الاثنين 25 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
رسالةٌ من المنفى - طارق آلسكري
الساعة 10:40 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

عَليَّ مَلَابِسِي .. وَأنا
ونافذةٌ على المَاضي .. وَأُسْطُورَةْ
وأرْصِفةٌ خَلِيليَّةْ
وبابٌ في طريقِ الشَّمسِ مَسْكُونٌ
بأشباحٍ ظَلاميَّةْ
وأحزانٌ .. وأحقادٌ .. وأوْجاعُ
وأقنعةٌ دخانيةْ
وَتَذْكِرَةٌ مُزَوَّرةٌ .. رَمَادِيّةْ
وَفَانُوسٌ 
سَألتُ اللهَ يُصْلِحُهُ
فَيَخْرُجَ مِنهُ عِفْرِيتٌ
يُحرِّرُنِي
ويأتيني بما تَهْوَى أمَانيَّهْ
وَجُرْحٌ نازِفٌ .. وَيَدٌ
تُضَمِّدُني .. وترحلُ بي مِنَ القِدَمِ
وَأوتارٌ بِلا نَغمِ
وَأشْجارٌ مُصَوَّحَةٌ مِن الألمِ
وأسْيافٌ .. وأوْتادٌ .. وأصْقَاعُ
وَصَوْتٌ مِن وراءِ التَّلّْ .. يُقْبِلُ فَوْقَ ظَهْرِ الخيلْ
: ( وَهَبْناكِ الدَّمَ الغَالي .. وَهَلْ يَغْلَى عَليكِ دَمُ ؟ )
غَدَاةَ أَطَلَّ سبتمبرْ .

*

دَخَلْنا عَامَنا الرَّابِعْ
مِنَ الحَرْبِ الخُرَافيَّةْ
ولا زِلنا .. ولا زِلنا
نُراقبُ حُلمَنا الضَّائِعْ
على الأَيْدي المُغولِيَّةْ
وَهَا قَدْ عَادْ
هذا العامُ كالمُعْتادْ
وَأشْعَلْنا عَلى تلكَ الجِبالِ الشُّمِّ 
شُعْلتَنا البِدائيَّةْ
تَقابَلْنا .. 
وَعَيَّدْنا 
: وأهْلاً عَمَّنا الغالي .. ولا يغلى عليك دمُ
نُراهنُ أنْ نَظَلَّ صَدَىً لِصوْتِ هُدَاهُ
يا أللهُ
يا أللهُ
يا أللهُ أنقذنا من الدَّعْوَى السُّلالِيَّةْ
علينا بعضُ أطْمَارٍ ممزَّقَةٍ
وأطفالٍ مُروَّعَةٍ
وَفَضْلُك رَبَّنا وَاسِعْ
على بابِ المَطارِ الآنَ
: يا أللهُ
يا فتَّاحُ
يا رزّاقُ
ياوهّابُ
أينَ تَسيرُ قافلتي الْيَمَانِيَّةْ ؟ .

*

وَحِينَ أَطَلّْ ..
حين أطلَّ سبتمبرْ
أَفَاقَ القلبُ
وَارْتَعَشَتْ أَمَانِيهِ كَنَافُورةْ
وَهَلَّ الصُّبحُ والمطرُ
وقام الرَّمْلُ والحَجَرُ
ولكنْ ..
عَادَ مُنْكَمِشاً مِنَ الوَجَلِ
وَمُنْصَعِقاً
وَمُنْقبِضَاً مِن الزَّللِ
فَلَمْ تُبْقِ الحروبُ الألْفُ مِنْ أمَلِ
وَعَادَ الخيلْ .. مُنْزَوِيَاً وَراءَ التَّلّْ
غَدَاةَ أَطَلّْ
وغامَ الأفْقُ ..
وَانْكَسَرتْ على عَيْنيهِ عصفورةْ .

*

وماذا بعد ؟
أنا أمِّيُّ ..
لا تُلْقِي الخِطاباتِ الحماسيَّةْ
ولا تَشْرخْ مسامعنا بأشعارٍ نضاليةْ
وماذا بعد ؟
تُغنِّي فجرَ سبتمبرْ
وَتَشْمَخُ ساخراً نحوي
: أنا التَّاريخُ والثَّوْراتُ والأيَّامُ والوَطنُ
وأنتم ؟
أنتمُ الأخشابُ والأمواتُ والعفنُ
وَتلْبَسُ دونما خَجَلٍ 
عِقَالاً فوق جَنْبيَّةْ !
وماذا بعدْ ؟
أَزِيدُ بِذِكْر أعيادي مشاويراً وحِرْمانا
وَأنتَ تزيدُ أرْصِدةً وأوْسِمةً وتيجانا
وماذا بعد ؟
لكَ العيدُ الذي تَهْوى
لنا العيدُ الذي نُكْوَى
لنا هذا الشَّهيدُ الحُرُّ والألغامُ والخطرُ
لنا باسْمِ الترابِ الطُّهْرِ
مِحرابٌ
وآياتٌ زُبَيـْرِيّةْ
لنا الرَّيْحانُ والوِدْيانُ والسَّهرُ
لنا الفَلَّاحُ والبحَّارُ والسَّفرُ
لنا الأقلامُ والفِكَرُ
وصوتٌ مِن وَراءِ التلّْ.. مُمْتطِياً ظُهورَ الخيْلْ
: ( ................................................. )
لنا العِيدُ الذي نشْتاقُ .. والقمرُ
غَدَاةَ أطَلّْ
لنا .. وَامْتدَّ فَوْقَ هَدِيرِنَا الغَجَرُ .

*

وَهَا قَدْ عادْ
هَذا العَامُ كالمعتادْ
فَمَاذا يصنعُ الشعراءْ ؟
وتلكَ يتيمةٌ نجلاءُ هَدَّ حُصونَها البشرُ 
وماذا يصنع الخطباءْ ؟
وذاك مُعذَّبٌ في السِّجنِ
والطَّرْفُ الذي يَفْدِيهِ بالدَّمْعاتِ يحتضرُ
وأمٌّ في دوائرنا الحكوميَّةْ
وَتَرْسِمُ خُطْوةَ القَدَميْنِ
أَزْمِنةٌ ضَبَابِيَّةْ
: أيَاهْلَ اللهْ .. ياسَادهْ
وَحِينَ تَعودُ تُصْلَبُ فوْقَ سُجَّادةْ
تَكادُ على الذي في السِّجنِ يا ربّااااهُ تنتحرُ
وَتحتَ سَمَاءِ أمَّتِنا العُروبيَّةْ
وَرَايتِنا التي ثُقِبتْ
وَعِزَّتِنا التي اغْتُصِبتْ
تَرَانا اليومَ
مُنْقسمون منقسمون منقسمون
نُغَنِّي : عاشَ سبتمبرْ
وَتَحْيَا ثورةُ الثَّوْرةْ
وَنحنُ إذا تَعَانَقْنا
سَقْطنا قِطْعةً قِطْعةْ
نَسِينا أننا أُسْرةْ
لِتُطْفِئْ شَاشةَ التِّلفازِ وَانْظرْ رِيفَنَا المَطْحُونْ
وَدعْ عَنْكَ ( الدّمَ الغَالي ....)
فَحَتَّى الظُّلْمَةُ الظَّلْماءْ
يَفْهَقُ خَدُّها دَمعةْ
هُنا في قرْنِنا العشرين
لا زلنا على شَمْعةْ
هنا في قرننا العشرينْ
هنا في قرننا العشرينْ .

*

وماذا غير غُرْبتِنا
ورغْبتِنا
وغُبْرتِنا على الأوراقْ ؟
وعن ماذا نُحدِّثكم .. ونحنُ سفينةُ الإرهاقْ ؟
وَرغْمَ جِرَاحِنا الحمراءْ
تَذكُّرُكُمْ يُداوينا
ورَغْمَ طَرِيقِنا المَفْرُوشِ بالأَرْزاءْ
نُزَمْجِرُ في مَنافِينا
وَفَوْقَ جلودِنا السَّمراءْ
تُهندِسُنَا أغَانينا
شَمالاً هاهنا وجَنوبْ
وصوتُ المُرْشِدِي يَنْداحُ فَوْقَ السَّهْلِ والجبلِ
وصوتُ البلبلِ الأيُّوبْ
كمثلِ الوابلِ الهطِلِ
تَعَانَقَ في المَدَى الصَّوْتانْ
وبينهما .. بَنَيْنا دولةَ الإنسانْ 
أنا غمدانْ
وهذا ناصرٌ وسعيدْ
وتلك خديجةٌ وهدى
وذاك محمدٌ وسميحْ
وهذا البَيْرقُ الصَّادقْ
وَرَكْبٌ وَاضِحٌ واضحْ
بِخَطْوِ الوَاثقِ الواثقْ
- وأهْلاً عمَّنا الغالي ...
- أبِلْقيسٌ هنا ورؤى ؟
- وغيماتٌ تُظَلِّلُ بائساً وجريحْ
على عُكَّازهِ المَكْنوزِ بِالحُلُمِ
يَجيءُ وليدْ
لِيُشْعِلَ تحتَ تاريخِ الحُروبِ السُّودْ
جَحِيمَ صديقِنا محمودْ (*)
وصوتٌ مِن وَراءِ التَّلِّ يَحْمِلُ فَجْرَ سبتمبرْ
: وَهبناكِ الدَّمَ الغالي
: وَهبناكِ الدَّمَ الغالي
: وَهَبْناكِ الدَّمَ الغالي
وَهَلْ يَغْلى عليكِ دَمُ ؟

(*) في إشارة إلى بيت محمد محمود الزبيري ( هنا البراكين هبت من مضاجعها )

٤ سبتمبر ٢٠١٨
كوالا لامبور

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص