- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
- المكتب السياسي للمقاومة يشارك احتفالات الجالية في امريكا بعيد ثورة ٢٦ سبتمبر
- 120 خبيرًا سعوديًا وعالميًا يناقشون مستقبل التعلم مدى الحياة في مؤتمر "LEARN" بالرياض
قد تتغير الفضاءات والأمكنة، وقد تتبدل الأوقات والأزمنة. لكن التصورات والعلاقات والذهنيات قد لا تتأثر بذاك التغير، ولا بهذا التبدل. فتستمر الأشياء على ما كانت عليه رغم ما يبدو على السطح من أشكال دالة على التبدل والتغير. وأنا أقف، هذا الصيف، على بعض مهرجاناته ومؤتمراته استيقظت لدي بعض الصور الموغلة في ذاكرة الزمن، لأنها بدت لي، في العمق، ما تزال على ما كانت عليه، رغم انصرام قرن، وقرب نهاية عقدين من قرن جديد.
كانت الاحتفالات في الأعراس الصيفية في البادية يتوزع زمنها بين فضاءين: منفتح ومنغلق. يقع الأول قبيل العصر، ويمتد إلى المغرب حيث تتفرق «الجماعة» التي كانت ملتئمة تحت شجرة الخروب الضخمة. يقرأ الطلبة (الفقهاء) سورا من القرآن الكريم، وبعد الطعام (الكسكس) يفتح باب دعوات الخير، فيتصدق الحضور بما تجود به أيديهم، وأيديهم ممسكة بالنقود بكيفية يجعلها لا تبدو للعيان. وبما أنها صدقة «مستورة» فالفقيه الذي يضمها إلى ما يتجمع لديه دون معرفة مقدارها. ويصاحب كل من أعطى «هدية» (قيمة مالية) سيل من الدعوات. وبعد الانتهاء يتفرق الجمع، ويقوم الفقهاء بإحصاء ما جمعوه، ويقتسمونه بينهم بالتساوي، ويذهب كل إلى غايته، وقد امتلأت البطون بالطعام، والآذان بالدعوات الصالحة.
أما الزمن الثاني فيشرع فيه بعد العشاء، وغالبا ما يكون في إسطبل كبير بعد إعداده للاحتفال. يشترط «الشيخ» (المغني) قبل قدومه الثمن الذي يتم الاتفاق عليه. كما تشترط الشيخات على صاحب العرس الدخان والشراب. وبعد كل وصلة غنائية، وأثناءها تمر الشيخات لجمع النقود من الجميع بدون استثناء. تتوقف أمام كل واحد من الجمهور، وتحرجه أمام الآخرين، ولا يمكنه إلا أن يبرز أنه الجواد الكريم. وفي غمرة الشطح قد يذهب الحال ببعضهم إلى استخراج أوراق نقدية ويبدأ في «تعليقها» على الشيوخ والشيخات، على مرأى من الجميع، فيقع التنافس بين الحضور ليكون الحديث عمن «عّلق» أكثر. ويمتد الحفل إلى الفجر، وقد ثمل الجميع من الطرب والأكل والشرب.
حين أقارن بين الزمنين والفضاءين يبدو الفقيه متصلا اتصالا بالديني القائم على الستر والدعاء الليلي . أما زمن الشيخ فمبني على البوح والانفلات من القيود النهارية. فيبدو الفرق بين «القناعة» لدى الفقيه بما يقدم له، والشيخ الذي» يساوم» على ما ينبغي أن يرضيه وأعضاء فرقته. فما يعنيه وجمهوره هو الدنيوي. كان هذا في الزمان والفضاء التقليديين.
أما مع الحداثة والعصرية، فقد تم الانتقال من ظل الشجرة الوارف إلى القاعة المكيفة، أو إلى المنصة المضاءة والساحة المفتوحة. صار الشيخ هو المثقف الذي يستدعى للمشاركة في ندوة حول موضوع أدبي أو فكري. بينما الشيخ يتحول إلى الفنان. يحضر فضاء المثقف المحاضر جمهور خاص، يلتف حول الطاولة المستطيلة متابعا أحاديث المتدخلين، متتبعا زلاتهم مسجلا إياها كما يتصورها، مستغلا فضاء الجلسة لتمرير خطابه إبان المناقشة. أما جمهور الفنان فمتعدد ومتنوع مالئا الساحة الفسيحة عن آخرها، وكل همه هو المشاركة بترديد ما يقول الفنان، أو الرقص على الإيقاعات المتنوعة والمخصصة لذلك. إنه الفرق بين الفكري والأدبي والفرجوي والغنائي.
كانت ندوات الفكر والأدب في السبعينيات والثمانينيات تثير حضور فئات خاصة ليس لها من مهمة سوى تدوين كل ما يجري بدقة وحرص شديدين لالتقاط الإشارات والإيحاءات المبطنة لتكون التقارير المرفوعة لذوي الاختصاص كافية للإدانة وتكوين الملفات الخاصة بالمحاضرين، وحتى بعض الحاضرين المتدخلين. أما الآن فقد غابت هذه الفئات. إنهم يدركون جيدا أن هذه الندوات صارت ترفع على الحسابات الخاصة والعامة في الوسائط الشعبية الجديدة. وثمة متسع من الوقت للاطلاع والوقوف على ما فيها من لدن المختصين. لكن من يشترك مع تلك الفئات من المختصين في المتابعة والتحري صاروا يملؤون فضاءات المغني الفسيحة ليس لتدوين مضامين الأغاني، ولكن لضبط الأمن وسط تلك الجماهير الحاشدة. إنها دورات الزمن.
إذا كان الفقيه «يقنع» بما يقدم له، ويدعو لأصحاب العرس دعوات الخير، نجد المثقف، في الزمن التقليدي، بعد انتهاء الندوة يذهب إلى حال سبيله، وإذا دعي إلى عشاء كان ذلك دالا على الكرم الحاتمي. كان المثقف يعتبر عمله ومشاركته في نشر الثقافة عملا تطوعيا ونضاليا، ولا يمكن أن يكافأ عليه. أما الآن فصار يأتيه، عند نهاية الندوة، أحد المسؤولين ليقدم ظرفا فيه «برَكة» ما، وهو يعتذر عن غياب الدعم، وقلة الميزانية، مبينا أن هذا مبلغ «رمزي» للتنقل. ويذهب المثقف ناشطا، وفي الوقت نفسه مستنكرا؟ ولا سيما حين يعلم من بعض المصادر أن الفنان الذي يحضر معه المناسبة عينها، يقيم في فندق مختلف، وقدمت له ملايين كثيرة، مقابل ساعة من الغناء، لا يمكن أن يجمع حتى ثلثها هو وكل مثقفي البلد من كل اللقاءات التي شاركوا فيها في كل حياتهم داخل الوطن وخارجه. إنه الفرق بين «المادي» و«الرمزي».
صورة المثقف كامتداد للفقيه رمزية، أما الفنان فقيمته مادية. فما الذي تغير؟ تبدل اللباس ولم يتغير الناس.
٭ كاتب مغربي
منقولة من القدس العربي ...
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر