السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الحضارم في الحجاز... رفض لقرارات العثمانيين ومنافسة بريطانيا تجارياً - عبد الحكيم باقيس
الساعة 19:21 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

قبل أشهر معدودة صدر عن مركز الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها، التابع لجامعة الملك سعود بالرياض، الكتاب رقم (20) بعنوان: (الحضارم في الحجاز ودورهم في الحياة العلمية والتجارية من 1840 إلى 1918) للباحث خالد حسين سعيد الجوهي، تناول واحدة من الهجرات الحضرمية التي كان لها تأثيراتها على الحياة العامة في الحجاز، متخيراً الاشتغال عليها في إطار حيِّز زماني دون الثمانين عاماً، من 1840 تاريخ عودة العثمانيين إلى حكم الحجاز، وبداية الانفتاح الفكري والثقافي في الحجاز، بفعل التحولات السياسية والاقتصادية، وحتى 1918 وقت خروج العثمانيين من الحجاز، وهذه المدة المتصلة بالحجاز العثمانية لها دلالتها السياسية والثقافية، أما علاقة الحضارمة وهجراتهم باتجاه الحجاز وتأثيراتهم في الحياة الحجازية فهي ضاربة في التاريخ بحكم عوامل عديدة، منها الجوار الجغرافي، والبعدين الديني والاجتماعي، كما أن تأثيراتهم كذلك ممتدة في الحجاز إلى ما بعد هذا التاريخ، ما يميزها بعمق حضاري عن سواها من الهجرات التي اتجهوا فيها إلى مناطق بعيدة، مثل شرق آسيا، وشرق أفريقيا.
استهل الباحث الفصل الأول بتمهيد عقد فيه المقارنات بين الطبيعة الجغرافية والخصوصية الطبيعية لكل من حضرموت والحجاز، ثم تناول أهم الهجرات الحضرمية خارج حدود الجزيرة العربية، متوقفًا بعد ذلك بشيء من التفصيل عند خصوصية هجراتهم إلى الحجاز، ودروهم في أهم الأحداث السياسية التي شهدتها الحجاز وقتئذ، بسبب المكانة التجارية، ومن ذلك ـ كما يذكر الباحث ـ وقوفهم ضد قرار السلطات العثمانية منع تجارة الرقيق، وتحريضهم للناس والعلماء ضد قرار المنع، ما ترتب عليه اضطرابات، بالإضافة إلى شدة الصراع والمنافسة التجارية مع التجار البريطانيين والشركات الأجنبية 1855، وقد تمخض عن هذا الصراع التجاري على النفوذ، قتال وتمرد وصل إلى ساحات الحرم المكي.
أما على مستوى الصلات السياسية بين الكيانات السياسية في حضرموت والأتراك العثمانيين في الحجاز، وفق قراءة الباحث، فقد كانت تجري بحسب المصالح والصراع الداخلي في حضرموت بين الدولة القعيطية اليافعية في سواحل حضرموت، والدولة الكثيرية في مناطق وادي حضرموت، واستعملت الأخيرة عنصر موالاة العثمانيين في مواجهة نفوذ منافستها الدولة القعيطية المدعومة من البريطانيين في عدن، ومن ناحية أخرى كان الصراع الجاري بين الأشراف الموالين للبريطانيين في الحجاز والعثمانيين يلقي بظلاله على علاقة الحضارم بالحجاز، وعلى طبيعة التبعية العسكرية والسياسية، ويبدو أن السادة العلويين على الرغم من انحيازهم في الداخل إلى الكثيريين، كانوا على المستوى الخارجي يقفون في منطقة المنتصف بين الأشراف والعثمانيين، كان هذا الفضل بمثابة تمهيد للولوج إلى تفاصيل دور الحضارمة الحجازيين في المجالات العلمية (الدينية والثقافية) والتجارية والاجتماعية.
في الفصل الثاني الذي يتناول مكانة الحضارم العلمية في الحجاز يقدم مسحاً استهلالياً منفصلًا عن الحياة العلمية في كل من حضرموت والحجاز، ثم يتوقف عند المكانة العلمية للحضارم وتأثيراتهم على مستوى الشخصيات والأفراد، وعلى مستوى الأسر الحضرمية ذات الدور العلمي والثقافي، وقد ذكر إحصائية مهمة شملت ترجمات للأعلام من أصحاب المكانة الدينية الذين اشتغلوا بالتدريس والإفتاء والإمامة في الحرمين: المكي والمدني، ومن كانت لهم مساهمات في إثراء الحياة الأدبية الثقافية، وكانت بيوتاتهم أشبه بالأندية والملتقيات، زاخرة بالمريدين والأدباء، مثل السيد حسين بن محمد الحبشي، الذي يقول عنه: «كان بيته بمثابة رباط أو زاوية من كثرة النازلين عنده زائرين ومريدين، وكان شغوفاً بالعلم وقراءة الكتب، يملك خطاً جميلاً، ويقوم بنسخ المخطوطات، ولهذا أوجد مكتبة عامرة بنفائس المؤلفات في جميع العلوم والفنون ونوادر المخطوطات، وله تلاميذ من حضرموت والحجاز واليمن والهند وجاوة ومصر والشام وبيت المقدس وبلاد المغرب».
وفي هذا الفصل يذكر الباحث الأربطة والكتاتيب والمكتبات الحضرمية التي أنعشت الحياة الثقافية والفكرية، ودور الحضارمة في نشر التعاليم في البوادي الحجازية، وقد تكرر ذكر عدة أسماء من آل باقيس، كانت مشتغلة بتعليم الحجازيين. يقول جون لويس بيركهارت في كتابه (رحلات إلى شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي): «إن العرق الوحيد الذي عرفته مثابراً من بين أهل شبه الجزيرة العربية هم الحضارمة» وهذه الملاحظة تؤكدها وقائع التاريخ التجاري في الحجاز، فقد كان بيدهم أهم مفاصل النشاط التجاري إلى جانب الهنود البريطانيين الذين كانوا يتمتعون بحماية بريطانية، فيما كان التجار الحضارمة يتمتعون بالمثابرة والذكاء في منافستهم للآخرين، وقد انطلق الباحث في الفصل الثالث (مكانة الحضارم التجارية في الحجاز) من قراءات المقومات الاقتصادية في كل من حضرموت والحجاز، ومن طبيعة العلاقات والتبادل التجاري، ما منح الحضارمة الخبرة اللازمة التي جعلتهم يحتلون مكانة متميزة من بين الجاليات المهاجرة، وقد تركز وجودهم بكثافة في الحواضر والموانئ الحجازية، وممارسة الاستيراد والتصدير، وفي العديد من الأعمال والمهن التجارية المحلية، وإدارة النشاطات في الأسواق التجارية الحجازية.
وقد عرض الباحث أسماء من الأسر الحضرمية التي اشتهرت بالنشاط التجاري، وقتئذ، مثل آل باناجة، آل باعشن، آل السقاف، وآل باجنيد، بالإضافة للعديد من الشخصيات التجارية الحضرمية الأخرى. لكن الملفت أن الباحث يذكر في أكثر من موضع من الكتاب ارتباط التجار الحضارمة بتجارة الرقيق، يقول: «لعب الحضارم دوراً في مجال استيراد وبيع الرقيق في بلاد الحجاز، حيث كان ميناء الشحر والمكلا بحضرموت هما المحطتين الرئيسيتين لتجارة الرقيق، أو محطتي العبور بالترانزيت لهذه التجارة على امتداد السواحل من موانئ ساحل أفريقيا الشرقي، ومن زنجبار والصومال، ريثما يتم ترحيلهم إلى محطات وصولهم النهائية في اليمن والحجاز والخليج العربي» ص 182، ويبدو أن هذه التجارة التي اتسعت في جدة كانت تثير الاشمئزاز وترصدها تقارير اعتراضات القنصل الفرنسي في جدة، الذي كان يرسلها لحكومته في فرنسا من أجل مواجهتها بالتعاون مع العثمانيين، وبعد منع السلطات العثمانية لها تحولت هذه التجارة ـ كما يقول الباحث ـ إلى تجارة سرية، وبأيدي بعض التجار الحضارمة كذلك.
يختم الباحث كتابه في الفصل الرابع حول (مكانة الحضارم الاجتماعية في الحجاز)، وفي هذا الفصل ينطلق من مشترك العادات والتقاليد الاجتماعية بين الحضارمة والحجازيين، ويتوقف كثيراً عند العادات والتقاليد الاجتماعية التي نقلوها معهم إلى مختلف مناطق الحجاز، في الملابس والأطعمة وعادات الزواج والمناسبات الاجتماعية، والاحتفالات الدينية، والفولكلور الموسيقي والغنائي، الأمثال الشعبية واللهجات، وغير ذلك من العناصر ذات الدلالة الثقافية، ويُعدُّ هذا الفصل من أغنى فصول الكتاب في إبراز الآثار الاجتماعية والثقافية للحضارمة الحجازيين، خاتماً الفصل، وفق منهجيته، التي التزمها في الفصول السابقة في بيان أسماء إحصائي بأهم الأسر والشخصيات الحضرمية التي كان لها الفضل والتأثير في الحياة العامة في الحجاز.
يُعدُّ هذا الكتاب الذي أصله رسالة دكتوراه مرجعاً تأريخياً مهمًا حول العلاقة المتبادلة التأثير بين الحجاز وحضرموت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي والعقدين الأولين من القرن العشرين، ولم يخل من الملاحق المهمة التي تغطي وثائق متعددة مهمة تتصل بالمدة الزمنية التي تناولها.

منقولة من موقع العربي...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً