السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أدب الرحلة في حضرموت - مسعود عمشوش
الساعة 09:55 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

مقدمة
 

الرحلة جنس تتداخل فيه كثير من المجالات المعرفية والتعبيرية: الجغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدين والسياسة والأدب. لهذا تحظى نصوص الرحلات باهتمام عدد كبير من الدارسين والباحثين من تخصصات مختلفة. وأدب الرحلات يُعد أحد أهم مجالات الأدب المقارن الذي يدرس صورة الشعوب والبلدان في الآداب، وكذلك الدراسات الثقافية التي تدرس تمثيل الآخر. وفي إطار دراساتي الثقافية والمقارنة تناولت خلال العقدين الماضيين صورة حضرموت واليمن والجزيرة العربية في عدد من كتب الرحالة الغربيين. (انظر كتبي: عدن في كتابات الرحالة الفرنسيين، وحضرموت في كتابات فريا ستارك، وصورة اليمن في كتابات الغربيين، والمستكشف هاري سانت جون فيلبي ورحلته إلى حضرموت، وجدة وعدن ومسقط في كتاب ثلاث سنوات في آسيا لآرثر دي غوبينو).
 

وعادة لا تصل إلينا إلا الرحلات التي يقوم بسردها شفاهةً أو كتابياً رحالة لديهم قدرة على التعبير. لهذا فالرحلة هي بالضرورة نص سردي يحكي فيه مسافر ما أحداث انتقاله من مكان (هنا) إلى مكان آخر (هناك) والعودة، ويسجل ويصف ما شاهده وعاشه، مازجا السرد والوصف بمشاعره انطباعاته حول (الهناك) والناس الذين قابلهم فيه.
 

وبوصفها نصا وخطابا تدخل الرحلة ضمن الأجناس الأدبية. ويؤكد على أدبية جنس الرحلة الناقد المغربي عبد الرحيم مؤدن في دراسته (رحلة أدبية أم أدبية الرحلة؟)، فهو يكتب أن "الرحلة جنس أدبي قائم بذاته استنادا إلى تراكم كمي وكيفي ميزه عن غيره من النصوص دون أن يعني ذلك قطيعة مطلقة بين مختلف الخطابات السائدة في مرحلة محددة، وفي هذا السياق تسعفنا بعض الأطروحات الشكلانية الرافضة لنقاء النوع [الجنس الأدبي]. فالرحلة تحمل القليل أو الكثير من الخطاب التاريخي والجغرافي وعلم الأطوال والعروض، كما أنها -من ناحية أخرى- قد تحمل القليل أو الكثير، من الخطاب السردي عبر محكياته الحكائية أو الأوتوبيوغرافية، إلى غير ذلك من الخطابات الشعرية والنثرية".
 

 

وترى جميلة روباش أن "تصنيف الرحلة ضمن الأجناس الأدبية له ما يبرره ويزكيه من صيغها التعبيرية وأساليبها الفنية، إلا أننا نرى أن ضمّها لحقل معيّن وجنس مخصوص إهمال لطبيعة وخصوصية هذا النوع من الكتابة الذي يزخر بالمضامين والموضوعات العديدة: علمية وأدبية وفنية، مما حدا ببعض الباحثين إلى التعامل مع الرحلة على أنها خطاب مخصوص له منطقه الذاتي وبناؤه ومكوناته عناصره، ويتتبع العادات والتقاليد والتأثيرات الإقليمية، ويحتوي على معارف وعلوم متعلقة بالتاريخ والجغرافيا والفلسفة والاجتماع والأدب". (أدب الرحلة في المغرب العربي، رسالة دكتوراه، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر 2015، ص 9).
 

ومثل الأجناس الأدبية الأخرى تتميّز الرحلة بعدد من السمات النوعية، أهمها هيمنة تيمة السفر التي تُعد المحور الرئيس للنص الرحلي وتبرر الشروع في السفر، واعتماد السرد الذي يغطّي مساري الذهاب والإيجاب ويأتي في الغالب بضمير المتكلم، مع تخصيص مساحة واسعة للوصف الذي يشمل المكان والإنسان، والعجيب والغريب. وتبحث معظم نصوص الرحلات، إضافة إلى سعيها (أو زعمها) لتقديم عدد من المعلومات العلمية، الجغرافية والتاريخية والعمرانية والدينية، عن كسب صبغة أدبية تمكنها من جذب القارئ، ليس من خلال جمال الأسلوب فقط، لكن كذلك بواسطة المبالغة في تقديم العناصر الغرائبية والعجيبة، وعدد كبير من الصور والرسومات والخرائط. (انظر: حضرموت في كتابات فريا ستارك، والمستكشف هاري سانت جون فيلبي ورحلته إلى حضرموت).
 

وكما كانت حضرموت، على مر العصور، محط أنظار الآخر العربي والأجنبي، سواء كان مستعمرا غازيا، أو مستكشفا باحثا، أو تاجرا أو سائحا، كان الحضارم أنفسهم يميلون إلى حياة الترحال، داخليا وخارجيا، والاتصال بالآخر والتثاقف معه، وربما الانصهار في بوتقته، كما حدث في إندونيسيا وشرق آسيا وجزر القمر وسواحل شرق أفريقيا. وإذا كان معظم الحضارم يترك وطنه في الغالب للبحث عن لقمة العيش، فقد حمل عدد منهم عصا الترحال بهدف زيارة بعض المناطق التاريخية أو المقدّسة، في الحجاز ومصرَ والعراق وفلسطين وتركيا، وأحيانًا لمجرد التعرف على بلاد (الآخر)، لاسيما إذا كانت مشهورة بطبيعتها الجميلة. وقام عددٌ من هؤلاء الحضارم بتدوين رحلتاهم. وتجدر الإشارة إلى أن الباحث عبد الله الحبشي قد كرّس جزءاً كبيراً من كتابه (الرحالة اليمنيون: رحلاتهم شرقًا وغربًا) للرحالة الحضارم.
 

وفي هذه الدراسة سأقدم خمس رحلات قام بها خمسة حضارم خلال القرن العشرين، وهم صالح بن علي الحامد صاحب (رحلة جاوا الجميلة)، ومحمد بن هاشم مؤلف (رحلة إلى الثغرين)، وعبد الله سالم باوزير مؤلف (أيام في مومبي)، وربيع عوض بن عبيد الله مؤلف (رحلة الكويت وصحبة الوفاء)، وأحمد بن حسن العطاس صاحب (الروايح الشذية الفاتحة من إعلان الرحلة الحضرمية).

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً