الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قصة قصيرة
قبصة الإستقلال .. - ‏فاروق مريش‏
الساعة 18:42 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



 

الخطيب يصرخ ، والمنبر يرتج ، والأبصار شاخصةٌ نحو عمامة المنبر الخشبية المتزينة بنقوش جبسية ، ومؤذن الجامع هناك في الناحية اليسرى يفتح النافذة للسماح بدخول تيار هوائي يخفف من وطأة الحرارة التي زاد من لهيبها " قبصة " العجوز الذي ألهب جلدي حين سمع شوشرتي ، بعد أن ألهب الخطيب مشاعره وهو يصرخ : ( الوحدة خط أحمر ، سنموت من أجل الوحدة ) .. حينها خرجت مسرعاً إلى صرح المسجد بعد أن أومأتُ لصديقي المتكئ على السارية ليتبعني إلى صرح الجامع مع بقية الأطفال لنلعب زبط جلوس ، وحبس أمان ، ولسان حالنا يتمتم بانتقام : ( خير وسيلة للدفاع الهجوم ).

كان ذلك في بداية عام ٩٥م حين كنتُ في الصف الخامس وكانت الأستاذة سامية - مدرسة الإجتماعيات - تحدثنا دوماً عن العلاقة الحميمية بين ثورتي سبتمبر وأكتوبر وأنها نتاج فعل موحد بالفطرة لإرادة شعب واحد ذو كيانين شمال وجنوب ، وأن هذا الحب العذري والشرعي كان حصيلته مولوداً كلل النضال بالإستقلال في ٣٠ نوفمبر .
كانت تقول يا حبايبي بلهجتها العدنية الرقيقة ، نحن أبناء وطن وتاريخ وحضارة ودين ولغة واحدة ، كنت أستغرب لحديثها وأقارن بين حنانها ومنطقها اللطيف مع قبصة العجوز وصراخ الخطيب في الشمال ، وأقول للأستاذة ببراءتي التي لم تدم معي طويلاً : لماذا لا تترشحي للرئاسة مادام وأن مؤهلاتك وعمرك تتطابق مع الشروط التي في الكتاب ؟
- ابتسمت بلؤم ووجهت لي " قبصة " مفادها أخفض صوتك ، متمتمةً بصوت غير مسموع باقي ٣ سنوات ويبقى عمري ٤٠ يا ... !

وذات مرة قرر الأهل بزيارة لجدي محمد الذي يعمل صياداً في صيرة منذ أكثر من ٥٠ عاماً ، كانت شخصية جدي ملفتة ومحبوبة لأي طفل .. فقد أعتاد لبس " الفوطة والشنبل " وربط نظارته العتيقة بخيط حول رأسه .
رمقته ذات غروب منهمكاً بكل أحاسيسه مع صحيفة أشبه بعشيقة يقلبها بين يديه ، كُتب على واجهتها بالخط العريض ( قبصة الاستقلال ) ..
وحين شعر بقربي صرخ بعفوية : " يا لِيد تعال بهبلك شكليت " .
ابتسمت لروحه الكريمة ولهجته التي ذكرتني بأستاذتي ، مددت يدي بكل أدب لأخذ الحلوى منه ، وفجأة قطع كل هذه السعادة !!
قبصةٌ خاطفة كعاصفة على ذراعي ، أوقفت دوران الأرض حول الشمس مفادها عيب تشل الشكليت...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص