السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
شرائط غدير الرعيني. . ذكريات وحواجز وتجاوز ..- زياد القحم ‏
الساعة 11:08 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


هل ينجح صانع النص باعتماده على خبرته فقط أم يحتاج إلى رأس مال من التجارب والنجاح والفشل أو العلوق في منطقة وسط بينهما ؟! في الواقع أنه قد ينجح وهو يمتلك التعبير الجيد وحده أو التجربة المختلفة وحدها ، وقد لا ينجح إلا بامتلاك الأمرين معا. . في شرائط غدير الرعيني تتوزع قيمة النصوص على كل الاحتمالات السابقة ، بمعنى أنها لا تعتمد على ميزة واحدة في إنجاز نصوصها، مرة تنجز نصا متولدا من خبرة كتابة وتفنن في البناء ، ومرة تنجز نصا مبنيا على تجربة حياة ومعاناة .. تجربة ليس بالضرورة أن تكون هي من خاضها.. إذاً نحن بصدد الحديث عن قيمة مهمة لعملية الكتابة وهي متعلقة بمهارة الكاتب في أن يشعر بتجارب الآخرين كما يشعر بتجاربه تماماً، ومن هنا يستطيع استلهام المختلف أو المثير أو اللافت في هذه التجارب، وإدخاله في تجربة الكتابة لإنجاز نص مختلف.
***
" تجر قدميها الثلجيتين على درجات الخلاص حتى تصل إلى سطح البناية التي تقطنها. . هنا فقط تستطيع بصق آلامها بحرية"
بهذا الاستهلال لنص "معراج" يتضح حرص الكاتبة على شعرية عباراتها. . بمعنى أنها تؤمن ب البلاغة في صياغة عباراتها باعتبار الكتابة السردية التي تشتغل عليها هي عمل ينتمي إلى سياق الكتابة الأدبية العربية التي ظلت البلاغة جزءا أساسيا مما يقدمه الكاتب باستمرار ، يستمر نص معراج في استعراض بلاغة الكتابة من خلال تركيب جمله بهذه الطريقة:
"النسائم تداعبها "
"يدغدغ جسدها "
"تتفلت سعادتها" 
"هدير شلال صباها "
***
كتبت غدير الرعيني في تجربة (شرائط الساتان) عن الحياة والمرأة والإنسان والفقد والحب والوجود .. كتبت عن المرئي ولكنها كشفت فيه ما لا يرى، وكتبت عن المخفي لتثير من خلال الكشف أسئلة دقيقة حول انزلاقات البشر وتوصل للقارئ متعة الألم ، المتعة المتولدة من التفنن في الكشف والإضاءة ..
في نص (امرأة مثقوبة) تخوض بتمكن في لجة صعبة ، والعنوان كان يمكن أن يختصر من الكلمتين السابقتين إلى كلمة واحدة : (مثقوبة) ليظل أكثر انفتاحا على معنى الثقب دون تقييده بالمرأة ، إذ أن الحدث بداخل النص وطريقة اشتغال الكاتبة عليه يكشفان عن مفاهيم مثقوبة تسيطر على الناس، وأوضاع مثقوبة يستأمنها المظلومون على جراحهم، يذهب هذا النص إلى منطقة شائكة ومسكوت عنها في الأدب والإعلام لأنها محرجة لكثير ممن يفترض أن يكتبوا عنها.. إنها تحكي حادثة اغتصاب قاصر يقوم بها والدها، وهي لا تزال في مرحلة عمرية لا تؤهلها لفهم شيء مما حدث لها، فتخبرها الممرضة وهي تبكي بأنها مثقوبة، وتحاول هي أن تقنع الممرضة بأنها ستتغلب على الثقب.. يحمل النص رسالة إنسانية بالغة الأهمية ، ويعيد الاعتبار للأدب وقدرته على أن يجمع بين الفنية والرسالة ، 
***
بالعودة إلى عنوان هذا العرض البسيط للكتاب ، فإن الترابط بين شخصيات النصوص إلى حد بعيد كان يعتمد على ذكريات الشخصية في معظم النصوص .. أقصد أن القصة كانت تبنى على شيئ في ذاكرة الشخصية يمثل حاجزاً أو دافعا لتجاوز حاجز ما ، وينبني الحدث على محاولة لتجاوز الحاجز الموجود في الذاكرة أو في الحياة، وهذه الثلاثية (الذكرى. . الحاجز .. التجاوز) تحرج من حياة الشخصيات لتكون هي محددات أسلوب الكاتبة الذي يقوم على التذكر ومهارة كشف الحواجز ثم فكرة التجاوز ، الفكرة أحيانا وفعل التجاوز أحيانا أخرى ، تجاوز المألوف في الكتابة، أو تجاوز التابو أو تجاوز ذات الكاتبة لصالح ذات القضية التي تشتغل عليها.
***
تنوعت نصوص المجموعة بين القصة القصيرة ، وبين نصوص خارجة عن نسق القصة القصيرة يمكن اعتبارها نصوص مفتوحة، كما احتوت أيضا على أقاصيص أو ما يعرف بالقصة القصيرة جداً، وأحب أن أعرض للقراء عددا من أقاصيص شرائط الساتان ، لأن عرض النص كاملا مسألة يمكن أن تستوعبها مساحة المقال، ولأن هذه النصوص تحمل جمالها الخاص وتوصل فكرة عن مستوى الكاتبة دون الحاجة إلى شرح أو تحليل:
1
"نقش حناء رقيق وساحر، سرق كفيها كما سرق قلبي فور رؤيته. . بمرور الأيام اختفى النقش. . عاد قلبي إلي، وبقيت وحيدة"
2
"لأنه أحبني كثيرا خبأني في محفظته. . استقل سيارة أجرة وعندما غادرها دفع بي الثمن "
3
"بعد أعوام من حبهما أغلق بابه على عالمه دون أن يتفوه بكلمة واحدة .. لم يطلب منها الرحيل ولا البقاء .. ولكن الأخير كاد يقتلها. . فتحت خزانتها لتجمع ذكرياتها ولكنه كان قد أفرغها مسبقاً؛ لذا اكتفت بجمع أجزائها ورحلت"
***
في الأخير أحب أن أشير أيضاً إلى مسألتين : 
الأولى أن الكاتبة جعلت المرأة تحكي معاناتها وتقاوم السلبي في وضعها، ولكنها انتصرت للرجل أيضا حين يكون ضحية .. تعاملت مع الإنسانية وليس مع قضايا جنسها فقط، ثم تجاوزت ذلك واستنطقت الكثير من الموجودات الأخرى مثل : الحذاء .. العملة .
والمسألة الثانية أن الكاتبة تمكنت في بعض المواضع من إنجاز نص مؤهل للخلود في ذاكرة المتلقي، وفي مواضع أخرى قابل للحفظ لامتلاكه سلاسة كبيرة وفكرة لافتة.

منقولة من مجلة أقلام عربية...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً