمق في ذاته والاستقلال الشعري .

وأحب أن أنقل إليكم بعضا مما ورد في الكتاب لمزيد من التعرف على أسلوب الكاتب ، فمما ورد في ثنايا الكتاب: تعددت مظاهر حضور الأسطورة في شعر الثبيتي ، فوردت من خلال الشخصية ( العلم ) / الحدث / الطقوس الأنماط العليا ، وتنوعت مصادر الاستمداد الأسطوري مابين أساطير الحضارة القديمة ، والأساطير المتنزعة من الثقافة العربية والإسلامية سواء الشخصيات التي وردت في القرآن الكريم ودارت حولها الأساطير أو الشخصيات ذات الصبغة الصوفية وشخصيات الحكايات الشعبية والشخصيات العربية التي يؤسطرها الشاعر ، كما تجلى المصدر الذاتي المتمثل بقيام الشاعر بصناعة أساطيره الخاصة . بتصرف

ومن التجارب الشخصية المحزنة التي مر بها الشاعر الثبيتي في حياته والتي تخيّلتها وعشتها وشعرتُ بها وعلمت كم هو مرٌّ طعم الانكسار!
وردت هذه الحادثة في آخر فصول الكتاب والتي تبين أنه كان للملكة العربية السعودية وضعها السلفي أو الديني الخاص مما يجعل اقتحام موضوع الحداثة أمرا خطيرا للغاية وكثيرا ما دفع الثبيتي ثمنه باهضا مما جعل أحد النقاد السعوديين – أظنه الغذامي – يقول : الأيديولوجيا قضت على الشعر :
الحادثة كانت في مدينة جدة . حيث حظي ديوان الشاعر : التضاريس على إعجاب الكثير من النخب الأدبية والفكرية في التسعينات وأراد الناي الأدبي في مدينة جدة أن يحتفل بهذه التجربة وأن يكرم الشاعر بعقد أمسية بهيجة ، وإذا بالشاعر يفاجأ بسماع جلبة وضجة كبيرة داخل النادي ، كان الشجار بين أنصار القديم والجديد ! فخرج الشاعر الثبيتي على إثرها من الباب الخلفي وتم تخريب ليلة عمر كان الشاعر عريسها ! كما كان يقول . لقد وقف التيار السلفي ضد هذه التجربة وفوجئ الشاعر في اليوم التالي بورقة استدعاء من المحكمة !!
لقد كان الشاعر الحداثي زنديقا إنها أشبه بتجربة الحلاج فيما يبدو لي .
لقد كان الجديد سيئا ليس لأنه سيء .. ولكن لأنه جديد !

من قصيدة بعنوان تغريبة القوافل والمطر لمحمد الثبيتي :
أدِرْ مهجة الصبحِ
صبَّ لنا وطنًا في الكؤوسْ
يدير الرؤوسْ
وزدنا من الشاذليَّةِ حتى تفيء السحابةْ
أدِرْ مهجة الصبح
واسفح على قِلَلِ القوم قهوتك المرْةَ المستطابة
أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى
وقلّب مواجعنا فوق جمر الغضا
ثم هات الربابهْ
هات الربابهْ :
ألا دِيمةً زرقاء تكتظ بالدما
فتجلو سواد الماء عن ساحل الظما
ألا قمرًا يحمرُّ في غرة الدجى
ويهمي على الصحراء غيثًا وأنجما
فنكسوه من أحزاننا البيض حُلةً
ونتلو على أبوابه سورة الحِمى
ألا أيها المخبوء بين خيامنا
أدمتَ مِطال الرمل حتى تورّما
أدمت مطال الرمل فاصنع له يدًا
ومدَّ له في حانة الوقت موسما
أدِرْ مهجة الصبحِ
حتى يئن عمود الضحى
وجدِّدْ دمَ الزعفران إذا ما امّحى
أدر مهجة الصبح حتى ترى مَفْرقَ الضوء
بين الصدور وبين الِّلحى

...................................
 

لقد كانت الساعات بين هذه المجموعة ممتعة ومفيدة . وبقيت هناك كتب أخرى للحسامي تنتظر دورها في القراءة مثل كتاب : ذاكرة الزنَّار ، وكتاب النقد السياسي ، وكتاب مراجيع وشم ، وكتاب الأقنعة والوجوه ،وكتاب وشاح ليلى ، وكتاب تحوّلات الخطاب الشعري .
وتوصيتي لأخيرة لأصدقائي الطيبين :
من أراد أن يقرأ الشعر كما لم يقرأه من قبل . من أراد أن يكتب الشعر كما لم يكتبه من قبل .. فليقرأ هذه المجموعة .. هذه المجموعة بالذات :
التجديد في شعر الفضول . الحداثة في الشعر اليمني المعاصر . مرايا العرّاف

 26 مارس 2019

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً