الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قصة قصيرة
غُربة الروح ... - عبدالرقيب طاهر
الساعة 16:50 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

ناولهُ جواز سفره بعد أن وضع عليه ختم الخروج النهائي
لثلاث سنوات مضت من الإغتراب بعيداً عن مسقطِ رأسه ...

تبسم هو في وجه موظف المنفذ الحدودي قائلاً له شكراً لك ياسيدي على حُسن آل ......

صمط ولم يكمل " العِبارة " فقد سأم المجاملات المملة وشعرَ بأن لم يكن هناك ثمة شيئ يستحق الشكر والتقدير ....

لم يعرهْ موظف الجوازات أدنى إهتمام ولم يبادله بدوره حتى الإبتسام ....

كان هو قد تعود على فضاضة تعاملهم ، وقساوةحديثهم معه طيلة مكوثه في الغربة ....

لوح بكلتا يديه مودعاً البقية من زملائهِ العالقين في زحمة الإنتظار على خط السير ..

لم يبقى بينه وبين الوطن غير ذلك الممر الصغير ، بعد ذلك ربما ستنطفى أعاصير اشواقه ولوعة أحاسيسه الجياشة ...

كله لهفة وشوق لمنظر تلك الأرض وريحتها العطرة كان شوقه إليها يشبه إعصار يضرب حنايا روحه وأصقاع فواده ....

لحظات وسترفع له السواتر الحديدية أذنةً له في العبور بعد أن سُجلت بيانات سيارته ..

شهق شهقة مسموعة وصرخ بأعلى صوته ها أنا ذا في الوطن .......

كانت السماء غير السماء والهواء غير الهواء وقمم الجبال التي تبدو بعيدة المنال تدل على شموخ هذا الوطن الجبار ......

وفجأة يقطع لحظات شرودهِ إتصال ، ليأتي صوت مللئ بالحب والدفىء معاً أين أنت الآن يا حبيبي ؟

قال بصوت متشهنج يشبه بكاء طفل رضيع جائع يلتقمُ ظرع أمه بعد فترة غياب ، الآن لتو ولجتُ أرض الوطن ...

كانت عجلات السيارة تلتهمُ الأرضَ نهماً كما تلتهمُ روحه مسافات الطريق هي أيضاً ...

لن يعود مرة أخرى للغربة ، فقد سأم كل شيء فيها ...
ثلاث سنوات قضاها في الغربة لغرض العمل ، كأنها كانت عليه أربعون يوسف مضت ، بعيداً عن زوجتة وطفله الوحيد وأمه المسكينة وثُلة من الأهل و الأصدقاء الذين تجمعهُ بهم أجمل الذكريات .......

قال متمتماً لنفسه لابأس فقد جمعتُ مالاً ليكفي بأن أفتح لي ثمة مشروعٍ صغير يكون مصدر دخل لي ولأسرتي الصغيرة لأعيش بعدها حياة كريمة بقرب أهلي وفي مسقط رأسي .....

كانت الأسئلة تحوم في رأسه كخلية نحل ملئية بالعسل ف شهر آب ..

كيف سيقابل أمه المسكينة بعد ثلاث سنوات عجاف من الغياب ؟ كيف ستكون أول ليلة مع شريكة حياته إلتي تركها منذو عامها الأول من الزواج ؟!

كانت هي قد تهيأت له كما تهيأت ليوسف إمرأة العزيز .

وصوت طفله الصغير مازال يداعب أذنيه و لم يبارح مخيلته (بابه بابه ) أريد لعبة جميلة ......

كيف ستقام له أول حفلة ؟ وستقابلهُ أول لحظة ؟ وتطبع على خده أول قُبلة ؟ كيف سينفجر باكياً عند قبر أبيه ؟ ويقول له هاأنذا يا أبي عند حسن ظنك بي وعند وعدي لك بأن أكون كما أردتَني مواطناً صالحاً لأهلي ولوطني ..

كيف ستكون الشهقة الأولى والظمة الأولى واليلة الأولى مع حبيبة القلب وشريكة الروح ؟؟ ؟

الأفكار تحتشدُ في مخيلته وبريق الفرح يشبه قوس قزح في عينيه .............. ...........

تقطع كل ذلك صوت رصاصة غادرة و باغتة جأتُه من الأمام لتثقب مقدمة السيارة وتستقر في صدره ...

توقفت السيارة أمام وابل من الرصاص الحي وأظلمت السماء فجأة ...

وصرخة كادت أن تصعد من جوفه منعتها رصاصة ثانية وثالثة ورابعة ...

أنحرفت سيارته عن الطريق وتوقفت وسال دمه كا أضحية عيد ذبحت بسكين صدئه .......

قال أحد أفراد عصابة قُطاع الطرق لصاحبه الملثم هل تأكدت من مقتله ؟

هز الآخر رأسه بعد أن سحبه من مقعد القيادة ورماه على الأرض قائلاً : مازال إبن العاهرة يصارع الموت ...

كانت أنفاسه الأخيرة تكابد خروج الروح ودمه المُسال على الأرض يرسم ما يشبه خريطة الوطن......

وكانت غربة الروح الأخيرة تعلن نهاية قوس قزح وتبدد حلم وطن ضاع ....

رفع سبابته نحو السماء وشهق شهقة أخيرة و وهمس بكلمات متقطعة ...

أشهد بأن هذا هو الوطن ................... ..............

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً