السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أقول: أنا، وأعني : لا شيئ .. باكورة (قيس عبدالمغني) المدهشة - زياد القحم
الساعة 13:29 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


الإنسان فكرة .. والإنسان أيضا لا شيئ. . فهل يعني هذا أن الفكرة لاشيئ. . أم أن الإنسان هو الفكرة ولا شيئَ غيرها. . كأن العنوان: " أقول: أنا، وأعني: لا شيئ غير الفكرة" 
في زحمة الإنتاج الشعري الشبابي في اليمن نتحدث دائماً عن سوء الاختيار للفكرة أو عدم التمكن من توظيفها عند بناء النص .. لكننا في هذا الديوان وهو الأول للشاعر قيس عبدالمغني .. نلج إلى عوالم عالية الجمال من الأفكار الشعرية والصور التي تزدحم ولكن دون أن تتزاحم. . وبناء مدهش للنصوص بلغة جمعت بين جماليات كثيرة .. فهو يصنع الجملة الشعرية بمفردات يومية حية وحاضرة في الحياة .. يستدعيها من مستوى عام (مفردات: تعاملات وحوارات) ومستوى خاص (مفردات: إعلام.. وانترنت وفنون) ثم يركب الجملة بطريقة تأخذ وجدان المتلقي مباشرة، وتلاعب وعيه .. بما ينتج متعة القراءة الشعرية 
*

بالعودة إلى العنوان .. وهو يصدم الجشع الآدمي والرغبة في السيطرة والتسلط بأنه (لاشيئ) أو أن دلالة العنوان بأنه تراجع عن (أنا) إلى (لاشيئ) ..
بمعنى أن جملة العنوان (أقول: أنا، وأعني : لا شيئ) إما أن تدل على أن ال(أنا) لا شيئ. . أو تدل على استدراك بأنه لم يقصد شيئاً محددا حينما قال (أنا)..
ولكن روح الشاعر التي تظهرها النصوص داخل الكتاب تؤكد الاحتمال الأول: مأساة الوهم .. وهم أنا.. 
*
في نص: (شبح غيور) تتأكد فكرة هذه المعاناة حيث يصل في خطابه ل حبيبته التي كان العنوان يخاطبها أيضا وهي شريكته في اللاشيئية. . يصل إلى هذه المعاناة مجدداً. . يقول:
"لن يقتلني أن يحتل قلبك رجل سواي 
حتى لو كان أقل وسامة مني 
حتى لو كان أقل وزنا مني 
حتى لو كان وهما مثلي "

وهذا المحتل المحتمل لقلب الحبيبة هل سيكون شيئاً أم شريكا ثالثا في اللاشيئية .. يحاول النص أن يشير إلى ذلك: 
"سأظل كذلك 
حتى لو كنت فانيا 
وكان اسمه: خالد"
إضافة لجمال فكرة النص وبنائه فإن هذا التلاعب في الإجابة عن سؤال ماهية الشريك الثالث يرفع النص من مستوى الجمال إلى مستوى الادهاش
..
في القراءة العادية نتوهم أن الشاعر يريد أن يقول بأنه سيستمر في منافسة المحتل على قلب حبيبته حتى لو كان الفرق بينهما هو الفرق بين الفناء والخلود .
ولكن في القراءة الخاصة تصل رسالة الشاعر بأنه هو والمحتل والحبيبة يتشاركون في الفناء لأن المحتل ليس خالدا. . فقط اسمه: خالد .. يعني أنه يحارب الفناء بالتسمية. . وهي حرب خاسرة .
*
تنتمي نصوص هذه المجموعة إلى ما يعرف ب (قصيدة النثر) وتقدم داخل هذا النوع من الكتابة شيئا مختلفا ومكتملا. . يمتلك الشاعر وعيا كبيرا بقصيدة النثر وقلما مروضا بكتابات في أشكال إبداعية أخرى .. ويمتلك الشاعر جمهورا من القراء .. جمهورا من النوع الذي يفرض على الكاتب أن يتمسك بجودة النص لأنه جمهور ذكي ونوعي .. وهو يمتلك الشك الإيجابي .. لا يؤمن بأن نصوصه جيدة دائما .. وهذا دافع جميل لتطويرها حتى تخرج مكتملة الجمال .. يصل به الحال في أحد نصوصه إلى أن يعتبر السهر على القصائد أمرا تافها:
"خسرت معظمك وأنا منشغل بأمور تافهة
كالصمت صباحا 
والسهر على قصائد مريضة بالحمى وطفح الكنايات"

هذا الشعور بمرض القصيدة هو السر الذي يجعل الشاعر يهتم بتطبيبها حتى تذهب إلى الجمهور وهي في صحة وعافية ونشطة وفعالة.
*
معظم النصوص تبدو للقارئ في سياق مخاطبة الحبيبة .. وهذا هو الخط الذي اختاره الشاعر لكن ليس ليقول كلاما في الحب .. بل ليتكلم عن كل شيء : الحرب .. البطالة .. الإعلام المخادع. . التعصب والصراعات المحلية والعربية .. الطفولة .. والحب هو الموضوع الذي لا يغيب أثناء السفر الى كل المواضيع الأخرى:
"يصعب أن أفتقدك في هذه الساعة المتأخرة من الحرب 
لكنني أيضا لا أكتفي بإشعال سيجارة يابسة 
بل أتساءل وأنا أزين هذا الليل لنفسي:
ترى 
كم نقطة تفتيش تفصلني عن سريرك هذه اللحظة"
*
أختتم هذه الإشارة إلى الكتاب بدعوة القارئ إلى تأمل نص (جثة قيد العمل) وهو من التجارب الجميلة في توظيف المفارقة:
"أعمل كقتيل مأجور 
وأقدم خدماتي لمن يدفع أقل 
أنفذ المهام بدقة عالية 
متبعا في ذلك أساليب غير تقليدية 
أحياناً أصوب حقدي نحو بنادق القنص المستلقية على أسطح العمارات 
أحيانا أصوب انتباهي نحو المسدسات الملثمة التي تستقل الدراجات النارية 
أضع فوهاتها في مرمى جسدي 
وحتى تتثاءب زناداتها أنطلق بجسدي 
واحصد كل الرصاصات المنهمرة 
..
لا أبالغ ولكن من النادر أن تنجو رصاصة مني..
أستخدم جثتي كما ينبغي لقتيل مدرب وذي خبرة .
اقذفها لتتلقى ضربات الفؤوس والبلطات وطعنات الجنابي 
في الأزقة الخالية 
في الطريق السريعة 
ادفعها تارة نحو مقدمات السيارات السوداء المندفعة. 
وتارة إلى أسفل الشاحنات الثقيلة لتنسحق تحت إطاراتها بسهولة ويسر"

منقولة من مجلة أقلام عربية.. 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً