الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
حين أغدو نجمة - مسيرة سنان
الساعة 13:11 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


 عندما كان "إسماعيل "يمارسُ فنه الذي يعشق، كنت أنا أُمارسُ طقوس التباهي به..
"إسماعيل "إبن أختي التي تكبرني بأعوام، رجلٌ يعشق مهنته لدرجةِ أنها غدت بالنسبة له فناً يجيدُ ممارسته باحتراف.
ما يجمعني به هو التقارب والتآلف وعدم أعطاء فارق السن الذي بيننا أي أهمية ، فكان دوماً ما يحيطُني ويبقى معي لفترات طويلة ، أحب تلك الأوقات التي تجمعني به خلال النهار.
"إسماعيل" شابٌ متعاون ، في أي وقت يبدي استعداده ليساعد غيره حتى ولو أودى ذلك بحياته، وهذا ماكان يؤرقني دوما، ويجعلني أخشى عليه ...
عندما توفيت أختي ، لم تترك لي منها غير "إسماعيل "الذي بات بالنسبة لي كل شيء..
، عندما كان "أسماعيل "طفلاً تقدم لي حينها الكثير من الخاطبين ،ولكنني لم أقبل بأي رجل ،لم يكن بوسعي تركُ تلك الأمانة ألتي تركتها لي أختي ورحلت إلى غير رجعة..
وها أنا الآن : بتُ إمرأةً في الأربعين ، وزني يزيد كلما تغيرت حالتي النفسية ، أو كلما داهمني الخوف ، أو لمجرد تفكيري بأنه يوماً ما سيتركني ويذهب
.. بتُ أنظرُ لنفسي في المرآة ، فلا أجد سوى امرأةٍ بملامح شاحبة ، وجفونٍ مهترئة .. أقلبُ كفيّ ، فلا ألمحُ غير تلك العروق ، وذلك الملمس الخشن..
لكنني في المقابل أرى جمالي وسعادتي ونضارتي، :كلما رأيتُ إبن أختي ، يؤدي واجبه تجاهي ويحاول إسعادي.. نعيش في بيتٍ صغير ،، يتكوّنُ من غرفتين ، وصالة ضيقة، السقف محشوٌ بالأعواد المتراصة بعناية،، لأنه كان منزلاً قديماً ، وهو ماتبقى لي من إرث والدي..
عندما تمطرُ السماء ،، فأن جميع أجزاء المنزل تمطرٍُ كذلك. أما مطبخنا فيقع في حوشِ المنزل الصغير ، تنور طيني ،،وبعضُ أواني باتت بلون أسود غير لونها من جراءِ مزوالةِ الطهي فيه.
يتوجبُ عليّ كل يومين ، أن أذهب إلى ضواحي القرية ، لأجلب الحطبَ الذي يلزمني ، كذلك أجلبُ الماء من البئر كل يوم ،تلك البئر التي تقع في قلب القرية ، على ظهر حمارٍ عجوز ، بالكاد يمشي..
ورغم كل ذلك ، أبدو سعيدة، وراضيةً بما قسم الله ، وبما جرت عليه المقادير..
أحلامي كأمرأة ترى يوماً ما أبناءها أمامها قد تلاشت، أُفتِشُ عن بقايا أنوثةٍ في جسدي لكنني لم أجد سوى تفاصيلَ قاحلة في أجزاء من جسدي المنتفخ..
في ذلك الصباح ، الذي غادَرَني فيه إسماعيل إلى عمله، ذهبتُ أنا ككل يوم لأجلبَ الماء من البئر . لكنني في ذلك اليوم ، كنت أشعرُ بشيءٍ غير طبيعي ، وكأن شيئاً ما يلاحقني، أتلفتُ يمنةً ويسرةً ، ولا أجدُ خلفي غير الكلاب الضالة ،وصوتِ الرياحِ الباردة ، ولا شيءَ غير ذلك.. أشعرُ بصوتٍ يناديني ، ولكنني لم أتبين ذلك الصوت..
وصلتُ للبئرِ ، وأحكمتُ ربط الحمار جيداً لكي لا يتفلت هارباً..
إذ بي أسمع أصواتاً لنساءٍ قد سبقنني إلى البئر، يتحدثن عن ذهابِ معظم شباب القرية للهجرةِ عبر البحر، وبأن معظمهم يعودون في توابيت إلى أهاليهم،.. شعرتُ بالخوف حينما سمعتُ ذلك الخبر، الذي أفزعني وجعلني أقبضُ على قلبي ..
وجعلني أتذكرُ تلك النظرات التي كان إسماعيلُ يرمقني بها طوال الوقت، وحين أنظرُ إليه يشيحُ بوجهه عني.
تذكرتُ تلك اللية التي جاءني بها ، وأنا منهمكةٌ بتجهيزِ وجبةِ العشاء ، فأتاني مقبلاً رأسي قائلاً : -
لو تحولتُ نجمةً في السماء، هل ستتعرفينَ عليّ؟!.
أجبتهُ ساخرةً : 
-نعم وسوفَ أفتحُ لك النوافذَ لتنيرَ هذا العتم في بيتنا... صمتَ قليلاً ثم ذهبَ إلى فراشه..
انتبابني ليلتها شعورٌ بالوحشة، وكأن كل جدرانِ المنزل، باتت بلون الصمت الذي ملئني تلك الليلة.. تركتُ كل شيءٍ من يدي ، وذهبتُ إلى إسماعيل، فوجدته ممداً على بطنه وكأنه يحمل ثقل السماء على ضهره ... أذركتُ ليلتها أنه يفكرُ بأمرٍ ما، وأن في رأسه مشروعاً ينتوي الإقدام عليه.. تركتُ البئرَ ذلك الصباح، وتركتُ الحمار البائسَ على حاله،، ومضيتُ قاصدةً البيت.، كنت أحاولُ أن أركضَ بسرعة لعلي ألحق بإسماعيل، ساورني الخوف أن يكون قد انتوى أمراً كنت أخافه طيلةَ حياتي
... كانت المسافاتُ تتباعد، والمنزل يزداد بعداً، وجسدي الثقيل لا يكاد يحملني، وأنفاسي اللاهثة لا تكاد تسفعني.. وصلتُ إلى المنزلِ أخيراً ، ناديتُ بصوتٍ مرتعش: -إسماعيل إسماعيل..
لكنه لم يجب ، ولم يكن في المنزل، دخلت غرفته ، أفتشُ في حقيبةِ ثيابه القديمة، فلم يكن هناك أي شيء نقص،، وقع نظري على نافذةِ الغرفة، التي تقبعُ فيها زرعةُ النعناع التي يحبها ، فوجدتُ بين أوراقها ورقةً صغيرة، مكتوبٌ عليها ،،: -أمي،، أفتحي نوافذ المنزل كل ليلة ، لكي يصلك نورُ النجمةِ التي ستعتلي السماء لتنير عتمة بيتنا..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص