الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
موغابي يستمع إلى آخر نكتة قيلت عنه - وجدي الأهدل
الساعة 13:33 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

بحجة الصراع الناشب مع الغرب، وتخوفه من تصفيته بصواريخ آتية من البحر أو الجو، كان الرئيس الزيمبابوي “روبرت موغابي” يغادر القصر الرئاسي إلى القاعدة السرية لقيادة القوات المسلحة الزيمبابوية التي تقع على مسافة عشرين كيلومتراً خارج العاصمة “هراري”.
كان يبدأ يومه مصرحاً لوسائل الإعلام بشتائم سافلة بحق زعماء أوروبا وأميركا، ثم يفر إلى مخبئه السري متوجساً من انتقام أولئك الرجال البيض.

لكن الحقيقة التي لا يعلمها سوى المقربين، أنه كان يفر من زوجته السيدة “هالي هايفرون” مصطحباً معه مديرة مكتبه الشابة الفاتنة “غرايس ماروفو” لينعم معها بساعات حب طويلة بعيداً من العيون.

كان المقر السري لقيادة القوات المسلحة مجهزاً بغرفة نوم ملكية وحمام جاكوزي فخم، وهناك كان سيادته يكف عن التورية، ويتحول من شتم الدول الإمبريالية إلى صب اللعنات على السيدة الأولى ووصفها بعبارات غير لائقة.

تابع فخامته مباراة كرة قدم بين فريق مانشستر سيتي – ناديه الإنكليزي المفضل- وفريق ليفربول، انتهت بخسارة الأول، فامتلأت عيناه بالدمع وكأنها خسارة شخصية له.
خرج من غرفة النوم إلى المكتب بوجه مأزوم وفم مسحوب إلى الجانب يشبه خرقة مجعدة استخدمت لمسح بلاط متسخ ومبلل. لحقت به مساعدته “غرايس ماروفو” وهي تدندن وتسوي ثنيات معطفه الذي تأثر بجلوسه لمشاهدة المباراة. كان يرتدي بذلة بنية إنكليزية ماركة “سافيل رو” وأما ربطة العنق فقد نسيها على السجادة بقرب سرير النوم.

حين شاهده وزير الداخلية “إدوارد” المنتظر في المكتب منذ ست ساعات على هذه الهيأة، بلا ربطة عنق ولا منديل في الجيب العلوي، استنتج أن فخامته قد تسلق الشجرة واقتطف التفاحة، وربما استخدمت الفتاة الحسناء التي تلهث خلفه المنديل الأبيض لتجفيف وعائها من العسل.

لاحظ وزير الداخلية أن رئيس البلاد الذي ظل يحافظ على مظهره الأنيق وكأنه عضو في مجلس اللوردات البريطاني مدة عقد ونصف عقد قد بدأ يهمل هندامه، وتبدو حلله واسعة عليه بعض الشيء.. لقد فقد عدة كيلوغرامات من وزنه، ويعود الفضل في رشاقته إلى الغادة التي ترافقه كظله.. ابتسم وقال في نفسه: “الآن فهمت لماذا يضع الزعماء منديلاً في الجيب العلوي للمعطف!”.

وجد “موغابي” التقرير اليومي السري الذي تعده أجهزة الاستخبارات والداخلية والشعبة الأمنية بحزب “زانو” مطروحاً على مكتبه، وهاله عدد صفحاته الذي يربو على الألفين، فاتسعت تكشيرته وغطت مساحة الدولة بأكملها.

شرب فخامته قدحاً من الكحول ليرفع من معنوياته، وطلب أن تُعد له وجبة “السادزا”. استأذن الوزير”إدوارد” في الانصراف ليترك الزعيم على راحته، فلم يتلق جواباً، وكأنه لم يتكلم أصلاً.

كان فخامته مُطرقاً وشارداً، ويداه مضمومتان على ما بين فخذيه وكأنه لاعب كرة قدم يقف في جدار دفاعي حامياً رجولته من تسديدة غير مرئية.. تكلم بصوت خفيض مضعضع وبصره يراوح في الأسفل: “لقد طلبت منك أن تُكتب جميع النكات التي يقولها عني الشعب الزيمبابوي في التقرير اليومي فلماذا لم تفعل؟”. احتاج الوزير “إدوارد” إلى ثانيتين ليدرك أن سيده كان يتخيل نفسه نسراً يطل من الأعالي على الشعب: “هذا الشعب الأبله لا يفهم ما أنتم عليه من العظمة والذكاء الفذ.. ولا يدرك أنكم العبقري الوحيد في العالم الذي يحمل ثماني شهادات دكتوراه”.

فجأة تغيّرت ملامح “موغابي” من النقيض إلى النقيض وتحول من مسكين إلى سكين: “أيها السكير العفن! افعل ما آمرك به دون نقاش”. كف الوزير “إدوارد” عن جلسته المسترخية وهبّ واقفاً ورأسه يتدلى على صدره بخضوع: “اغفر لي يا رئيسي ووليّ نعمتي هذا التقصير”.

امتعض “موغابي” وأشار إلى وزيره بالجلوس: “أنا لا أطلب الكثير يا إدوارد.. أنا أطلب الطاعة.. الطاعة وليس غير”. هز الوزير “إدوارد” رأسه موافقاً وقد تعرق جبينه.

قال “موغابي” وقد انقلبت سحنته فجأة من الاكفهرار إلى الابتسام: “هيا أخبرني أيها الرجل الأسود الضخم عن آخر نكتة قالها الشعب الزيمبابوي الطيب لطيف المعشر عن الحثالة التي هي أنا”. تنحنح “إدوارد” وزاغ بصره: “آخر نكتة يتداولها الناس في الشارع عن معاليكم هي نكتة التنكة”.

قال “موغابي” بمرح ضاماً يديه إلى صدره متوسلاً كفتاة صغيرة تطلب خدمة: “أوه لااااا! تبدو نكتة ظريفة.. التنكة!! أرجوك احكيها لنا بطريقتك الكوميدية النذلة يا إدوارد!”.

تلون وجه “إدوارد” وصار سواده أكثر اسوداداً: “إنها نكتة بذيئة.. وليس من اللائق ذكرها في حضور الآنسة غرايس”.

ضحك “موغابي” وصفق بكفيه: “لااااا.. يبدو أنها تتعلق بغرايس.. إذاً من الأفضل أن تبقى لتسمع بأذنيها ماذا يقول الشعب عنها.. هذا الشعب الذي كسَّرت رأسي بالحديث عن حقوقه”.

خرجت “غرايس” عن حيادها وتكلمت والهلع بادٍ عليها: “إذا كانت النكتة تذكرني بسوء فأرجو بإخلاص عدم تلويث مسامعنا بها”.

نقّل “موغابي” نظره بخبث بين عشيقته ووزيره وضرب سطح المكتب بغتة بعنف شديد: “التنكة!”. سرت رعدة خوف في بدن الوزير “إدوارد” فانطلق لسانه: “تقول النكتة إن السيد الرئيس قد اتخذ من سكرتيرته عشيقة له، وإن السيدة الأولى للبلاد قد اكتشفت الأمر، وحرصاً على سمعة دولة زيمبابوي ودرءاً للفضائح فقد وافقت أن تستمر علاقته بها بشرط أن تتم المضاجعات بحضورها وهي تحمل معها تنكة، استغرب السيد الرئيس شرطها ولم يعرف فيمَ سوف تستخدم التنكة. وفي اليوم التالي اجتمع الثلاثة، وطلبت السيدة الأولى أن يمارس الرئيس وعشيقته الجنس واقفين، ولأن صاحب الفخامة قصير وعشيقته طويلة فقد طلبت منه الوقوف فوق التنكة، وافق الرئيس على مضض وراح يقوم بواجبه الرئاسي، فلما رأته يكز على أسنانه ووجهه يتشنج أدركت أنه على وشك أن يقذف فقامت بركل التنكة ليسقط على الأرض، وبهذا الإجراء الوقائي ضمنت أن سكرتيرته لن تحبل منه”.

عقدت “غرايس” حاجبيها وظهر تعبير حانق على وجهها ولوّحت بسبابتها في وجه رئيس الجمهورية مهددة: “إياك أن تضحك!”. كان “موغابي” متمالكاً نفسه بصعوبة، وانتفخ وجهه الذابل مثل بالونة، حبس ضحكاته في جوفه، ولكن مظهر “غرايس” العابس جعله ينفجر دفعة واحدة مثل بركان مطلقاً العنان لضحكات موغابية مدوية تسببت تقريباً في نسف القيمة الشرائية للدولار الزيمبابوي من شدة قوتها.

صاحت “غرايس” وهي تتقافز مغتاظة: “شعب حقير.. شعب فاسق! (تخاطب الرئيس) شعبك غير مهذب ولا بد أن توقفه عند حده يا روبرت.. هذا غير مقبول.. سمعتي صارت مضغة في الأفواه.. أوه أنت مستمتع وتضحك وفخور لأن الشعب يتحدث عن فحولتك وأنك تنكح امرأتين.. شيء مقزز.. لا بد أن تضع نهاية لهذا الأمر.. إما أنا وإما هي”.

أمسك “موغابي” فكها الأسفل بأصبعي السبابة والإبهام محاولاً السيطرة على هبَّتها الغاضبة: “غرايس لقد اتخذت قراري وسأتزوجك.. كفي عن الهياج”. هدأت “غرايس” وسألت: “متى؟”. راح “موغابي” يضرب شفته السفلى بلسانه ممارساً لعبة التنس بفمه: “عندما نحصل أولاً على التنكة!”. ركلت “غرايس” الأرض مغتاظة وعادت إلى غرفة النوم وصفقت الباب خلفها بعنف.

شيّعها فخامته بضحكات رنانة وخاطب وزيره: “أحب رؤية وجهها وهي غاضبة.. إنه يذكرني بمؤخرة الملكة إليزابيث الثانية هاها.. أليس كذلك؟ أليست ملاحظتي صائبة؟”. رد الوزير “إدوارد” متحرجاً: “ربما.. رغم أنه لم يسبق لي أن حظيت بذلك الشرف الرفيع ولكن أعتقد أن الأمر هو كذلك فعلاً!”. وجم “موغابي” فجأة وزايله مزاجه الرائق وصمت. تكلم بعد برهة: “هل تعلم أن لمس الملكة إليزابيث الثانية يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون؟!”. بدأ القلق يساور وزير الداخلية وهو لا يفهم إلى أين يريد سيده الوصول: “معلوم.. هناك قوانين صارمة بهذا الشأن”. سأله “موغابي” ببراءة: “هل تعلم ما هي العقوبة؟”. ازدرد “إدوارد” ريقه وهو يلاحظ تغيّراً في النظرة الآتية من مولاه: “لا..لا”. كشر “موغابي” عن أسنانه: “أنا أعلم.. عقوبة لمس الملكة السجن مدة عام واحد.. عقوبة الصفع السجن مدى الحياة.. وأما عقوبة رؤية مؤخرتها فهي الإعدام”.

شعر الوزير “إدوارد” بالاختناق وأنه غير قادر على الكلام.. ابتسم “موغابي” وتطلع إلى وزيره من تحت نظارته وهو يميل رأسه ذات اليمين وذات الشمال: “ما رأيك يا إدوارد.. هل هذه القوانين عادلة؟”. تلجلج وزير الداخلية في الجواب: “يعني يعني.. هم شعب محافظ ويقدسون الملكية.. ولكن ولكن.. العقوبة مبالغ فيها دون شك”.

شبك فخامة الرئيس أصابعه وشرع يضرب شفته السفلى بلسانه ضربات سريعة تصدر صوتاً مثيراً للأعصاب: “وماذا عنّا نحن.. ما هي برأيك العقوبة المناسبة؟”.

أضلاع الوزير “إدوارد” ارتجفتْ وشعر بقولونه العصبي يؤلمه إلى حد أنه تمنّى الموت: “عقوبة أي شيء؟”.

قال فخامته وعلى فمه ابتسامة عذبة: “هل تعلم كم تبلغ قوتي في الجماع يا إدوارد؟”. أخذت أنفاس الوزير تتسارع وتتحول إلى شهيق: “لا”. رد فخامته وعيناه تشعان بالثقة والرضا عن الذات: “قوة ألف رجل يا إدوارد.. ألف!”.

جحظتْ عينا وزير الداخلية ولم تصدق أذناه ما يسمع فظهر عليه تعبير شخص أصابه الذهول الشديد وقد حدثت أمامه للتو معجزة خارقة للطبيعة.

ضحك “موغابي”: “ماذا اعتراك.. كنت أمزح يا رجل”. واستمر يضحك ويضحك حتى اصفرَّتْ بشرة وزير الداخلية الذي خلت عروقه من الدم.

في ساعة متأخرة من الليل، وهو في طريقه إلى العاصمة هراري، تعرض وزير الداخلية “إدوارد” لحادث انقلاب سيارته – مرسيدس بنز- ولقي مصرعه محترقاً مع سائقه ومرافقه الشخصي.

يشاع أن أحد القرويين شاهد فخامة الرئيس “روبرت موغابي” يدنو من السيارة قبل احتراقها، ولكنه لم يتمكن من سماع الكلمات الأخيرة التي قيلت.

 

منقولة من المجلة الثقافية الجزائرية...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص