السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
باصرة مؤرخا قراءة في كتابه:
(دراسات من تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر) - د. مسعود عمشوش
الساعة 19:52 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

لا ريب في أن محتوى كتاب “دراسات من تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر” للأستاذ الدكتور صالح علي باصرة يكتسب أهمية كبيرة ليس فقط بالنسبة للمؤرخين والمتخصصين لكن أيضاً بالنسبة لأبناء المجتمع كافة، لاسيما الشباب الذين سيطلعون فيه على كثير من المعلومات المتعلقة بحضرموت.
 

ويبدو لنا أنّ للدراسات الثلاث الأخيرة من الكتاب أهمية استثنائية بالنسبة للشباب إذ أنها تنفـــرد برصد آليات بروز الوعي السياسي بين صفوف التلاميذ والطلاب والسباب في حضرموت، وتؤرخ كذلك لبدايات نضال الطلاب والشباب في حضرموت ضد الاستعمار، وللدور الذي قاموا به في سبيل تحقيق الاستقلال والنهوض الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في بلادنا.
وعلى الرغم من هذه الأهمية الكبيرة التي ينطوي عليها محتوى الكتاب فقد رأينا أن نحصر حديثنا هنا في تقديم سريع لأهم السمات التي – في نظرنا- يتميز بها المنهج الذي استخدمه المؤرخ صالح علي باصرة في تأليف كتابه: “دراسات من تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر”.

 

من المعلوم أنه بفضل عد من مؤرخي القرن الثامن عشر، منهم الفرنسيان فولتير وميشليه والإيطالي فوكو، لم يعد التاريخ يقتصر على رصد الوقائع الحربية والسياسية وتتويج الملوك وسقوطهم، بل أصبح يتناول أيضاً الأبعاد الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحضرية والعلمية والفكرية الخاصة بالمنطقة أو البلاد أو الأمة التي يُؤرّخ لها. وحتى في وقتنا الحاضر لا يزال عدد كبير من المؤرخين يسعى إلى تضمين كتاباته التاريخية جميع تلك الأبعاد. لكن منذ منتصف القرن الماضي أخذ المؤرخون يميلون إلى حصر كتاباتهم في دراسة حقب تاريخية محددة، وفي كل حقبة يركزون على بُعدٍ واحد من الأبعاد “التاريخية” للمنطقة التي يدرسونها، ويرى المؤرخ باصرة في المقدمة التي وضعها لكتابه أن هذا الاتجاه الجديد في تدوين التاريخ يساعد على “دراسة الجزئيات الصغيرة وربما غير المرئية في التاريخ العام لمجتمع معين أو دولة معينة أو إقليم من أقاليمها. وهذا اتجاه حبذه ويحبذه المؤرخون المعاصرون ولأكثر من سبب”.
 

لهذا يكرس الدكتور صالح علي باصرة الكتاب الذي بين أيدينا لدراسة بعض الجوانب من تاريخ حضرموت. وتكريس الكتاب لتاريخ حضرموت لا يعني أنّ، خلال الفترة المنصرمة من مشواره البحثي لم ينشر دراسات وأبحاثاً حول أجزاء أخرى من بلادنا؛ فهو قد شارك في عدد من الندوات والمؤتمرات بمداخلات عن بلادنا بشكل عام أو عن عدن بشكل خاص. ويشير في المقدمة أنه بصدد نشر عدد آخر من دراساته في كتاب بعنوان: “دراسات في تاريخ عدن الحديث”.
 

ومن ناحية أخرى، ينبغي أن نؤكد أن المؤرخ باصرة، عندما يعمد إلى التركيز في كتاباته على هذا الجزء أو ذاك بلادنا، يسعى في الوقت نفسه إلى ربط الأحداث في ذلك الجزء بالأحداث المشابهة أو المعاصرة التي تجري على مستوى البلاد. فهو عند حديثه عن انتفاضة التلاميذ والطلاب في غيل باوزير في مارس 1958، مثلاً، يربطها بالبدايات الأولى للحركة الطلابية في اليمن، وذلك حينما يقول (في صفحة 178): “كانت أحداث المدرسة المتوسطة عام 1958، وتلاميذ عدن في فبراير 1961، ومظاهرات طلاب وتلاميذ تعز وصنعاء في أغسطس 1962 وأكتوبر 1963، وقد استفادت هذه الحركة من خبرة ودروس الثلاثة الأحداث في نضالها اللاحق”.

ومن المنطلق نفسه، نلاحظ أن المؤرخ باصرة، عندما يتناول التاريخ الحديث والمعاصر لمدينة شبام لا يتردد في تقديم عدد لا بأس به من المعلومات حول التاريخ القديم والوسيط للمدينة، أي أنه لا يفصل بشكل جذري بين الجزء الحديث والمعاصر من تاريخ مدينة شبام وتاريخها القديم. باختصار يتبيّن لنا أن باصرة يوظف في كتاباته التاريخية منهجاً علمياً يحافظ على العلاقة الجدلية الوثيقة بين الجزء والكل، ويحاول أن يضع المسار التاريخي للجزء في إطار المسار العام لتاريخ المنطقة.
 

وتكمن إحدى المزايا الأخرى لمنهج باصرة في سعي المؤرخ للالتزام بالحياد والموضوعية. فعلى الرغم من تشكيك بعض النقاد في إمكانية التزام المؤرخ بالحياد عند كتابة التاريخ، ولاسيما التاريخ المعاصر، يبدو لنا أن الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة يحاول أن يبتعد عن النظرة الذاتية أو المؤدلجة. كما أنه يبتعد كذلك عن الانتقائية في المراجع والمصادر. مثلاً، عند تناوله، في إطار دراسته للهجرة الحضرمية إلى شرق آسيا، لقضية الخلاف العلوي-الإرشادي بين المهاجرين يستعرض مختلف الآراء المتناقضة دون تحيز لأي منها؛ فهو يورد آراء محمد بن أحمد الشاطري وعلي بن عقيل وحامد القادري وكذلك آراء صلاح البكري وعلي باكثير وفان دن بيرخ وأولريكا فرايتاج… الخ. وهذا البعد التوثيقي يعكس مدى اتساع قراءات المؤرخ الأكاديمي الذي يحرص أيضاً على ذكر مصادره ومراجعه في أسفل الصفحات… ويتجسد هذا الحرص أيضاً في تضمين باصرة كتابه “بيبليوجرافيا” أي قائمة مراجع ومصادر تضم مائتين وواحد وعشرين مادةً.
 

أما السمة المنهجية الثالثة التي تبرز بوضوح في كتاب “دراسات من تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر” فتكمن في الطريقة التحليلية لعرض المادة التاريخية، وهذه الطريقة تعكس في المقام الأول الخبرة الطويلة لباصرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة عدن، في تقديم المادة بأسلوب واضح ومبسط وبعيدٍ عن التعقيد والإنشائية. ويتجلى أسلوب العرض التحليلي هذا بشكل واضح في – مثلاً- الدراسة المكرسة لـ”بامطرف: إصداراته ومنهجه في التدوين” التي، على الرغم من قصرها، يقسمها المؤلف إلى مقدمة وجزئين، ويقوم بتقسيم كل جزء إلى عدة أجزاء. فالجزء الأول، مثلاً، يحتوي على سبعة أجزاء فرعية (مرقمة من 1 إلى 7) ويتوزع الجزء الفرعي الأول منها ‘لى خمس نقاط مرقمة من أ إلى هـ.
 

ولاشك أن اهتمام باصرة بالبعد المنهجي والتوثيقي في كتاباته التاريخية هو الذي دفعه إلى تكريس تلك الدراسة لبامطرف ومنهجه في التدوين، والدراسة التي قبلها لـ”أعمال المؤرخ سعيد عوض باوزير ومنهجه في تدوين التاريخ”. ويمكن أن نشير هنا إلى أن الأستاذ صالح باصرة قد شارك في الحفل التابيني للمؤرخ محمد بن أحمد الشاطري بدراسة تناول فيها أيضاً منهجه التاريخي. ومن ناحية أخرى يتجسد اهتمام باصرة بمناهج الدراسات والكتابة التاريخية في تأليفه هو والأستاذ محمد سعيد القدال لكتاب “الدليل إلى كتابة الأبحاث الجامعية”.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً