السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة في مسرحية (قوس النسر للكاتب محمد مثنى) - ثابت القوطاري
الساعة 09:38 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

 

 

يشترك النص المسرحي مع الأنواع الأدبية الأخرى في أنه يعرض التجارب الإنسانية والاجتماعية والنفسية في قوالب جمالية لتصل إلى جمهور المتلقين فتعمق تفاعلهم مع الحياة فهي تحفل بالجوانب الانفعالية والآفاق الفكرية، وتعبر المسرحية عن التجربة الشعورية لكننا نلاحظ أنها في الغالب مركبة وليست بسيطة فثمت أحداث عديدة وشخصيات تتباين أهواؤها ونفسياتها وطموحها وبالتالي يحتدم التفاعل فيما بينها، وفي إطار المجتمع. وتعتمد المسرحية على حادثة أو مجموعة من الأحداث تتنامى حتى تصل إلى ذروتها ثم يكون الحل في النهاية، وتكمن خصيصة المسرحية في التركيز والتكثيف والبعد عن الجزئيات، وتعظم وظيفة الحوار المسرحي لأنه أداة رئيسة تتكون خلالها الأحداث وتتوضح المواقف والآراء بدلاً من الوصف المباشر والسرد القصصي، ويتخير الكلام في الحوار ليعبر عن كلِّ ما يطور الحركة في المسرحية. 
 

بين أيدينا مسرحية (قوس النسر) للقاص والكاتب المبدع محمد مثنى، ويعتمد تحليلنا لهذه المسرحية على الإلمام بمقومات المسرحية وعناصرها من: الحادثة والشخوص والفكرة والزمان والمكان والبناء المسرحي والحوار والصراع المسرحي، وبعد ذلك تبرز القدرة على استجماع هذه المكونات في العمل المدروس لتصبح بناءً متكاملاً نجد فيه التصور الذي تطلع إليه الكاتب، وهنا يمكن تقويم قيمة المسرحية في خصائصها وفي النتائج التي يمكن أن نصل إليها.
 

مسرحية (قوس النسر)
سنجد أن الكاتب في مقدمة المسرحية قد بين دلالة العنوان ومضامينه، وفلسفته حيث يقول: " قوس النسر هو العلم التاريخي المتصور للشعب اليمني والذي انبنى على أساسه أو انبثق منه العلم اليمني الحالي للدولة اليمنية" صـ5. ليعطي للقارئ بنية معرفية مسبقة تساعده في قراءة المسرحية، ولو وجدت الإمكانيات لتم عرض هذه المسرحية وغيرها على خشبة المسرح. 
 

تتكون هذه المسرحية من فصل واحدٍ فقط، فيه تسع لوحات، وتندرج من حيث النوع واللون ضمن ما يمكن تسميته" (التراجيكوميدي) وهو المسرح الحديث الذي يطل اليوم بنفسه في عدد من التجارب المسرحية العالمية ويقدم نفسه كأرقى أسلوب حيوي مقبول وملائم"صـ6 كما يقول الكاتب. 
الحدث/الحادثة: وهي في الحقيقة مجموعة من الأحداث الجزئية تتابع على نحو معين لتظهر من خلالها فكرة المسرحية الذي قال عنها الكاتب في معرض حديثه عن (قوس النسر) لسيرة بطل النصر التاريخي سيف بن ذي يزن:" فإن ما هو غامض من هذه السيرة هو الأسطوري والخرافي والميتافيزيقي منها، الأمر الذي جعلني أنسج المسرحية من هذا الأسطوري وأجد به موظفاً في الواقع المعاصر هذا التوظيف الذي أعتقد أنه ينفي بدوره وفاعليته المعاصرة كلما علق بالأسطورة من العدمية والخرافة"صـ6. وتبدأ الحادثة بمحاولة شخوص المسرحية السيطرة على الحكم، واغتصاب الملك، بعد أن تم تنصيبها في مناصب مهم في الدولة.

 

الشخصيات المسرحية:

وقد اختار الكاتب (11 شخصية رئيسة)، وقابلها بـ(11 شخصية ثانوية). ولا يعني هذا أن الشخصيات الثانوية غير مهمة ويمكن الاستغناء عنها، بل هي مهمة لكن دورها يكون محدوداً زمناً وفي إطار المكان، والغاية منها تعميق أبعاد الشخصيات الرئيسة، ومن ثم فهي تبث الحياة وتشعرنا بأننا أمام جزء من الواقع أو مما يحتمل حدوثه. ويحدد نجاح الكاتب في رسم الشخصية بتملكها قسمات وصفات محددة وواضحة ومتكاملة ثم بتفاعلها مع الآخرين وفي خضم الأحداث، وقد توصل الكاتب مثنى إلى هذا في شخصيات مسرحيته ببراعة وأناقة، وسيجد القارئ نفسه أمام شخصية (قمرية) التي أعطاها الكاتب دوراً مهماً في أحداث المسرحية.
 

 

الفكرة:

الكاتب محمد مثنى يتطلع إلى غاية يود أن تصل إلى القراء فثمة جانب فكري يلف هذا العمل بيَّنه الكاتب في مقدمة المسرحية وسبق الإشارة إليها في معرض حديثنا عن الحدث/الحادثة، وسنلاحظ أن الكاتب لم يسرد الأفكار والرؤى سرداً تجريدياً مباشراً، بل حمَّلها شخصيات المسرحية التي تحدثت وعبرت وفق أبعادها الفكرية وسلوكها المرتبط بها، وبذلك كانت أكثر إقناعاً وقرباً من النفس التصور، وقد استعان الكاتب بأحداث تاريخية قديمة نستطيع أن نستخلص من مجملها الرؤية الفكرية للمسرحية التي جعلت الكاتب ينسج مسرحيته من الجانب الأسطوري الذي صنعه المزاج الشعبي اليمني والعربي والعالمي حول سيرة البطل سيف بن ذي يزن. وقد ضبط الكاتب محتوى المسرحية الفكري، ووضح الأفكار، وبث الحيوية في الشخصيات وترك لنا كقُراء مهمة الربط والمتابعة التي ندرك من خلالها ذلك التماسك في البناء المسرحي. 
 

 

الزمان والمكان:

وهذا العمل المسرحي الرائع ليس مفصَّلاً على مقاس اليمن والمتمثل في كفاح البطل سيف بن ذي يزن حتى النصر ضد الاحتلال الحبشي بقيادة أبرهة، وإنما يذهب ويتوزع في أكثر من زمان ومكان ومعنى، امتدَّ ليشمل الحبشة ومصر والصين، وقد برهنت التجارب الأدبية المسرحية على إمكانية كتابة أعمال في مواضع كثيرة وفي أزمنة متباعدة على العكس من اعتقاد بعض الكتاب المسرحيين الذين قالوا أنَّه لابد من حصر العمل المسرحي في مكان واحد، أو أمكنة متقاربة، والتقيد بزمان محدد؛ يوم أو بعض يوم في النهار أو الليل.
 

 

البناء المسرحي:

جعل الكاتب محمد مثنى الخيط الأساسي للأحداث والأفكار محيطاً بشخصياته الرئيسة وعلى رأسها قمرية، من خلال الدور المسند إليها، ليبني من خلال حوار الشخصيات أحداث الرواية بناءً متماسكاً ودقيقاً.
 

 

الحوار المسرحي:

الحوار هو الوسيلة الوحيدة للتعبير، والأداة اللغوية لدى الكاتب تأخذ سبيلها بفضل الحوار وهو كلام الشخصيات المعبرة عن آرائها وأفكارها وانفعالاتها وطموحها وردة أفعالها تجاه الآخرين ومقابل الأحداث وترقباً لما سيأتي، وفي الحوار مواقف دقيقة استوفت ملامح الشخصيات المتكلمة، فقمرية (الأمة المخلصة والقريبة من سيف بن ذي يزن) والقائد الفارسي وهرز (الطامع في الملك والحكم) وسعدون (رفيق عمر سيف)، والكاهن...إلخ، كذلك الحال في بقية الشخصيات، حيث جاء حوار هذه الشخصيات ملائماً للموقف ومتوازناً معها.
 

 

الصراع المسرحي:

في المسرحية قوى متصارعة على السلطة، وتطمع للحكم، وتتنازع على الملك، يكشفها الحوار الدائر بين شخوص المسرحية، الذي تأخذ فيه (قمرية) موقع القطب من الرحى، كاشفة عن طموح الشخصيات بعد تقليدها مناصب في الدولة ليحتدم الصراع ويستمر على طول المسرحية لنصل معه إلى لحظة الانفراج/الحل في نهاية المسرحية بصعود (سيف بن ذي يزن) إلى العالم العلوي بطقس صوفي (فرأسه متدلياً نحو الأرض، ويده اليسرى مرفوعة للأعلى، ويده اليمنى مبسوطة إلى الأرض في اتجاه الجماعة) وهكذا يتم انفراج الموقف الذي تأزم ودارت بين أرجائه خلافات واراء وتضاربت وجهات نظر الشخوص وأطماعها، ليربط الكاتب ختام المسرحية ببدايتها بأسلوب ممتع، ويقدم فكرته للقارئ والمشاهد بأسلوب جميل.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً