السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
البار يكتب عن أبيه - عبد الحكيم باقيس
الساعة 15:30 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

في عام الحرب الأول في اليمن، في 2015، صدرت أعمال إبداعية مهمة لم تنل حقها من الاهتمام بسبب صدمة الحرب وعلو أصوات القذائف وأخبار القتال، والآن ينبغي النظر إلى خارج مشهد الحرب، وإلى هذه الأعمال التي تخوض هي أيضًا بطولتها الخاصة في مواجهة الفناء، وتقوم بتوثيق حياة من كان لهم التأثير في مختلف جوانب تاريخنا الحديث. ومن بين هذه الأعمال الكتاب «حسين بن محمد البار» الذي أصدره الشاعر والأكاديمي الأستاذ الدكتور عبدالله حسين البار، في عام الحرب الأول، مدونًا فيه جوانب من سيرة أبيه الشاعر والكاتب المعروف، وهو كتاب في السيرة الغيرية، وله أهمية خاصة، ليس في مادته وطريقة عرضه لموضوعه فحسب، وإنما تتضاعف الأهمية لمكانة البارين؛ الكاتب والمكتوب عنه في حياتنا الثقافية. 

وغني عن البيان أن السيرة الغيرية، أو فن التراجم التي تقدم للقارئ سيرة حياة لشخصية عامة مؤثرة في أحد مجالات الحياة العامة حقل قلما ارتاده الكتّاب، حتى أضحى هذا الفن من الفنون الأدبية النادرة في هذا الزمان، حظها قليل للغاية في زمن الصورة والوسائط الحديثة التي زاحمتها في الـتأريخ لمسارات حيوات الأعلام والشخصيات المشهورة، ومن بينها الفلم الوثائقي أو السيرة المصورة، وعلى الرغم سعة انتشارها، تبقى في دائرة محدودة من التلقي والتأثير قياسًا بالسيرة المكتوبة بين دفتي غلاف، والتي تستطيع أن تمارس امتدادًا ماديًا متصلا، وفق منهجيات وأساليب متعددة في سرد الحياة وتوثيق تفاصيلها، يتقاطع فيها الفن بالعلم، مثلما يتقاطع فيها الأدب بالتاريخ.

يذكر الدكتور عبدالله البار أن باعث كتابة السيرة السؤال الذي وجهه أحدهم إليه عن علاقة الشاعر  حسين البار بالشيخ القدّال سعيد القدّال، ووقتئذ لم يجد جوابًا على السؤال، فشعر بمدى الحاجة إلى البحث في سيرة أبيه وتوثيقها، واستنقاذ ما يمكن استنقاذه من هذه الحياة الحافلة التي بدا لحظة السؤال جاهلا بمعالمها وتفاصيلها، ولأنه كما يذكر في المقدمة لم يجد بين أخوته الأحياء من يستطيع الكتابة وجمع أشتات سيرة الأب الراحل الذي لم يعرفوا عنه الكثير، لأنهم نشأوا يتامى، فقد انتدب نفسه لهذه المهمة التي لا بد منها، وبدون أدنى شك، فهو الناقد الأكاديمي الكبير، الذي يعي أهمية الأجناس الأدبية واشتراطاتها، ما جعله يقدم سيرة لا تقف عند حدود وصف تفاصيل الحياة للمترجم له، وإنما تغوص في التفسير والتحليل في أثناء قراءة معالم الحياة التي راح يجمع أشتاتها المتشظية، وفق الاتجاه الذي تبين أسلوبه عند أمين الخولي، ذلك الاتجاه الذي يجمع الدقة العلمية في جمع المادة والمعلومات، ونقدها وتفسيرها، والعرض الفني الجميل لمروي السيرة.

لم تكن المهمة سهلة على الكاتب الذي كان يسمع الكثير من المرويات الشفاهية عن أخبار أبيه ومكانته ممن عايشوه، ﻷنه لا يجد من صلة المعايشة المباشرة ما يعينه على الكتابة عنه، مثل التي نجدها عن كثيرين ممن عايشوا الأعلام الذين ترجموا لهم معايشة مباشرة، مثل ميخائيل نعيمة الذي كتب سيرة جبران خليل جبران، وجبرا إبراهيم جبرا الذي كتب سيرة بدر شاكر السياب، كما أن البيئة المحلية الحضرمية، والبيئة اليمنية عامة، لم تعتد الكتابة عن الحياة أو الاتجاه نحو التوثيق، بالإضافة إلى عدم وعي الأعلام أنفسهم بترك معلومات ووثائق تعين الكتاب على اقتفاء آثارهم وتبين معالمها، وعلى الرغم من هذه الظروف، فقد احتفظت سيرة الشاعر حسين البار بموضوعيتها وعلميتها في اقتفاء أثر الحياة الإنسانية والعامة، من خلال أربعة مصادر: الأول المصادر الشفاهية ممن عايشوا حسين البار، وهنا تأتي أهمية رواية سيدتين فاضلتين من داخل الأسرة نفسها، والثاني الشعر الذي كتبه حسين البار، ويصف مجموعة المواقف والأحداث التي مرّ بها، والمواقف تجاه العديد من القضايا السياسية والاجتماعية، وغيرها مما تستشف منه المعلومات. والمصدر الثالث الورقات التي كتبها حسين البار بخط يده، دون فيها شطرًا من حياته، ويبدو أنها كانت مادة أولية لكتابة ذكريات أو سيرة ذاتية لم يتح لها أن تتشكل. أما المصدر الرابع ففي الأخبار والإشارات التي جاءت في كتابة الآخرين، وفي بعض الوثائق مثل جريدة الأخبار. وهذه المصادر ساعدت الابن البار في تقصي معالم حياة الأب حسين البار، وفي رسم صورة عنه يقدمها للقارئ، وقد كان دقيقًا في إشاراته إلى هذه المصادر. 

اتخذ مروي الحياة الإنسانية والإبداعية مسارًا خطيًا تصاعديًا، من الميلاد في 1918 وطبيعة الأسرة والظروف العامة التي نشأ فيها الشاعر والصُحفي حسين البار، راسمًا تفاصيل العلاقات والأحداث التي عاشها، والأمكنة التي ارتبط بها وجدانيًا (القرين/ المكلا) وأسهمت على نحو كبير في تكوينه، وتفاصيل مشاركته في الحياة العامة في حضرموت، لاسيما اشتغاله بالصحافة، وقصائده الوطنية التي اتصلت بشؤون المجتمع الحضرمي وقضاياه في ظل السلطنة القعيطية في الأربعينيات والخمسينيات، وتفاعله ونقده للأوضاع السائدة آنذاك، فجاءت السيرة وثيقة تاريخية مهمة ليس عن حياة الشاعر حسين البار فحسب، وإنما قدمت صورة عن الحياة الاجتماعية والسياسية وفي حضرموت، وقد تقاطع في أثناء ذلك تطور مسيرته الشعرية بالحياة الصحفية والعامة، مرحلة الاشتغال بصحيفة (الأخبار) الحضرمية، ثم الانتقال إلى عدن والعمل في صحيفة (الجنوب العربي)، و(النهضة)، ثم العودة إلى حضرموت وإصداره لصحيفة (الرائد)، وغير ذلك من مراحل حياته الصحفية وطبيعة المقالات السياسية التي كان يكتبها، غير أن السيرة ظلت تجنح كثيرًا إلى رسم تفاصيل سيرته الشعرية، وتفسير العديد من الظواهر المتصلة بتجربة الشاعر حسين البار، واصلة الشعر برحلة الحياة التي عاشها بمختلف تحولاتها حتى لحظة الموت في التاسع من مارس 1965. وفي الفصل الأخير المعنون (متممات للسيرة لا بد من ذكرها) يستعيد المؤلف قراءة بعض المواقف من حياة الشاعر حسين البار، الحياة الخاصة والأسرية التي عاشها، وتجربته في العشق التي تمخضت عن قصص حب ثلاث كانت ملهمة له في شعره الغزلي، ونفيه تهمة الانتماء لأي من الأحزاب التي كانت منتشرة آنذاك في حضرموت، فلم يكن بعثيًا أو ناصريًا أو ماركسيًا على الرغم من صلاته القوية برجالات هذه الأحزاب، وإنما كان وطنيًا غيورًا يتحرك بحرية خارج دائرة الالتزام الحزبي.       

لقد وجد الشاعر حسين بن محمد البار رحمه الله من يكتب سيرته، ويقدم فيها وثيقة للأجيال عن هذه الشخصية الثقافية المتعددة، فهل يجد الناقد الأكاديمي عبدالله حسين البار من يكتب حياته الحافلة بالعديد من المراحل والانجازات، وهنا تأتي أهمية مبادرته في تدوين مذكراته أو كتابته سيرته الذاتية.

منقولة من موقع العربي...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً