الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الملامح الدلالية لضمائر السرد في المجموعة " عندما تحكي المرايا " - علي أحمد عبده قاسم
الساعة 20:04 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

يشكل خطاب القصة القصيرة قضايا إنسانية اجتماعية وسياسية وغير ذلك من الهموم الإنسانية المتعددة خاصة وإن القصة القصيرة كثيفة مدهشة بتأثير عميق في المتلقي، ولأن الخطاب السردي في هذا قد يأتي بصيغة ضمير ما في نص من النصوص لدلالات مضمون النص باعتبار أن ذلك يتواءم والرسالة التي يريد أن يعكسها ويرسخها الكاتب في الملتقى ويشكل بصمة خاصة ودلالات متعددة فإن نصوص القاص / محمد السقاف امتازت بأسلوب لغوي تشكل فيه الصورة بخيال خصبٍ مجنح ويترافق بذلك سيطرة ضمير في النص القصصي ليعكس بل يناسب الفكرة التي يريدها النص وقد يمتزج النص بأنواع الضمائر وفي هذه القراءة سآخذ ملامح الدلالة لضمائر الشيء في المجموعة التي أسماها ( عندما تحكي المرايا ) وهذه فازت بجائزة رئيس الجمهورية للقصة القصيرة في إحدى دوراتها، وإذا كانت الحكاية هي الحدث العميق في الحياة وفي الحياة الإنسانية المختلفة فإن ( المرايا ) هي معادل رمزي للحياة وللنص القصصي نفسه ولرؤية الكاتب حول ذلك الحـدث وسأبـدأ بقراءة

نص ( عنب في غصونه).


ولأن المرأة هي ذلك الاتزان العقلاني التي تضفي على الحياة الجمال والبياض السعيد وفي الوقت الذي تخرج عن تلك السمات فإنها خرجت عن سمة ( المرأة الأنثى ) ففي نص ( عنب في غصونه ) يصف السرد المرأة ( كانت صديقتي العنبة حلوة للغاية وكان وجهها مستديراً كالقمر , إضافة إلى أنها كانت بيضاء تماماً مثله , لكنها رغم قواسمها المشتركة الكثيرة مع القمر ورغم حياتها المترفة في الحقل كانت تهيم دوماً بتسلق الحرية وتتذمر بشدة من رتابة الحياة في كنف العنقود ) صـ15 .
مما سبق يلحظ القارئ أن السرد جاء بضمير الغائب ( كانت صديقتي كان تهيم , تتذمر ) وهذا السرد بهذا الضمير جاء ليصور ويصف المروي له ( المرأة ) ويبعد الراوي عن المعرفة اليقينية بالأحداث فضلاً أن السرد بهذا الضمير يتيح فرصة لرسم صورة للحدث بشظاياه وجوانبه المختلفة لذلك ماجاءت تؤيد ما يريده السرد ( صديقتي حلوة للغاية , وجهها مستدير , كانت بيضاء تماماً مثله حياتها مترفة , تهيم دوماً بتسلق الحرية , تتذمر بشدة من رتابة الحياة في كنف العنقود ) كل هذه الصور السردية الممزوجة بالرمز تأتي لتوضح الشكل الظاهري للمروي ورسالة ضمنية للمتلقي ليدخل في الصراع مع حدث القصة وحكايتها الأولى فكانت عبارة ( تهيم بتسلق الحرية , تتذمر من رتابة الحياة في كنف العنقود) هي الحبكة المثيرة في البنية السردية إشارات تصور حيوات (المرأة) وعقليتها (تهيم) جنون ابتعد عن العقلانية والواقعية (بتسلق) رغبة بعيدة وغير طبيعية في خلق حياة وهمية ربما تتسم بالضياع . 

 

ولأن السرد بضمير الغائب قد يعكس اقتراباً من المروي حتى يكون المتلقي في حالة من الاشتباك والتصديق للنص المسرود ( وفي ليلة ماطرة ارتطمت بالأرض ثبت لها بلا مجال للشك حقيقة ضعفها تيقنت تماماً أنها تنوء عن الحركة مسافة أبعد من هذه ) صـ15 .
مما سبق يتضح للقارئ الحركة المتناقضة مع الرغبة بالتحرر ( ارتطمت بالأرض ) ليعكس السرد بضمير الغائب حقيقتها والواقع يوصف مغايراً تماماً لرغبتها في التحرر المنطلق من التيه والضياع ويتدرج السرد بوصف المشهد ( تيقنت تماماً أنها تنوء عن الحركة مسافة أبعد ) بوصف طبيعة الضعف وحتمية الواقعية مغايرة لخيال حلمها اللاواقعي.

 

ولأن السرد في ما سبق جاء بضمير الغائب وبحوار داخلي ( مونـولوج داخلي ) ليتكشف ويستبطن صراعاً ما بين الرغبة المجنونة حتى يتأنى للمتلقي أن يرسم صورة وصراعاً ينعكس عليه ( ارتطمت بالأرض , تيقنت أنها تنوء عن الحركة ) بسرد متدرج جذاب وبلغة ترغب بإقناع المتلقي . ولأن السرد في النص امتزج بالرمزية بقصدية الالتزام الأخلاقي ومواكبة الواقع ورسم ظاهرة طارئة على المجتمع عموماً ( بكت وبكت إلى أن حضر الصباح الباكر وبمعيته صاحب الحقل الذي ظل يوبخها ويعنفها ولم تجد ما تقوله , لم تعثر على عبارة تعينها على الدفاع عن نفسها أمام طوفان الأسئلة ) صـ15 .
 

من السرد الذي سيطر عليه الضمير الغائب (هي , هو) ومن خلال لغة السرد يكتشف المتلقي أن الانسلاخ من الأصل يفضي للتيه والضياع (وبكت) وبكت إلى أن حضر الصباح الباكر) مما يفضي إلى الارتطام بالظلام وضياع جراء حلم مجنون قد يبلغ حد الجريرة والجرم (لم تجد ما تقوله في التحقيق ) لم تعثر على عبارة تعينها أمام طوفان الأسئلة ) ولأن السرد بضمير يفضي على النص طابع العمومية وينأى به عن التعيين والتحديد ويعطي النص مصداقية وإثارة وقد اختار ( عنب في غصونه ) عنواناً للنص ليعطي دلالات أبرزها الارتباط بالأصل علاوة عن الجمال والسمو والارتفاع لفاكهة هي أشبه بشيء خاص له مذاقه ومواسمه وفوائده وأيضاً ندرته وخصوصيته لكن عندما تسقط من الغصن الرمزية على الإنسان والحياة عموماً ( حين انفرد رماها في حلقة بلا رحمة ) ودون تردد وحين كانت تنحدر في طريقها المظلم خلال جهازه الهضمي وطحنتها معدته سخر من قاع قلبه من شذوذها وأسمها على الفور ( ز ... ب ..ي ... ب ... ة ) .
 

أما إذا انتقلت القراءة إلى ضمير ( الأنت ) وهو الضمير المخاتل والأصعب في لغة القص بوصفه يعكس دلالات ومقاصد متعددة خاصة والمتلقي قد يظن أن الراوي يخاطب ذاته وهو بهذا الفجر يفر من هذه الرؤية السطحية لكن في خطاب ( الأنت ) قد يخاطب بالحاضر المباشر الغائب البعيد وبالمباشر المذكر يخاطب البعيد المؤنث وقد يرسم موقعاً أو فكرة طاهرة عميقة وبعيدة بالضمير ( أنت) ففي أقصوصة ( ديك بياض ) يستخدم السرد الضمير ( أنت ) ومن خلال العنوان ( ديك بياض ) يمكن القول أن السرد بهذا الضمير مناسب لرسم حالات الاختلالات في الحياة ورغبة الزيف بإقناع الناس بما هو مستحيل وغير قابل للتحقق في الواقع الطبيعي والكوني . 
 

( ذكرك ذلك الصوت العبقري بآخر أكثر عبقرية قال ذلك الصوت بأنه توقف عن الصلاة بعد اكتشافه أنه يهذي مع نفسه أنت مثله لا تدري لماذا تهذى مع نفسك الآن ) صـ 19 .
السرد يعكس عدم الاتزان مع الذات ويرسم قلقاً عصرياً وهموماً وأوجاعاً عميقة في ذات الإنسان، ( ذكرك ) توقف أنت مثله لا تدري أن السرد يعكس حالة من عدم التناغم الواقعي والانسجام الروحي لدرجة الهذيان في الصلاة وهي الموقف الوحيد الذي يجب أن يتجرد منه الإنسان من أوجاع الحياة ليكون مع الخالق المخلص لكل الأوجاع، فكان امتزاج الضمير ( أنت ) بالضمير ( هو ) كي يجسم حالة من ظواهر الحياة العصرية التي زادت من تعاسته وأطفأت سعادته، لذلك كان السرد راسماً لمظاهر من الحياة المضطربة والتي المنفعلة الغاضبة والتي تمتزج بالخوف ( حتى الكلاب الضالة متيمة بالنباح عليك والانبهار بسرعة فزعك تغادر سكنك فيقبض رأسك حماماً مجانياً منعشاً . نضع على غضبك جيلاً من الصبر وتضبط شتائمك المتوثبة ) صـ 19 .

 

ولأن السرد بضمير ( الأنت ) في النص يحاول أن يرسم صورة للحياة العصرية الضيقة لذلك فالسارد يتحدث ليثبت حقيقة العصر المتوحش الهائج الذي وصل إلى مستوى الأزمة الأخلاقية . والزمن لم يعد يحمل هوية أصلية واضحة المعالم كما كان في الزمن الفطري . 
( أي والله زمن الوحوش .... رغماً عنك يزمجر الوحش في وجهك لأنك على تأهبٍ الآن لكي تغضب ... أجل اغضب – فالجميع يغضب والجمع السحيق يصقل سكين متعته لنحر الضجر يغضب ... وأنت يفترض بك حتى تصون جبروتك أمام القطيع فوراً أن تغضب) صـ21 .
( تغضب , اغضب , بغضب , تغضب ) هذا التكرار للضمير المسرود بضمير ( الأنت والهو ) يعكس صورة عصرية بضيق الصدور وعدم اتزان الهوية والنفوس فكان الضمير ( أنت ) يوحي ويشير إلى حقيقة ظاهرة عصرية تربك النفوس وتحولها إلى متسائلة مستغربة وعلى ما يشبه الجدلية ) في الشارع الآخر صراع بين بيضة ودجاجة على أمر تافه تنتفض شهامتك لحل الاشتباك فتحصل على نصيبك من اللعنات ) صـ 19 .

 

وكان النص بهذا الضمير ( الأنت ) يصور حالة من التحول فالخير شر والفطرة إلى وحشية والإنسانية حيوانية مما ينتج منه حالة من عدم التناغم مع الحياة والتصالح معها والذات . 
( تشاهد عين الدنيا بيضاء تدور وتدور ويصبح لونها أحمر أو أزرق ثم ينفصل البث حملة فلا تدري ماذا حصل للصورة بعد ذلك) صـ 21 .
من ذلك يتضح صورة التحول الذي يشبه الارباك فتحولت صورته إلى ما يشبه الآلة التي تبث الصور فتغير الألوان أو أنها صورة لجهاز معطوب لم يعد فيه تناسق وهذا التغير والتحول نفسي أكثر منه حقيقي لكثافة القسوة في الحياة وتلاشت السعادة منها وكثرة الأوجاع المنصبة على الغرد فكان الخطاب بضمير الأنت ملفتاً . 

 

وإذا كان السرد قد يمزج بأنواع الضمائر إلا أن هذا التفصيل بغية توضيح مقاصد السرد بضمير بعينه . 
ولعل ضمير ( الأنا ) له مقاصده ودلالته ولعل أبرزها أن الخطاب السردي بضمير ( الأنا ) يأتي للتعمية بعدم العلم بدوافع حضور الحدث وغايات الشخصيات . ويأتي بدوافع حضور الحدث وغياب السارد الحاضر ( ففي نص وأزيدكم النار زيتاً ) كان السرد بضمير الأنا ليعكس تلك الدلالات ( أذكرني مدفوعاً بكرامتي قررت في حينه أن أتحرش بمديري وبكل شيئ له علاقة به , أذكر أني تنكرت بملامح مخلوق أشعث كريه الطباع ولا يشبهني ) صـ 58 . 

 

من خلال ما سبق يلحظ القارئ كثافة الضمير ( أنا ) أذكرني , قررت أتحرش , تنكرت , أذكر ) وهذه الأفعال بهذا الضمير أتت لتعطي إشارات التحول والتغيير وإبراز الصورة القوية وابراز حالة من الصراع ما بين الضعف والقوة ما بين التقدير واللاتقدير، ولأن السرد بهذا يرغب برسم صورة الكبرياء وصورة اللامبالاة فقد امتلأ النص بالفنتازيا ) ما زال أهل كوكب الأرض حتى الآن يطلقون على الشئ الذي يلج الكوب قهوة ) ما علينا شتمته بكلام بذيء وكنت ضجراً من عباراته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي ) صـ 59 .
ومن ذلك فالسرر حاول أن يصور موقفاً للقهر الذي يصل إلى مستوى تدمير الأحلام وارتكاب الجريمة نتيجة للتعسف .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً