الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قصة قصيرة ...
المُزينة ... - عبدالرقيب طاهر
الساعة 17:09 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

هل صحيح بأنك  تعشق ( المُزينة) ؟ وتريد الزواج بها  ؟ أنتَ لست ولدي ولن أسمح لك أن تحمل إسمي بعد اليوم ،، سوف أتبراء منك أمام الناس والقبيلة كلها  ... ...
هل تريد أن تشوه في سمعتي وسمعة القبيلة   ..
هل تريدوهم أن يعيروني من أن أبني  تزوج من إبنة ( المُزين) الذي كان جدها  يحلِق لأجدادنا في السوق لِحاهم  ويختُن أطفالهم ....
هل تريدُ أن تلحق العار بي وبعشيرتك كلها ؟؟
اللعنة عليك اللعنة على ساعة عاشرتُ أمك فيها  ...
لو أستمنيتك في الخَلاءَ لكان خيراً لي  ...

وفجاءها بعد أرتفاع صوتهِ الجهوري خالط صوتهُ غُصة من البكاء ولأول مرة أحسُ بأن أبي لم يتمالك نفسه وأراد أن يبكي ، خفتُ أن يغلبه مرض السكر فيصاب بجلطة من شدة غضبه في تلك الليلة    .....

كنتُ منكس الرأس كجندي عائد  من المعركة ينبأُ بأخبار الهزيمة في إحدى المعارك مع الأعداء  ...
مرت أمي من أمامي وأشاحت بوجهها عني وهي تتمتم ياخسارة حليبي فيك  ياخسارة التربية   ...

في تلك الليلة لم أشعر بطعم النوم حتى الصباح ، نمتُ على قطعة  من الحصير المصنوعة  من سعف النخل أفترشتها وتوسدت حذائي شبه المقطع تحت رأسي على سقف غرفة صغيرة تقع وسط الوادي كان أبي يستعملها مأوى للمواشي  ومحراس من اللصوص وبعض القرود التي تداهم محاصيل الذرة في نهاية الموسم  ....

وبتُ قلقاً وحزيناً وتمنيتُ في تلك الليلة أن أموت ولم أرى دموع أبي الذي لأول مرة أحسستُ بغضبه وحنقه عليا  وهو لم يعتاد مني أن أغضبه البته ........

لم أذقْ طعم النوم إلا قبل الفجر بقليل كما أظن ، وفي تلك الساعة التي غشاني فيها النوم حلمتُ بكوابيس مرعبة ومفزعة لم أعد اتذكرها ....
لكني أتذكر ذلك الحلم الذي أفزعني من نومي وهو أني قابلتها  في أسفل الطريق الراجلة المؤدية إلى حقولهم حيث كنا نتقابل عندها كل يوم قبل أن يكتشف أمرنا ويشتهر حبنا في القرية   ...

كانت تلبس فستانها القرمزي الذي اهداهُ لها والدها في عيد ميلادها وكان يعجبني بشدة وينال أستحساني بل يزيدني هياماً بها  .....

وجهها المدور يشبه القمر في منتصف الشهر  اذا تبسمت بدت غمازتا وجنتيها كأنها نجمتان من نجوم الشمال  ....
حبة الخال مابين دقنها وثغرها تجعلني دون شعور أسكر  إذا ماتمعنت ودققت النظر فيها   .....

صدرها مكنوز و يخفي حبتا رومان متجاورتان الي جوار بعضهما البعض  جعل من فتحة فستانها يبدو قليلاً ضاهراً  ......

كانت حزينة ولم تُكلمني رغم أني كنت أود أن أحدثها لكني كنت كما الاخرس لا يستطيع النطق وكأننا نتحدث فقط بلغة العيون    ....
أحسست بها تقول لي هذا آخر لقانا  لن نلتقي بعدها أبداً  .....

أستيقظت مفزوعاً من منامي  بسبب  ذلك الحلم  وصحوت وكأني ميت نُفخ فيه الروح لتو   ...

كان الوقت فجراً ونور الصباح بداء ينساب على الكون فأحسُ بالنور قادم من الشرق حيث تصعد الشمس رويداً رويداً  من خلف جبل عمر   ....

صوت العصافير تزقزق وروائح الأزهار الملونة تأتي مع هبوب النسيم القادم من أسفل الوادي  ...

سنابل الذرة التي لم تظهر عليها البذور بعد كانت تغطي بعض البيوت المتناثرة في الوادي  ....

 النحل المنتشر على الزهور وثمار الزرع كان طنينه يوحي ببهرج الصيف وجمال الأرض في مثل هذا الموسم من كل عام   .....
ونظرت إلى القرية نظرة أخيرة وكأني أحسست فيها بحزن الدنيا على أمي الحبيبة التي لم  تعتاد يوماً غيابي  وأحسست بأني يجب عليا أن أرحل  ....

وقررت الرحيل  تاركاً ورأي فتاتي إلتي أحببتها وفرقتني بها تلك العادات والتقاليد    .............

بعد بضع سنوات قابلت بالصدفة أبن عمي ولم يصدق بأني مازلت حي أرزق  قال لي  بعد أن ختفيت أدعى والدك بأنك غرقت في البحر وأقام عزاء حضره الناس وأعيان القرية  بعد عدت  أشهر من ذلك  أمك فارقت الحياة  وابوك تزوج إمرأة أخرى وأنجب منها طفلان    ........

كان يعلم سر حبي لتلك الفتاة التي بسببها هجرت الجميع ورحلت عنهم لذلك آخر الحديث عنها وكأنه لم يرد أن يفجعني مرتان  لكني لم أكن صبوراً بما يكفي وسألته مرة واحدة قلي ماشأنها هي  ؟
هل تزوجت أحد غيري   ؟
نكس رأسه وقال بحزن بل انتحرت ياصديقي العزيز ..
بعد سماعها خبر موتك قذفت بنفسها بير القرية المهجورة ولم ينسى الناس شأنها حتى اليوم  مازالوا يتذكرون مدى حبها ووفائها لك  ...............

لم أعد أتذكر شيئاً بعدها كلما حاول طبيب مجمع مشفى المجانين أن يزودني بحقنة من المهدى أتذكر فقط فستانها القرمزي وكلمات ابن عمي فقد انتحرت بعدك . .

.....................................

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً