الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
إبــداعــات مـحـفـوفـة بـروعـة الـجـمـال - فايز محيي الدين البخاري
الساعة 09:20 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

بعد 22عاماً مِن رحيلِهِ، وبعد أنْ طالَ الانتظارُ ها هي اليوم الأعمال الكاملة للشاعر المناضل محمد أحمد عبود باسلامة ترى النور بفضل دأبِ ورثته على طباعته لتكون في متناول الجميع.
وقد جاءت هذه الأعمال الكاملة في مجلّد ضخم وأنيق بلغ عدد صفحاته 915صفحة من القطع الكبير. وحوى المجلد كل المجموعات الشعرية التي طُبِعَتْ في حياةالمؤلف، إلى جانب بعض القصائد التي لم توثق بإصدار سابق.

 

ومجموعاته الشعرية السابقة التي حواها مجلد الأعمال الكاملة هي: 
- زهور من حدائق اللواء الأخضر
- مسيرة الثورة في لقطات
- السفر بلا مسافة
- ديوان الشعر الشعبي
الكتاب صدرَ عن مكتبة الجيل الجديد الشهر الأخير من عام 2014م المنصرم، وقدَّمَ له الأديب الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح، الذي أشار إلى أنه عرفَ الشاعر محمد أحمد عبود باسلامة أواخر الخمسينات من القرن الماضي بعد خروجه مباشرةً من سجن القلعة بصنعاء، حيث كان قد أُودِعَ فيه هو وعدد من زملائِهِ الثائرين الشباب من أبناء مدينة إب التي بشّرَتْ بالثورة، ومهَّدَ أبناؤها بمواقفِهم الوطنية الشجاعة بقُرِب اليوم الخالد السادس والعشرين من سبتمبر.
ويضيف المقالح: وكما أثارتْ وطنيّتُه إعجابي فقد لَفَتَ انتباهي ما يتمتع به من تواضع قَلَّ نظيرُه في كل مَن عرفتُ مِن شعراء هذه البلاد. وقد أسهَمَ بعد قيام الثورة بجهد نضالي متميّز، وعندما تأسَّسَ اتحادُ الأدباءِ والكُتَّابِ اليمنيين في أوائل سبعينات القرن الماضي كان واحداً من مؤسسي هذا الاتحاد ومناصريه بوصفه نواة الوحدة اليمنية الشاملة. ومَنْ تأمَّلَ في قصائد هذه الأعمال الشعرية الكاملة يستطيع أنْ يتبيَّن مدى حماسته الصادقة لقيَم النضال والوحدة.

 

ويمكن القول أنَّ شاعرنا أجاد المزاوجة في الكتابة الشعرية بين الفصحى والعامية، وهي ظاهرة عرفَها معظم الشعراء اليمنيين الذين جمعوا بين كتابة القصيدة الفصحى والقصيدة العامية. وربما تكون هذه الظاهرة قد تأسستْ على أيدي الشعراء الفنانين المشاهير أمثال: السودي، والآنسي، والعنسي، وابن شرف الدين، الذين كانوا يكتبون قصائدَهم بالفصحى والعامية، وتركوا لنا دواوين مكتوبة بهما.
في مجموعته الشعرية الأولى (زهور مِن حدائقِ اللواء الأخضر) تحدّثَ الشاعر عن سبب تسمية المجموعة وتأثير بيئة إب في شاعريّته حيثُ قال:
إنَّ مَن يعيش في طبيعة جميلة المناظر يتذوق الجمال مِن مناظرِها الخلّابة، ومدينة إب دُرَّة اللواء الأخضر تحفها الطبيعة الساحرة في صباحها الصافي، وسمائها الزرقاء، وشمسها الدافئة، وربيعها الفوَّاح بكل شذى الزهور، وصيفها الممطر الذي يفجِّر المياه من جبالها الخضراء، فتلوح منسابةً من قمم الجبال المحيطة بها وكأنها سلوس فضية تزين صدرها، ثم مروجها الخضراء يصافحها شعاع الشروق، فتعكس لونها الزمرُّدي عن زرقة الفضاء، بل ويعكس على ألوان الطبيعة فيها لون صفائه ليخلق جوَّاً حالماً له عبقه في مشاعرِنا ونحن نرى لوحةً رائعة الجمال أبدعتها يدُ الخلَّاق جل جلاله. أفلا يخلق ذلك في نفس الإنسان الذي يعيش هذه الطبيعة بُكرَةً وأصيلاً ميلاً إلى حب الجمال في الطبيعة والإنسان؟! فكيف بأحاسيس الشاعر إزاء هذا الجمال البديع؟!

 

ولعلَّ هذه المقطوعة التالية تؤكِّد ما ذهبَ إليه الشاعر آنفا، حيث في قصيدة بعنوان (في أحضان الريف):
 

 

قُلْ لِمحبوبٍ جفا دُنيا الحَضَرْ ** ما لهُ في عُزلةِ الريفِ استَقَرْ؟
هل تناسى أنّني مِن بُعْدِهِ ** مِن لهيبِ الشوقِ في نارٍ سَقَرْ
..........................
وإلى القريةِ في ربوتِها ** حيثُ تعلوها كباقاتِ الزَّهَر
قد مضينا ويدي في يدِهِ ** نقطعُ الأبعادَ والنَّجوى سَكَرْ
وبدارٍ مُشرِفٍ مِن دُورِها ** قد نزلنا وجعلناهُ مَقَر
ودنا الليلُ وما أجمَلَهُ ** في صفاءٍ مُقمِرٍ بعد المطر
والهواءُ الطَّلْقُ يُذكي شوقَنا ** لنقودَ الخطوَ في ضوءِ القمر
ومِن الربوةِ جئنا موضعاً ** نائياً نقضي بهِ بعضَ السَّمَر
حيثُ يشدو الماءُ في جَدولِهِ ** بالغراميّاتِ مِن شِعْرِ (عُمَر)
والفضاءُ الرَّحبُ يجلو قمراً ** نورُهُ الفضيُّ للكونِ عَمَر

 

وهذا النّصُّ الشعري يُذكِّرُنا بأشعار الطبيعة الفاتنة لدى شعراء الأندلس الذين افتتنوا بتلك المناظر الخلابة التي احتوتها أرضُ الأندلس فأنتجوا لنا شعراً بديعاً ومتفرِّدا في مسار الأغراض الشعرية العربية لا يزال وَهَجُهُ يتوالى حتى اليوم.
ومثلما قال ابن خلدون أنَّ الإنسان ابن بيئته، فقد جاءتْ الكثير من نصوص الشاعر المناضل محمد أحمد عبود باسلامة لتؤكِّد هذا القول، ولتعكس صورة ناصعة من نقاء الريف اليمني الذي يقطنه أكثر من 70% من سُكَّان اليمن، والذي أثَّرَ بشكلٍ مباشر في مفردات وصور وأخيلة ومعاني الشعراء اليمنيين الذين قطنوه أو عاشوا جزءاً من حياتهم في أحضان طبيعته البِكْرِ وأهدونا دُرَرَاً مِن نصوصٍ لا يزالُ وقعُ أجراسِها يسري في عروقِنا حتى اليوم.
المجموعة الثانية من الأعمال الكاملة التي حمَلَت عنوان(مسيرة الثورة في لقطات) جاءتْ شاهداً تاريخياً لفترة زمنية عاشها وعايشها الشاعر وكان جزءاً مهماً في مسيرتها النضالية التي تتوجت بثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة عام 1962م. وتعتبر هذه المجموعة بحق وثيقة تاريخية وصورة من صور النضال الوطني الذي كان الأدباء مشاعله الأولى.

 

فيما جاءت المجموعة الثالثة التي بعنوان(السفر بلا مسافة) لتبرز موهبة باسلامة ومقدرته على كتابة الشعر بنوعيه القديم والحديث، حيث كان للشعر الحديث أو الشعر الحر حضور كثيف في هذه المجموعة، التي ذكر الشاعر في مقدمتها - عام 1990م - أنه يظن أنّ في مستقبل الأيام سيصبح الشعر الحديث هو المبرّز في الأدب العربي.
يقول باسلامة في صفحة 626:

 

وقفتُ ببوّابةِ القلبِ
حينَ دخلتُ إليهِ برائِحةِ التوقِ
أرفعُ راياتِ عشقي
هنا تفتحينَ ليَ القلبَ
أدخلُ مستدفِئَاً بالمودةِ منكِ
وأذبحُ في بابِ لوعتِهِ الانتظار
....................

 

وفي المجموعة الرابعة والأخيرة من الأعمال الكاملة، التي كانت مخصصة للشعر الشعبي، يُطالع القارئُ نماذج رائعة من أغراض الشعر الشعبي التي تنقل صورة حية لواقع الإنسان اليمني وحياته المعاشة.
وعموماً الكتاب جميلً بمحتواهُ، وهو كنزٌ حقيقي يستدعي شكر كل مَن سعى وعمل على إخراجه للنور. فضلاً عن أنّ غالبية نصوصه قد وثّقت لمرحلة مهمة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً