السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الموت فنان يطرز ارواح الجميع في اليمن غير السعيد
( جردة ناقصة لادباء اليمن وفنانيه واعلامييه الذين رحلوا بصمت في سنوات الحرب) - محمد عبد الوهاب الشيباني
الساعة 14:27 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

 

(الجزء الاخير)

وفي أخر أيام شهر يناير 2017 توفي الفنان "عبد اللطيف يعقوب" بعد ان فتك بجسده فيروس الكبد وسط اهمال صريح من وزارة الثقافة والمؤسسات ذات الصلة . ويعقوب الفنان والموسيقي الشاب برز اسمه كأحد امهر عازفي العود والتأليف الموسيقي في اليمن . وشارك في الكثير من المحافل الدولية الفنية والموسيقية صحبة فرق معروفة كانت تستدعيه بالاسم ليعزف لها .
وقبله بعام وقليل وتحديدا في 20 ديسمبر 2015 وبعد معاناة طويلة توفي في القاهرة الصحفي المختلف ابراهيم حسين محمد الباشا، الذي يعد احد ابرز كتاب الاعمدة في الصحافة اليمنية، وتميز اسلوبه بالسخرية واللغة المقتصدة.

 

الاعلامية العدنية الرائدة " فوزية باسودان" ماتت وحيدة في احد مشافي الاسكندرية مطلع يوليو 2017. والراحلة هي شقيقة الفنانة رجاء باسودان الصوت الغنائي القوي الذي فاض في سماء اليمن وقت كان مشطورا. وتعد فوزية من أبرز نجمات تلفزيون عدن في الستينات والسبعينيات من القرن الماضي، وشكلت طوال 35 عاماً حضورا مميزاً في العصر الذهبي لتلفزيون عدن، وبرز اسمها من خلال تقديمها حلقات برنامج «مجلة التلفزيون»، والبرامج الاجتماعيىة.
 

وقبلها بعام كامل توفي في جعار ابين الشاعر والاعلامي المعروف حسين محمد ناصر العولقي، الشاعر والباحث في شئون التراث و احد ابرز اعضاء نقابة الصحفيين اليمنين ورئيس تحرير جريدة الجديد سابقا. له كتاب بعنوان "الشاعر والاديب عبدالله ابوبكر التوي .. . خاف نسقط ونا سير ..قصائد ... قصص ... مقالات"
 

توفي مساء الأربعاء 17‏/08‏/2017 - الصحفي والكاتب عباس غالب، بعد نحو 40 عاماً من العمل الصحافي المميز والمثابرة التي اوصلته الى رأس اهم المؤسسات الصحافية والاعلامية في البلاد مثل وكالة سبأ وصحيفة 14 اكتوبر وصحيفة الجمهورية وصحيفة الميثاق.
 

في مطلع شهر سبتمبر 2017 مات عبد الله المجاهد " ابو سهيل" فنان الكاريكاتور المختلف . قبل ان يعود ليموت في صنعاء كمدا قضى اشهرا طويلة في القاهرة في انتظار ان يفي بعض المسؤولين بوعودهم لعلاجه بلا فائدة. الفنان الذي لم يُوظف بشكل رسمي منذ تخرجه من جامعة دمشق اواخر سبعينيات القرن الماضي لأسباب سياسية، عمل في الصحافة الاهلية والحزبية ومجال الاعلان والدعاية البصرية لأكثر من عشرين عاما . صمم تراويس الصحف وعبر عن مواقفها السياسية برسومه المعبرة. رسم بورتريهات مجانية للشخصيات السياسية والثقافية تتصدر مكاتب ومبارز اصحابها، الذين تنكر له الكثير منهم.
 

في منتصف سبتمبر 2017 مات بحوطة لحج الاديب والتربوي علي حسن جعفر السقاف (القاضي) رئيس اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين بالمحافظة . مات بدون بيان عزاء. بشخصيته التوافقية وحضوره الاجتماعي ،وعلى مدى عقدين عمل على الحفاظ على تماسك الاتحاد من التذرر والانقسام في وقت تتعالى فيها الاصوات الانعزالية التي تتغذى على الكراهية، التي لم تكن حاضرة في خطاب الادباء، كما تعززها الان لوثة الحرب والانقسام.
 

في مطلع شهر ديسمبر 2017 رحل بصمت "هشام علي بن علي" الذي حضر منذ ثلاثة عقود ونصف كواحد من المثقفين المختلفين في اليمن، لم تمتصه الوظيفة الرسمية - كوكيل مؤبد لوزارة الثقافة - بل كان قادرا على تحويل هذا الموقع الى مرموز للمثقف غير المستكين، الذي باستطاعته احداث الفارق والمفارق بواسطة الكتابة المتجددة. اما اشتغالاته المتنوعة على موضوعات فكرية وبحثية وتاريخية مختلفة ، فقد وسمته بالمثقف الوحيد في المؤسسة الرسمية ، القادر على خلق تماس نشط مع الحالة الثقافية بتجلياتها القائمة . كتب في السرد والتاريخ والنقد والثاقافويات بوعي تنظيري مجتهد، لُمت اكثرها في قرابة خمسة عشر مؤلفاً صدرت خلال ثلاثين عاماً. ومن مؤلفاته الرائجة والمعروفة "المثقفون اليمنيون والنهضة" و"ادوارد سعيد وتفكيك الامبريالية" و " شرق رامبو ـ عدن والحلم الشعري" و"السرد والتاريخ في كتابات زيد مطيع دماج" و"اشكالية المثقف والغرب في الرواية العربية" و" عبدالله محيرز وثلاثية عدن" و "الثقافة في مجتمع متغير"
 

وبعد موت هشام بأيام انطفأ في صنعاء قلب "عبد الرحمن عبد الخالق" عن 59 عاما فالاكاديمي بجامعة عدن ورئيس الاتحاد السابق في المدينة القاص المعروف واحد المعدودين في اليمن في الكتابة للطفل. عانى طويلا من مضاعفات عملية القلب المفتوح التي اجراها منتصف العام . "طفل.. الليلة ما قبل الأخيرة" هي مجموعته القصصية الوحيدة المطبوعة و صدرت عن اتحاد الادباء اواخر التسعينيات . لكنه اصدر سبع من قصص الأطفال المصورة، واصدرت له قبل وفاته بأشهر مجلة روافد الشرقاوية كتابا بعنوان "دور قصص الأطفال في تنمية الطفل". وموت عبد الرحمن بتلك الطريقة جسم حالة الاهمال التي يعاني منها المثقفون والمبدعون اليمنيون، الذي يخبو صوتهم كلما ارتفعت اصوات المدافع ، او اشهرت اسواط الاستبداد.
 

في منتصف فبراير الماضي رحل الصحافي المجتهد" بشير السيد" عن 39 عاما. مات بالتهاب رئوي حاد، لم تستطع احد اكبر مستشفيات صنعاء انقاذ حياته. والسيد عمل سكرتيرا لتحرير صحيفة النداء الاهلية التي جسدت خلال سنوات صدورها ،قبل توقفها القسري لظروف الحرب ،الصوت العقلاني في الصحافة اليمنية بعيدا عن الاثارة والابتذال.
 

بعد رحيل بشير بأيام مات الشاعر " نائف علي امير" الذي لم يحضر جنازته غير انفار قليلين من زملائه الادباء، لان مباغتة الموت في ظرف كهذا وانعزالية الشاعر جعلت العشرات لا يعرفون خبر رحيله المؤلم الا متأخرا.
 

وفي اخر ايام فبراير 2018 توقف قلب الفنان التشكيلي الرائد "فؤاد الفتيح" عن سبعين عاما في مدينة عدن بعد ان فر اليها من جحيم صنعاء ،التي شكلت بتفاصيلها كمعمار وملابس ووجوه الجزء الاكبر من ذاكرته التشكيلية خلال اربعة عقود و فيها افتتح اول صالة عرض تشكيلية في اليمن ، وادار بالقرب من سوقها القديم المركز الوطني للفنون الذي تحول الى محترف لتعليم الرسم والمهن التقليدية الخاصة بالمدينة القديمة. وتجربة الفتيح التشكيلة تمثل الضلع الثالث لمثلث الريادة التشكيلية في اليمن بعد ضلعي عبد الجبار نعمان وهاشم علي عبدالله، فهو في ريادته اكد تطوير الواقعية البيئية للبيت الصنعاني بأبوابه ومطارقه وشبابيكه وقمرياته، كما تعامل مع مواد البيئة لتجربة الرسم على زجاج النوافذ الصغيرة "الشواقيص" كما قال حاتم الصكر .
 

في 6ابريل 2018 توفي فجأة الشاعر علي هلال القحم ، وبعد اسابيع من وجود الجثمان في ثلاجة الموتى في المستشفى الجمهوري دفن على عجل دون ان يُشعر الكثير من اصدقائه، ولم تقم له مراسم عزاء. وهلال احد اصوات التمرد الشعري في الالفية، وعبرت قصائده عن مزاج الهامش، وكتبت بتلقائية شديدة بدون سيلانات لغوية او فذلكات. واصدر في حياته مجموعة شعرية وحيدة حملت عنوان " غربة الخبز".
 

وفي مدينة عدن توفي فجأة الشاعر والمثقف المعروف ابو القصب الشلال في منتصف شهر ابريل 2018 وهو يتابع صرف مرتباته في واحد من تراجيديات القدر في بلاد الاحتراب . وابو القصب شاعر ولغوي وباحث وصحفي وسياسي معروف، اصدر كتاب في الالفاظ والمعاني وعمل سردي عنوانه رحلة إلى وادي العسجد " جميع ابطاله من الحيوانات .. وهي تتضمن نقدا لاذعا يرسم كاريكاتوريا وبصورة بالغة السخرية اختلال المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي, وكان قبلهما قد اصدر مجموعة قصصية حملت عنوان "الخياط الشجاع" .
 

توفي مساء الأربعاء 17‏/08‏/2017 - الصحفي والكاتب عباس غالب، بعد نحو 40 عاماً من العمل في بلاط صاحبة الجلالة. ونعى الوسط الصحفي وفاة غالب، الذي شغل آخر أيامه نائباً لرئيس تحرير صحيفة الجمهوري الحكومية .

 

وقبل ان نختم توجب التذكير بعبد الكريم محمد الخيواني الصحافي الشجاع الذي اغتيل في صنعاء في 18 مارس 2015 في ذروة التحشيد للحرب ، وهو كاتب و ناشط حقوقي و صحافي وسياسي تعرض للاعتقال في فترة حكم صالح بسبب مواقفه من حروب صعدة، وبسبب معارضته القوية للنظام .

 

ختاما
عشرات الاسماء من المبدعين غير هؤلاء ، عرضة لما لقيه من سبقهم . فظروف الحياة القاسية والفقر وانعدام الخدمات الطبية والرعاية بفعل الاحتراب ترفع من مخاطر الموت المجاني للكثيرين ، وخصوصا اولئك الذين يعانون من الامراض المزمنة، وربما ستتعبد الفترة بين كتابة هذه المادة ونشرها بميتات فاجعة ،لمن لم نسمع عن اكثرهم انهم كانوا يشكون من أي امراض ، فالموت كمدا وقهرا قد يكون المطرز الفنان لأرواح الجميع في اليمن غير السعيد .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً