الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
القطة الرمادية - سماح حسين
الساعة 23:22 (الرأي برس - أدب وثقافة)

كنت مستلقياً على ظهري أشاهد فيلماً عن الفراعنة وتقديسهم للقطط واتخاذها آلهة لسبب يجهله العلم حتى اليوم. 
غفيت لدقائق بعدها وحين شرعت بفتح مقلتي أرعبتني قطة رمادية تحدقني بعينيها الصفراوان، انتفض جسدي منها،  وهرعت أُلقيها بنعالي ولعناتي!

اسبوعان مرا ولم أعد أراها حتى نسيتها تماماً، لكني وعلى حين غرة وأنا أمارس حياتي بشكل طبيعي رأيتها تقف محاذية لعتبة غرفتي، كانت متسمرة تراقبني.. هممت برميها بأي شيء تلتقطه يدي،  لكنني شعرت بألم حاد في صدري،  عدة ثوان.. الألم يفتك بي وأشعر بالاختناق، كنت أنظر ناحيتها بعينيّ الجاحظتين أستغيثها أن تنجدني، لكنها ظلت في ذات الجمود...  

لحظة مدوية بين اللامكان واللازمان أخرجت زفيراً طويلاً رفرفت على إثره روحي،  اختف الألوان من عينيّ وبات ما أراه مختزل في اللونين الأبيض والاسود كأفلام الأزمنة المشرقة،  رأيت جسدي أمامي ملقاً على الأرض ففزعت، لكني قبل أن أهرب فاجأتني مقذوفة من إحدى فردات أحذيتي أصابت ناصية رأسي، إنها ضربة مؤلمة حقاً ، حين رأيت راميها استغرقت في دهشتي، لقد كان اخي نصر!!!!
صوت نحيب أمي،  أخواتي والناس المتوافدين فوق جسدي المتجلد من الحراك يعج بالمكان .. رمية أخرى ببيادتي العسكرية  كادت تقتلع رأسي لولا أنني انتبهت وهربت، أوحشني المكان فصوت الصراخ يصم آذاني، حاولت الفرار،  تنططت برشاقة حتى خرجت من بيتنا أخيراً تنفست الصعداء "لن يقذفني أحد بالنعال مجدداً!! "

 أيقنت وأنا أحملق في أطرافي ووجهي أمام المرآة وصوتي الذي لا ينطلق منه غير كلمة "ميااو " أنني تحولت لتلك القطة الملعونة.. زفرت في ضيق وذهبت لأتجول في السوق،  
بدت المسافات متقاربة للغاية..  والحياة باتت سهلة على قطة مثلي.. تنقلت حيث أريد بدون أجرة مواصلات، ولم أعد أتحمل مشقة البحث عن لقمة العيش، لقد كان بوسعي أن آكل أي شي من الحاويات أو من مقربة المطاعم، شعرت بالحماسة وأطلقت ميااااو طويلة توحي بنشوة الانتصار بداخلي، فلن يعايرني أحد الآن على مكوثي بالمنزل و الاستلقاء حتى الظهر..ولن تناقرني أمي على جيبي المصفر من الريالات. 

يوم تلو آخر تعودت على حياة القطط، أثناء تسكعي تبادر لذهني كم أنا مخلوق عظيم، أجل فالشيفرة الغامضة التي حيرت العلماء حول القطط الفرعونية قد فككتها بذكائي!
واصلت مشيي قليلاً لأصادف القطة السوداء ، تلك التي كل مارأيناها استعذنا بالله من الشيطان الرجيم،  نكز جسدي للهواء خوفاً وقلت: أنت أيتها القطة المسكونة بالجان ..حِلي عني !

بادرتني بضحكتها المدوية،  وقالت:
 "منير كيف حالك! " 
تعجبت منها..  فهذا الصوت مألوف جداً ، قلت منتبهاً: 
"سمير!!!!  
قالوا بأنك قضيت في جبهة القتال
وأنك الآن تمرح مع الحور العين!! " 
.
دارت القطة حول نفسها ثم وثبت فوق الجدار بخفة تقول:
"يا لسخرية القدر، بل أنا في جسد قطة سوداء مشؤومة..  على أية حال لقد تأقلمت بهذا الجسد أكثر من جسدي البشري.. 
ألا تظن أيضاً بأن حياة القطط مثيرة! 
أظنني أستمتع الآن اكثر من سابق عهدي"

هتفت متعجباً :
"لكن هل جميع رفاقك هنا؟!  "

قهقه سمير من جديد ولكن بنبرة أعلى من ذي قبل:
"ألم تتساءل يوماً عن سبب تزايد عدد القطط والكلاب الضالة في الأرجاء، متزامناً هذا مع تقلص العداد البشري ؟!!! 
ألم يخطر ببالك أن هؤلاء جميعهم رفاقك!  

مذهولا فغرت فاهي قائلاً:
والجنة والأنهار والحور؟ً!!! 

تنهد سمير ثم قال ساخراً:
"هراء في هراء.. 
كانت الحور وسيلتهم لنحقق حُلماً نفخوه في البالون حتى كبر وتعاظم، كنا كالأطفال مشدوهين بالبالون دون أن نفكر ولو لثانية بأنه منفوخ بالهواء"

زممت شفتي في أسى وقلت :
فتفرقعت أحلامكم في مهب الريح..
على الأقل هذه أفضل من حياة البطالة السابقة، لكنني لست متيقناً ماذا سأصير في حال دهستني سيارة بالخطأ.. قد أتحول إلى عصفور أو حمام زاجل.. أليس كذلك! 

ساخراً أجاب سمير :
" لا تحلم بأن تصير عصفوراً أبداً! 
العصافير هم من لم يلوثوا أياديهم بالدماء.. وطوال عمرهم يحاولون نشر أعابير السلام والمحبة، ولم يفلحوا لأننا كنا نقف في طريقهم ونصدهم "

تعجبت من حديثه، وتذكرت صديقي فارس الذي كنت أتجادل معه بسبب حلمه المزعوم بوطن السلام..  تطلعت للأفق ورأيت سرباً من الطيور الملونة،  قلت: "كيف لك أن تراني حيث أنت يا نقي الروح! "

هتفت لسمير:
حسناً إذن قد أتحول إلى كلب أو ذئب بري.. او ربما أسد.. 

قاطعني سمير وهو يضحك بشدة:
لا تجمح بخيالك يا صديقي، 
حين تدهسك سيارة ستنتقل لعالم الحشرات كما فعل أصدقاؤك.. ألا تظن بأن هذا العالم الصغير مليء بالإثارة والمغامرات !!

قهقهت وقلت: بل واكثر إثارة من حياة البشر المنافقون! 
هيا بنا ياصديقي لنستمتع بوقتنا! 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً