الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قصة قصيرة
رضية..والجولة اليتيمة - عبدالله عباس الإرياني
الساعة 13:08 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

الإشارة الحمراء مفتوحة، دائما، لسيارات بعينها، عليها قوم مسلحين. وحلمي لم يستطع أن يتكيف مع المنظر اليومي، إن عاد إلى منزله أفرغ سخطه على زوجته ( رضية ). رضية الراضية بحياتها المتواضعة، وزوجها الساخط من الإشارة. حلمي الاسطوانة المشروخة، ورضية الاسطوانة اللاقطة، الراضية تكتفي بالخزن الحميد، لن تكره زوجها. وخازن الإنسان له حدود. فاض الخازن، إلا أنه الفيض المحب، يتلمس ولا يجرح..قالت ( مطرقة ):
- ليتني أقدر عليهم.
رمقها بعين الدهشة، نطقت رضية أخيرا..قال:
- تقدرين على من ؟
- على من يكسرون الإشارة الحمراء.
ضج ضاحكا. رضية الراضية بوعي، جرحها لكنها التمست له العذر..قالت:
- إذا لم يعجبك كلامي، فما هو الحل؟
نكس الضاحك، القادر فقط على رضية. حلمي الحالم بإشارة لا يكسرها المتكبرون، أدركه الصمت، إذا عاد لا ينبس ببنت شفة. والصمت أتعب على رضية. خزن الصمت أكبر حملا من خزن هذيان الأسطوانة المشروخة. والمنتظرة لعودته لن تنتظر حتى يقتلها صمت حلمي. الكلمات المتضاربة في ذهنها تكاد أن تضيع عليها أعمال البيت، وتنسيها ما أوصاها حلمي، ما يريده اليوم على مائدة الغداء. إلا الطعام يا رضية، يكفيها ما تعانيه من عذاب الصمت. تنفست الصعداء أنهت واجبها نحو الغداء، أعادتها النهاية إلى الكلمات المتضاربة، لن تطفحها الواعية إلا بعد أن تمتلي معدته. والكلمات المتضاربة سرعان ما تحولت إلى العكس، تسأل نفسها: لماذا تأخر حلمي؟ مضت ساعة عن عودته المعتادة. سألته بالمحمول، غير أنه أبدى أسفه: خارج نطاق التغطية، أو أغلقه صاحبه. تحول عذاب الصمت إلى عذاب الخوف، ليتها لم تسأله عن الحل، أو ليتها هضمت الصمت، وأخرجته مع مخلفاتها. ورضية الواعية، لم تسأل أحدا من أقاربه، أرادت أن تحتكر الخوف إلى آخر لحظة. عاد في ساعة متأخرة من الليل، تحولت الكلمات المتقاطعة إلى دموع الفرح، فرح بعودة حلمي. ولم يعد ساخطا، ولا صامتا، أخبرها أنهم وجدوا الحل..قال ( فخورا ):
- كسرناها.
- الإشارة الحمراء ؟!
- نعم.
- لم تكونوا أنتم يا مغفل.
- ههههه..مغفل؟
ردت ( منفعلة ):
- سألتك ما الحل، وليتك سألتني.
رمقها بعين الدهشة، الانفعال الأول في حياتهما المشتركة..ثم ضج ضاحكا، الساخر من رضية..وهي لم يجرحها، الناكسة حزينة عليه.

وفي اليوم الثاني عاد، عودة الصامت الكئيب: كانوا يكسرونها من آن إلى أخر، واليوم الجولة بدون إشارة. غابت الحمراء، بالكاد اجتاز الجولة، وبالكاد تصالح مع الفوضى، وفوضى المسلحين، السابقون واللاحقون. كانوا يكسرون الحمراء رغم أنف العسكري، واليوم يكسرون أنف العسكري. لم يكن العسكري ينتمي إلى الجولة، بل إلى من كانوا يكسرون الإشارة الحمراء. والصامت الكئيب لا يدري، هل يلعن اليوم الذي كان يعود فيه ساخطا، لولاه ما شارك في كسرها؟ ورضية ترمقه بعينها الواعية، حزنها أوسع، تأكد لها أن الجولة كانت يتيمة..قالت:
- لا تندم، ما كان، كان لابد أن يكون..ولكن؟
- المغفلين؟!
لمحته بطرف عينها، لم ترد أن تمليها حتى لا يزيد حزنها، ثم نكست..النكوس الطويل أغضب حلمي..قال:
- والحل يا رضية.
أدارت له ظهرها، يسأل المغفل الآن..خرج الحل عن يد رضية.
يناير 2015م

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً