السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة نقدية لثيمات رواية (تعرية) للدكتور احمد قاسم العريقي - حسن حمود الدوله
الساعة 13:53 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

رواية " تعرية " للروائي الدكتور احمد قاسم العريقي، تندرج في سياق كتابة متجددة تنحت موقعا خاصا بها، ليس فقط من خلال ما تنهض به من خلخلة للأعراف التقليدية في السرد والكتابة، وإنما كذلك من خلال ما تحفل به من رموز وإشارات، ونقد للعادات والتقاليد في مجتمع يحكمه الجهل والخرافات والأساطير، وقد استطاع الكاتب التعبير النقدي عن واقع اجتماعي متردٍ قيمياً، والثورة ضدا على سلطة الجهل وسلطة حراسه كسلطة فقيه القرية "مقبل" والدجال "عبده ناجي الشعبي" ولم يستطع الكاتب فعل ذلك إلا لأنه توسل شخصية روائية مجنونه ، مرر من خلالها افكارا تعتبر تجديفا عند رجال الدين. مما يدلّ على الطريق الصعب الذي سلكه الكاتب للوصول إلى فن روائي جديد على مستوى الرواية اليمنية - وبخاصة ما يتعلق بالثيمات الروائية التي سنتناولها في هذه القراءة -، حيث تمكن الروائي من خلال طرقه لهذا الفن أن يلامس الواقع في لغزيته وتعقيداته وتعرّجاته.
 

ونعتبر أن هذا الأفق الذي ارتاده احمد قاسم العريقي يتجلى من خلال مستويين. أولهما يتعلّق بالشكل الفني حيث يبرز تفكير الرواية في ذاتها، واحتضانها لانشغالات الكاتب بالكتابة وجدواها وقدرتها على تمثيل الغرابة المقلقة التي تلف الوجود، وكذلك تكسير الحدود بين الخطابات والأشكال التعبيرية المغايرة، حيث تخللت فصول رواية " تعرية" مذكرات السارد وتواريخ احداث السرد بشكل يعمّق العلاقة بينهما، ويبرز دور الرواية في إضفاء الدلالات الإنسانية على احداثها ووقائعها. أما الثاني فهو مستوى الخطاب في أبعاده الاجتماعية حيث يتجلى ذلك التأمل الفلسفي العميق في التباس علاقة الإنسان بالزمن والوجود من خلال شخصية السارد المحورية التي جعلت بقية الشخصيات غير متفاعلة بأحداث الرواية ووقائعها، حيث ابقاها قيد الاستدعاء حسب الموقف السردي، ما اثر سلبا على تقنية السرد واللغات والمصائر المتعددة. ناهيك عن عدم تجنب الرواية التفكيك الذي ظلت تعاني منه في اغلب احداثها فمجموعة حواراتها كانت تخرج عن سياق الأحداث وليس لها ما يربطها بما قبلها وما بعدها والسبب في ذلك أن الخطاب السردي توزع إلى سرود صغرى وكل حكاية تختلف عن الأخرى ، وفقا لصيغة الخطاب السردي الذي يتميز بتضمين الحكاية الأساسية حكايات أخرى بداخلها. كما تجدر الإشارة إلى وجود بعض الهنات منها اعتماد الرواية على الجمل المطولة ، و تلك الأخطاء التي تعتور النصوص الأدبية اليمنية المطبوعة وذلك بسبب إهمال دور النشر للتصحيح اللغوي والإملائي والمطبعي، والتي ننصح بتلافي ذلك في الطبعة الثانية.
 

ولكن بالرغم من تلك الهنات فأن كثافة المعلومات العلمية في الرواية والبعد الصوفي الفلسفي الوجودي ، والقراءة الهيرمينوطيقية للنصوص الدينية، ومقدرة الكاتب على الحبك القصصي قد شغل القارئ عن تتبع تلك الهنات ويظل مندهشا بمقدرة السارد على اتباع اسلوب الاستباق أو القفز إلى الأمام في اغلب المقاطع الحكائية حيث يروي حدثاً سابقاً عن أوانه، أو متوقّعا حدوثه؛ واقتضي منه هذا النمط السردي ان يقلب نظام الأحداث في النص عن طريق تقديم متواليات حكائية محل أخرى سابقة عليها في الحدوث، أو التطلّع إلى ما سيحصل من مستجدّات في المستقبل مستعينا ايضا بأسلوب الاسترجاع، فيعود بحركة السرد إلى الوراء، فيستعيد الماضي بما يخدم اللحظة الحاضرة. وكل عودة للماضي تشكّل استذكاراً يقوم به السارد لماضيه الخاص، ويحيلنا من خلاله على أحداث سابقة للنقطة التي وصلها القص. واحيانا يقوم باسترجاع لحظة مفارقة من لحظات الماضي من لحظة الحاضر؛ باستدعاء حدثٍ أو أكثر وقع قبل لحظة الحاضر والتناوب بين الماضي والحاضر في هذا النص ينمّ عن تعلّق الروائي بالذكريات التي استدعاها وبالأخص في الشق السياسي منها وفترة حكم الحمدي. 
 

ونظرا لأن الرواية ذات بعد فلسفي وصوفي وجودي واصلاحي وخيال علمي ، وتحسبا لعدم التطويل فقد رأينا ان نقتصر هذه القراءة على الثيمات التي تميزها عن بقية كفن روائي تكسوه الجدة نوعا ما، وهي ، ثيمة الخيال العلمي، وثيمة الجنون، وثيمة الجنس، وثيمة لغة الجسد أو قراءة الأفكار وذلك على النحو التالي : 
 

أولا : ثيمة الخيال العلمي :
عرفنا ان رحالات الفضاء تتم عبر آلات، وان الكائنات التي تخطط لغزو كوكبنا تنتقل بالآت ايضا، إلا أننا في رواية "تعرية" سنعرف نوعا حديدا من الانتقال من كوكب إلى أخر بلمحة البصر يتم ذلك بلا وسيلة انتقال ، وسنتعرف على كائن فضائي لا يحتاج لوسيلة نقل أيضا، فكائنه الفضائي يختلف اختلافا بينا عن كل ما جاء في روايات الخيال العلمي فالسارد يقول : " فجأة ظهر امامي شخص كأنه تكثف من الهواء أو هكذا رأيته، .... كان صوته يجول في رأسي دون أن يفتح فمه سألته : كيف عرف لغتي ؟ تغلغل صوته في سمعي وقال: "نحن ننسخ ذاكرة الإنسان ثم نتحدث بلغته" ثم سأله وماهي لغتكم؟ فكان الجواب: "كان لدينا السن مثلكم قبل ملايين السنين ، لكنها انكمشت .. بعد ان اصبح لنا قدرة على استخدام طاقة عقولنا بشكل اكبر" الرواية من ص (161: 164 ) ويواصل قائلا: "وحدثني عن اشياء غير معروفة للبشر ...وعن الزمن الذي ستشرق فيه الشمس من المغرب وتغرب من المشرق، ثم اخذني في رحلة إلى السماء وشاهدت كوكبه" ولكن كيف كانت هذه الرحلة ؟ وبأي وسيلة تمت ؟ إنها رحلة ليست على آلة الزمن كتلك التي سافر بها بطل رواية "هـ. ج. ويلز"؛ بل إن خيال كاتب رواية" تعرية" ذهب ابعد من خيال "هـ. ج. ويلز" بل وكل كتاب روايات الخيال، انها وسيلة غريبة وستظل غريبة لمئات السنين يقول السارد:" أن الكائن الفضائي وضع يده "الشمال" على رأسه وهو يحدق في عينيه طالبا منه أن ينظر عبر عينيه – أي عيني الكائن - وإذا به يرى عيني الكائن تتسع أكثر وأكثر إلى ما لا نهاية ومن خلالها شاهد كوكبا ابعد من الخيال معظم من فيه معلقا في الفضاء، يقول:" فرحت اطوف كأنني جزء من ذلك الكوكب البارد، ونسيت أنني من اهل الارض..... كنت ارى نفسي أحلق في فضاء ذلك الكوكب وانا افرد يداي كأجنحة الطيور..". بهذا الخيال العلمي الذي يذكرنا بعمالقة كتاب روايات الخيال العلمي وبخاصة اول من صك ثيمات الخيال العلمي الإنجليزي "هـ. ج. ويلز" الذي كانت رواياته نبعا لا ينضب للكتاب اللاحقين، فهو أول من صك مصطلح "آلة الزمن" في رواية تحمل العنوان ذاته.
 

 

والكائن الفضائي في رواية "تعرية" قد اخبر السارد بأن البشرية في طور النشوء والارتقاء للوصول إلى الإنسان المتكثف، الشبيه بذلك الكائن الفضائي وقد اخبر السارد قائلا :" انت اجتزت طورا جديدا من مراحل التطور البشري.. التي سوف يصل إليها البشر يوما ما عندما يكونوا اهلا لذلك.." الرواية : ص:(162).
هذه الحال التي وصل إليها السارد تشبه الحال التي سماها الصوفيون ب " السعادة القصوى" وهي تأتي كما تأتي كليلة قدر لنوابغ البشر يقول السارد عن وول إلى هذه الحال أنه : " في السابع من فبراير عام 1974م أخذتني معجزة جديدة إلى كسر شفرة من شفرات الطبيعة - التي يراها الناس من الخوارق – في ظهر ذلك اليوم أخذت عندي خلايا تتكثف داخل شبكة العين واحسست بأن حدقة عيني تتسع على غير العادة كنت حينها في عرفة نومي انظر في الباب والجدران، بدا الباب شفافا ورأيت " نجوى" - أي زوجته - وهي تمشي في الصالة وبناتي يتجولن فيها .." الرواية :ص:(152).
وهكذا صار يتمتع بنظر يخترق الجدران ويرى الناس عرايا فعندما خرج في ذلك اليوم إلى الشارع قال :" بدا الأمر كأنني دخلت نادي عراة .. " الرواية: ص : (154). 

 

 

ثانيا : ثيمة (الجنون)
وهذه الثيمة ترتبط بسابقتها بوشائج توحدها، ولذلك ربط الكاتب شخصية بطل روايته "عبدالفتاح " بحالة من حالات الجنون التي يوصم بها العباقرة عبر التأريخ، جاعلا من شخصية بطل روايته " عبد الفتاح" المراد تحليلها والبحث في ابعادها، كمكون من المكونات المركزية التي استثمرها ووظفها دلاليا، انسجاما مع هوية نصه الروائي الأدبي واختياراته الفكرية والثقافية.
فشخصية "عبدالفتاح" التي تبنت مواقفا وقيما إنسانية نبيلة، نظرا لارتباطها الجدلي بموقع اجتماعي يفرض عليها أن تنتج تلك المواقف الثورية، وأن تخوض بقوة كل أشكال الصراع السائدة في المجتمع، سواء العادات والتقاليد، والمعتقدات البالية، أو الإيمان بالقدرات الخارقة للموتى، وعدم موت الأولياء، وتناول بالنقد قضايا وغير ذلك من الاعتقادات ذات البعد التقليدي المتوارث، التي وقف في وجهها رغم انها ضمن التابوهات المحظور الخوض فيها في المجتمعات المنغلقة كمجتمعنا اليمني. 

 

وهو بذلك قد اقترب عنده دور المجنون (الروائي) بدور الداعية الحكيم الغريب في قومه لنبوغه وقدراته الخارقة ، الصوفي الفاعل والمصلح الاجتماعي، فناقش بصراحة ووضوح قضايا متعلقة بالدين، والعادات والتقاليد البالية، منها قضية بنات الحور والولدان المخلدون والوحي والنبوة وتأويل آيات قرآنية كقصة البعث والخلود وبنات الحور بل وتناول نظرية النشوء والارتقاء، كما جاء عند اخوان الصفاء التي تطابق إلى حد ما مع نظرية داروين ، وكذلك قضية العقل النبي، وغير ذلك من القضايا التي تندرج ضمن التابوهات المحرمة. 
 

ولذلك أجدني مع الاجتهاد القائل بأنَّ انطلاق الرواية - أي رواية - من بؤرة ذات كاتبها، وبصوت ضميره ، وهذا يكفي لأن تنزاحَ على الفور باتجاه النَهْلِ من سيرة كاتبها الذاتيّة، وهكذا متح بطل رواية "نعرية" من مخزون ثقافة الكاتب نفسه. وعندها اخضعُ تلك الشواظ المُستقاة من ثقافته إلى «مادةٍ خام» قام بمعالجتها وتحويلها في مصهر الكتابة الروائيّة إلى علاماتٍ ومحطاّت تُشير إليه ولا تشيرُ، وإن تخللها احداث ووقائع جلها تخييلية ، إلا أن القارئ يشعر بأنه يقرأ سيرة ذاتية للكاتب الذي تتطابق ميوله السياسية مع شخصية السارد "عبدالفتاح"، رغما عن ثيمة الجنون التي توسلها كما اسلفنا لتمرير رؤاه الفلسفية وهو جنون العباقرة والمصلحين والنوابغ، وما فكرة الجنون هذه إلا ثيمة أساسية في الحياة.
 

وما يؤكد ذلك هو التشخيص لهذا المرض على لسان الطبيب المصري في المصحة التي اودع فيها " عبدالفتاح" فبعد ان اكتشف اطباء المصحة بأنه تمكن من معالجة حالات مستعصية، استعانوا بقدراته الخارقة لتشخيص حالات بقية المرضى في المصحة فعد ان يدهشهم بقدراته الخارقة يلتفت الدكتور المصري الجنسية إلى زميله الدكتور اليمني "منير" ويقول له ان "عبدالفتاح" عبقري وموهوب وشخص مرضه بانه "مرض الكبت النفسي المنخفض" الرواية ص:(203) وهذا النوع من المرض يعتبره سيجموند فرويد سمة شخصية وليس اضطرابا ”عقليا” وهذه السمة تعمل على إثارة الحواس البشرية إلى اعلا درجات التحسس حيث يستطيع المريض التقاط ادنى الحركات والاصوات غير المسموعة. و ذهب سارد رواية "تعرية" إلى أنه يتلقى تلك القدرات وحيا وأن الله ميزه الله بتلك القدرات فيقول:" اقنعت نفسي أنه وحي من الله الذي يختص برحمته من بشاء من عباده، وليقولوا عني ما يشاءون مجنون أو غير ذلك" الرواية : ص:(165).
 

كما يؤكد أن حالته تلك تختلف اختلافا كليا عن الحالات المرضية التي ذكر منها:" الفتشية، المازوخية، الهستيرية، الكتاتونية، السادية، الوسواس القهري، والذهان والكبت النفسي المرتفع" وومن خلال استعراض تلك الحالات فقد اظهر الكاتب سعة اطلاعه ومواهبه العلمية التي ابرزها اكثر من خلال الغوص في النفس البشرية وقد ساعده في ذلك تخصصه العلمي كطبيب صيدلاني حيث حدد اسماء علاج بعض الحالات. الرواية :(202).
 

هذا وقد وصل إلى كوجيتو وجودي يختلف عن كوجيتو رينيه ديكارت الذي يقول: "أنا افكر إذا أنا موجود" أما كوجيتو بطل رواية "تعرية فيقول:" أنا مجنون ..إذا أنا حر" الرواية : ص:(209). إذا فالجنون عنده معادل للحرية، وقد جاء في الرواية على لسان المجنون الفيلسوف" قيس" قوله : " هكذا هم الناس فمن لم يفهموه يتهمونه بالجنون والكفر والزندقة " الرواية : ص:(209)، وهو بذلك يلتقى مع فريدريك نيتشه الذي قال :"لن تصير حكيما إلا عندما يقول عنك الناس مجنونا". 
والقارئ بعد ان ينتهي من قراءة الرواية يغبط "عبد الفتاح" ويصل إلى نتيجة مفاداها أن من حسن حظ السارد أن جنونه أوقَعه على الضفة الأخرى من العقل؛ هذا العقل الذي أفرطنا في مدحه إلى درجة نسينا معها أنه مشتق من العقال، أي القيد والحبل الذي يكبح الذات عن الخروج عن قيم الجماعة ومواعظها المكرورة. 

 

 

ثالثا: ثيمة ( الجنس ) 
وهذه الثيمة - أي ثيمة "الجنس" - تعد من «التابوهات» التي اقتحمها صاحب رواية «تعرية» ما جعل روايته تقترب من روايات ال «إيروتيكية» ولكن ليس بنفس درجة ما يفعل أدباء الغرب، بل قارب بعض الروائيين العرب الذي كسروا "تابو الجنس" فاستطاع ان يصور لنا أكثر من مشهد «حكائي»، جسد فيه العلاقة الجنسية كاملة بين السارد - الراوي - وزوجة الراعي «غصون» ، وجعل القارئ يعيش تلك المشاهد بكل تفاصيلها، وليس ذلك فحسب بل يصدم القارئ بتعبيرات والفاظ وإيحاءات جنسية بعضها يندرج ضمن غير المستحب في اوساط المجتمعات المنغلقة المحافظة كمجتمعنا اليمني، والبعض الآخر يخدم «الحبكة» والسياق السردي. وما يهمنا في ختام الحديث عن هذه الثيمة هو القول بأن الكاتب قد حاول كسر «تابو الجنس» بكل ما أوتي من قوة. وكان بالفعل جريئا في اقتحام تابو الجنس بما فيه الكفاية. 
 

 

رابعا: ثيمة ( لغة الجسد أو قراءة الأفكار)
كما يلاحظ أن رواية "تعرية" قد درات كل احداثها على هذه الثيمة – أي ثيمة قراءة الأفكار ومعرفة كوامن النفس البشرية - التي حد ان القارئ يظن أن الكاتب قد اطنب واسهب فيها كثيرا إلا أنه اظهر من خلالها قدرات خارقة لدى السارد في فهم لغة الجسد، أو ما أسماه بقراءة الأفكار ، كما انه لم يقتصر على فهم ما يدور داخل النفس البشرية فحسب بل تعدى ذلك إلى ترجمة لغة الحيوان وفهم ما توسوس به نفوسها كما عمل مع الكلب "كوبي" الذي اخبره بمن سرق منزله ، بل واخبره أن " ناصر" ابن الجيران سوف يتخلص منه - أي الكلب – وبالفعل تم التخلص من الكلب عن طريق السم إلا أن الكلب وهو يلفظ انفاسه الأخيرة بأن قاتله هو ابن مالكه وليس ابن الجيران وانه - أي الكلب – لما وجد ان الغدر قد أتاه من اقرب الناس إليه هانت عليه الحياة وبلع الطعام وهو يعلم أنه مسموما.
كما أن قراءة الجسد والغوص في مكامن النفس البشري والحيوانية وفهم ما توسوس بها نفوسها، قد امتدت لفهم لغة النبات فيقول السارد:" كنت احدث الزهر وكأنني أتحدث مع فتاة جميلة، قبلت في ذات يوم زهرة، شعرت بإحساسها وخجلها، وتناهى إلى سمعي صوت : "ياه لقد قبلك، كيف وجدتين قبلة الإنسان" هكذا تمكن الكاتب من استخدام هذه الثيمة ليبرز مواهبه في فهم لغة الجسد ليس لدى الإنسان والحيوان والنبات فحسب، بل والجماد مبررا ذلك بالقول أنه :" عندما يغوص المرؤ في شيء ما ليفهمه، يصبح هذا الشيء شفافا تغوص حواسه فيه، ولو كان هذا الشيء "صخرة" وإذا تمكن الإنسان من الالتحام مع الطبيعة يعرف اسرارها ويراها جسداً ينبض بالحياة" الرواية : ص: (139).

 

 

الخاتمــة :
ومن خلال قراءتنا النقدية لتلك الثيمات نستطيع ان نحكم على موهبة الكاتب ومهارته ومقدرته على تقنية السرد ، وعلى أن الكاتب يحمل عقلية علمية صارمة ، ويتبع منهج التجريب في محاربة الخرافة مستعينا بالشك المنهجي الذي يؤدي إلى اليقين لبطلان اغلب العادات والتقاليد البالية، كما فعل في اثبات بطلان كرامات قبر «الباهوت" المزار لأهالي قريته والقرى المجاورة، وملجأهم الذي يلجئون إليه عندما تلم بهم الشدائد، فشكك فيه بل وافترض ان لا وجود لرفات دخل الضريح ، فقام بنبش القبر فعلا ولم يجد فيه رفات، مفترضا ان احد الخبثاء قد أخفى كنزا في المكان المخصص للضريح ، واشاع في اوساط الناس بان المكان قبر « للباهوت» ، كما فعل غيره وفقا لما جاء على لسان الراعي زوج "غصون" بخصوص قبر اليهودي، الذي كان يرمي اهل القرية فوقه احجارا واعوادا ولا احد يمسها، او يحطب من الاشجار التي تنمو محيط القبر ولم يكتشف الراعي ذلك إلا بعد أن وجد القبر منبوشا ولم يكن فيه سوى علامة حفرة ملساء تدل على شكل الإناء الفخاري الذي كان بداخله الكنز.
فهذه الجرأة في نقد ثقافة المجتمع اضفى على الرواية نوعا من التشويق، ومقدرة السارد لفهم مكنون النفس البشرية، وقدرته الخارقة التي تجاوزت ما هو معلوم من التواصل بغير كلمات بين البشر إلى فهم لغة الحيوانات ٍوالنبات ورواية« تعرية» تعلمنا بأنه عندما يصل الإنسان إلى مرحلة قراءة أفكار الآخرين يكون أكثر تحكماً في تصرفاته لمعرفته بماذا يفكر الشخص الذي أمامه، ويجيد التملص أو الاستعداد في حال قرأ فكرة عند شخص يهم بإيذائه، إذن قراءة الأفكار تفيد في الكثير من المواقف، وتكون الطريقة للنجاة من بعض الأشخاص الذين يخططون ليوقعونا في المشاكل، وقد استطاع ان يعري المجتمع الإنساني بانه مجتمع ممثل يظهر الناس فيه غير ما يبطنون كما اخبرتنا بأهمية (لغة الجسد) الذي يعبر أكثر من الكلام؛ وأن جميع الحركات التي تخرج من أجسامنا مصدرها العقل، ولا يمكن لأي جزء من أجسامنا التحرك دون قيام المخ بإرسال الملايين من الإشارات العصبية لعمل حركة بطريقة معينة.

 

وهكذا استطاع احمد قاسم العريقي أن يبرز بطله "عبدالفتاح" كشخصية ذات اتجاه واحد بسيط ، ألمه واحد ، ذنبه واحد، ونجواه واحدة ، لا يتعدى كونه شخصا تميز بفهم النفس البشرية وبعقلية فذه ، وقدرات خارقة، وسلوك مستقيم، فظل متهما بالجنون حتى برأه منه اطباء المصحة بعد فراره منها، فكانت تلك العبقرية والنظرة الثاقبة للناس هي خطيئته التي استحق عليها النبذ والإيداع في مصحة الأمراض العقلية، وبعد ان وجد من المجتمع هذه المعاملة القاسية وهذا الجحود قرر الفرار من المصحة بعد ان سلم مذكراته إى زوجته التي سلمتها بدورها إلى الحامي الذي تمكن من تشكيل لجنة تحقيق في اختفاء "عبدالفتاح" مع العاملين والممرضين والاطباء الذين افاد جميعهم بعدم معرفتهم بالاختفاء، وشهدوا بأن "عبدالفتاح" لم يكن مجنونا وإنما كان موهوبا تجاوزت قدراته وحواسه وقواه العقلية القدرات البشرية.

صنعاء :25 ابريل 2018م

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً