السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
آمنة يوسف في رحلةُ التميّز الصّعب .. يكفي أن اسمها النقدي له مكانته في الدراسات النقدية العربية وليس اليمنية فقط
تحية للحشيبرية في كل تجلياتها - علوان الجيلاني
الساعة 12:18 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 



تجربة فريدة في المشهد الأدبي اليمني
الاقتراب من تجربة البروفيسور آمنة يوسف ليس سهلاً، لأنها ليست امرأة عادية، هي تجربة فريدة في المشهد الأدبي اليمني، فريدة من ناحية تعددها شاعرة وقاصة وناقدة، وفريدة من ناحية كونها أكثر بنات جيلها إنجازاً، وفريدة من ناحية كونها الأكاديمية اليمنية الوحيدة التي تتوفر على كل هذه الإنجازات من الكتب النقدية.

لكن تلك الأسباب مجتمعة ليست وحدها سبب تهيب الاقتراب من آمنة كتجربة مميزة، فثمة سبب آخر ومهم لا يكاد يعرفه المحتفلون بها اليوم، وهو سبب تاريخي يتصل بأسرتها، فهي تنتمي إلى الأسرة الحشيبرية، والأسرة الحشيبرية واحدة من أهم أسر العلم والولاية التي عرفتها اليمن عبر ثمانية قرون مضت.

وقد عرف تاريخ الأسرة عشرات العلماء والأدباء والأولياء والفضلاء الذين انطلقت تجربتهم من مضارب الأسرة الأولى في مصب وادي سردد في تهامة "مديرية الزيدية" لتمتد إلى مختلف جهات اليمن، من أنحاء تهامة المختلفة إلى صنعاء والمحويت، وحجة وذمار وإب وتعز، وعدن وحضرموت، ثم مكة والمدينة والشام وشرق إفريقيا والهند وبنغلاديش وسريلانكا وماليزيا وأندونوسيا، حيث ساهمت في نشر الإسلام، والاشتغال بالعلم وأخلاق العناية ورعاية سلم القيم الإنسانية النبيلة.

وتحفل مئات المصادر من كتب التاريخ والتراجم والطبقات وكتب اللغة والفقه واالتصوف، بذكر العشرات من أجداد آمنة يوسف أمثال الولي الشهير محمد بن عمر حشيبر المتوفى سنة 718ه صاحب كتاب "منثور الحكم " وهو من أهم كتب التصوف اليمني، والعالم الكامل على بن أحمد حشيبرالمتوفى سنة 822 ه، والولي دهل بن إبراهيم حشيبر 802 ه مؤسس مدينة الزيدية، والولي العلامة محمد بن حسن حشيبر المفسر المشهور (توفي نهاية القرن الثامن الهجري) والشيخ الكبير جمال الدين محمد بن علي الحشيبري (ت 1000 هـ) صاحب الضريح الشهير بمدينة أحمد أباد بالهند، والمساوى بن إبراهيم حشيبر (1170 ه) المحدث الشهير (من تلاميذه المرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس) والشاعر المسمع محمد بن ابراهيم الحشيبري شاعر الدولة الادريسية (القرن الرابع عشر الهجري) وصولاً إلى الكوكبة الاخيرة من الأعلام التي يمثلها العدني الحاج عبده حسين الأدهل (ت 2010) وزير المالية في حكومة زين عبده باهارون في ستينيات القرن الماضي وصاحب الانجازات المشهورة في ميادين النضال الوطني والبناء الاقتصادي والتربية وأعمال الخير. والعلامة الشاعر والبرلماني الشهير عبدالله الضحوي (ت 2008) والشاعر والمؤرخ والتربوي محمد الشبيلي (ت 2006).

وهؤلاء وأولئك ليسوا إلا نماذج من أعداد كبيرة من أعلام هذه الأسرة المجيدة، أما الاضافة فهي أن الأستاذ الدكتور آمنة يوسف محمد عبده الحشيبري، ستكون أول من يمثل الحداثة الأدبية والثقافية، في تاريخ هذه الأسرة، لقد سبقتها واحدة فقط من بنات الأسرة العلمية بالظهور على مسرح التاريخ الحشيبري تلك هي الولية الصالحة سعادة بنت الولي عمر بن أحمد بن هبة الحشيبري (قبل مائتي سنة). أما في مجال التعليم الحديث فهناك أعداد كبيرة من أبناء الأسرة ممن يحملون الشهادات العليا ويمارسون التدريس في الجامعات ناهيك عن مئات التربويين والأدباء والمهندسين والصيادلة والمبرمجين وغير ذلك، لكن آمنة وحدها ستحظى بما أشرنا إليه في أول هذه المقاربة من تعدد لوجوه التفرد في هذا التاريخ الأسري الحافل.

***

من مديرية الزيدية انتقل والد آمنة إلى جدة مغترباً كأمثاله من أبناء الوطن، وفي جدة ولدت آمنة سنة 1966، ويبدو أن التفوق الدراسي كان حليفها منذ البداية، فقد جرت بها رياحه رخاءً حتى حصلت على ليسانس آداب، قسم اللغة العربية من جامعة الملك عبد العزيز في جدة سنة 1990، وفي ذلك العام عادت إلى اليمن، حيث سكنت صنعاء، أما قراءاتها الأولى فبدأت من "قصص الأطفال، ثم قصص الزير سالم وسيف بن ذي يزن وألف ليلة وليلة". حين عادت آمنة إلى صنعاء كان المشهد الأدبي في صنعاء يمر بأجمل مراحله.

كان جيل التسعينيات يتبازغ، مستفيداً من الوهج الهائل والآمال العريضىة التي امتلأت بها النفوس إثر قيام الوحدة اليمنية.

في تلك الفترة نشطت جماعتا "سبان" و"الغد"، وفتحت منابر الصحف صفاحاتها الثقافية للمبدعين الجدد، وهدرت أصوات الشباب على منصات الأمسيات والصباحيات الثقافية التي كانت تقام في كلية الآداب وخارجها، وكانت آمنة في هذا الخضم الذي يضم الموجة الأولى من التسعينيين والتي كانت تشتمل على مجموعة كبير من الأسماء أبرزهم: علي المقري، فاطمة العشبي، نبيلة الزبير، عبدالرحمن الحجري، محمد القعود، خالد زيد الشامي، علي الشاهري، عبدالوكيل السروري، توفيق القباطي، سلوى الإرياني، عبدالحكيم الفقيه، زيد الفقيه، كمال البطاطي، سلطان عزعزي، محمد سعيد سيف، كريم الحنكي، محمد السقاف، هدى أبلان، محمد الشيباني، محيي الدين جرمة، عبدالناصر مجلي، عادل أبو زينة، خالد الأهدل، أحمد شاجع، عادل البروي، محمد المنصور، محمد عبدالوكيل جازم، أحمد الزراعي، محمد عبيد، عبدالسلام الكبسي، عبدالكريم الوشلي، صادق الهبوب.

وعند نهاية سنة 1991 كانت آمنة ضمن كوكبة من الأصوات الذين ضمهم ديوان "وهج الفجر" وهو إصدار مميز جاء بمبادرة شجاعة من الشاعر الصحفي محمد جسار (رئيس الاتحاد العام لطلاب اليمن آنذاك)، وضم ذلك الاصدار إلى جانب آمنة إثني عشر شاعراً وشاعرة هم: عبدالرحمن الحجري، نبيلة الزبير، عبدالوكيل السروري، خالد زيد الشامي، أحمد شاجع، فاطمة العشبي، محمد يحيى المنصور، عادل البروي، حسين الصوفي، محيي جرمة، محمد السقاف، عبدالكريم محمد الوشلي، علي أحمد الشاهري، محمد عبدالوهاب الشيباني، هايل الغابري.

وتم تصديره بمقدمة تبشيرية للدكتور عبدالعزيز المقالح عرفت بها وبزملائها الذي بدأوا يحققون حضوراً مميزاً في عالم الكتابة.

كانت آمنة تكتب وتشارك وتواصل دراساتها العليا، وعلى مدار عقد التسعينيات كان الشابة العصامية قد بذلت جهداً كبيراً في تأهيل نفسها، حصلت على الماجستير بتقدير ممتاز 1996، وحصلت على الدكتوراه بتقدير ممتاز 1999، ثم تواتر مشوار النجاح والتّحقُّق العلمي والابداعي، صارت آمنة أول متخصصة أكاديمياً، في السرد الروائي والقصصي في الجامعات اليمنية، في الوقت الذي كانت فيه إصداراتها تتوالى، أصدرت عام 1997 مجموعتها الشعرية الأولى "قصائد الخوف"، مترافقة مع مجموعتها القصصية الأولى "جوقة الوقت" وكتابها الأول تقنيات السرد في النظرية والتطبيق، وجميعها صدرت عن دار الحوار، اللاذقية – سوريا.

ثم أصدرت مجموعتها الشعرية الثانية انكسارات، عن الهيئة العامة اليمنية للكتاب سنة 2001، تلاه كتابها "شعرية القصة القصيرة في اليمن" سنة 2003 عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وأصدرت سنة 2004 مجموعتها الشعرية الثالثة "علميني الحب يا رؤى" عن وزارة الثقافة اليمنية.

أعقب هذا أعوام امتدت الى عام 2012 انقطعت فيها آمنة عن الاصدار، لكنها لم تكن متوقفة عن الكتابة والحفر النقدي المستمر، نشرت أبحاثها في دوريات عربية محكمة، وخاضت تجربة التدريس في جامعات عربية، وجربت تواصلاً معرفياً مختلفاً، وتحقتت أكاديمياً أكثر فأكثر لتعود بتجليات أروع، وحصاد بالغ التميز، فكان عام 2012 موعد كتابها المهم "تهجين الاتجاه في سرد ما بعد الحداثة"، الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، أما عام 2015 فهو عام الوفرة الكبرى في حياتها الأدبية، فقد عبرت آمنة عن نضجها وتبلور تجربتها التي صارت مقدّرةً على مستوى الوطن العربي كله، في ذلك العام أصدرت الكاتبة الكبيرة كتابيها النقديين "مقاربات بنيوية في السرد – الشعر"، و"الراوي وإيقاع السرد، رواية وحشة النهار لخالد اليوسف، نموذجاً" وكلاهما صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

وأصدرت معهما من نفس الدار مجموعتها الشعرية الرابعة "خذوا هذه الذاكرة"، إلى جانب طبعة منقحة من كتابها النقدي الأول "تقنيات السرد في النظرية والتطبيق" عن نفس الدار التي ستصدر سنة 2016 الكتاب النقدي السادس لآمنة يوسف وهو كتاب "سيميائية النص القصصي".

أحد عشر كتاباً، ومجموعة من الأبحاث الأكاديمية الرصينة المنشورة في عديد المجلات والدوريات العربية، هذا غير ما بقي في الأدراج تلك هي ثمرة رحلة امتدت ثمانية وعشرين عاماً في خوض غمار الكتابة والابداع، إلى جانب ذلك كله كانت البرفيسورة آمنة يوسف تشغل لفترة منصب نائب عميد كلية اللغات للشؤون الأكاديمية والدراسات العليا بجامعة صنعاء وتشارك لفترة في عضوية لجنة تحكيم جائزة السعيد للرواية اليمنية "2004"، ولفترة أخرى في عضوية لجنة التحكيم الأولى في جائزة كتارا للرواية العربية في قطر " 2016" وها هي أخيراً تفوز بالمركز الثالث في جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، الدورة الثامنة، محور أدب المكان عن دراستها النقدية سيميائية المكان في رواية أولاد الغيتو: اسمي آدم، لإلياس خوري 2018.

الملاحظ أننا لو عدنا إلى الأسماء التي أوردناها سابقاً، والتي شكلت مع آمنة الموجة الأولى من التسعينيين لوجدنا أن الذين تحققوا من تلك الموجة إبداعياً وثقافياً وعلمياً لن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ولوجدنا أيضاً أن الدرب الذي سلكته آمنة يوسف لتحقيق ذاتها وتكريس اسمها كتجربة مهمة هو درب لا يشاركها فيه أحد من تلك الأسماء كلها، وهو فوق ذلك الدرب الأكثر صعوبة، والأكثر احتياجاً للتعب وتشغيل العقل والفكر.

***

ستتميز رحلة آمنة يوسف بكونها تختلف أيضاً عن كل بنات جيلها، فلم يكن ظهورها على الساحة طفرة، فقد تم بخطوات محسوبة، وصبر طويل، وجهد غير عادي في الاشتغال على الذات، وتنمية القدرات والاصرار على التميز والتفوق، لم نفاجأ بآمنة تظهر على الساحة من مأتىً غامض، يتبازع من خارج نطاق الابداع والبحث، ولعل الوضوح سمة أخرى من سماتها هي تقول "أنا صفحة مقروءة وكتاب مفتوح، تعرفني من خطي الواضح جداً والذي يكشف عن شخصيتي تماماً لكل من يطلع عليه على واجهة جميع كتبي"، لهذا لم تكن تحب أن تكتب تحت اسم مستعار أبداً، "أنا فقط «آمنة يوسف»".

ولم يكن الاحتفاء بها من خارج الاستحقاق الكتابي والابداعي، بل ربما إنها ظلمت ولم تنل حقها كما يجب، فقد نال غيرها الكثير من الحفاوة دون جهد يذكر ولأسباب لا علاقة لها أحياناً بالابداع والكتابة.

لقد بنت آمنة نفسها بنفسها، وأثبتت وجودها بعلمها وبطاقة الابداع التي تكتنزها وهي تؤكد ذلك "حققت ذاتي من خلال العلم، وأعيش من أجل العلم والأدب".

رحلة آمنة لم تكن صفواً ونجاحات متواصلة، كانت هناك أحزان كثيرة، وكانت هناك وهدات ومعوقات فهي بنت هذا الواقع القاتل، بنت الفقد المتتابع أيضا للأب والأم، فقد الحياة التي تليق بنا كبشر حيث نطمح أن نعيش بأقل قدر من الوجع والعذابات، لقد نالت منها الحياة كثيراً حد أن يصبح مأثورها قصيدة كامل الشناوي الشهيرة :

"عدت يا يوم مولدي.. عدت يا أيها الشقي.. الصبا ضاع من يدي.. وغزا الشيب مفرقي.. ليت يا يوم مولدي.. كنت يوماً بلا غد".

مع ذلك فقد استطاعت مغالبة كل المعوقات والأحزان، آثرت العزلة واعتبرت الوحدة عبادة، وقالت لنفسها إن "خير جليس في الزمان كتاب" المفارقة أن هذا كان شعار العشرات من أجدادها" .. لكنها مع ذلك ظلت تردد لنفسها قول الشاعر:

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى** فما انقادت الآمال إلا لصابر

في هذه الرحلة الصعبة كان الشعر بالنسبة لآمنة يوسف هو المتنفس للذات، وفي تجربتها الشعرية تكتظ مساحات الورق بمشاعر الخوف والانكسار والألم وتتجاور مفردات الشقاء والبؤس، والوحشة، وتتبرج الذاكرة المعذبة بالراحلين والذي لا يأتي أبداً:

مُرهِقٌ وهمي وذابلةٌ دروبي

والمدى ليلٌ يبددُ نجمَهُ التجوالُ والظمأُ

وهذا اللاصدى يُصغي إلى حُلُمي ولا أدري

بأيِّ شواطيءٍ ترسو نهاياتي؟!

وعلى تنوع تجربتها الشعرية التي يصعب حصر ثيماتها في وقفة عابرة كهذه يظل هاجس الحزن بما هو زمن مستمر، وغيمة ذكريات، ورحلة متوجسة في الحياة، وانهدار يتوالى بشكل عبثي مفجع، يتفصّد دما محترقاً عبر مجموعة تلو المجموعة، حتى ليحضر هاجس الموت قوياً ومتعجرفاً يتفاسح لسؤال نوستالجي عما يتبقى منا، سؤال يلوب بلا إجابة، وفي غياب الاجابة تكمن عذوبته وعذاباته كما في هذا النص:

حين أموت

لا أحد سيذكر شيئاً من آلامي

أو يقرأ حزني المتنامي

بين عيون الأفق الشاسع والمترامي

وعلى أنقاض الجسد المتسامي

رغم هيامي

ببريق جميع الأجرام

- هل للذكرى، يوماً ما

أن تنهض من بين عظامي؟!

ولا تختلف تجربتها السردية عن تجربتها الشعرية، ففي مجموعتها القصصية "جوقة الوقت" نكتشف كم هو قاس البحث عن ذات لم تلوث بعد بدنس الرياء والنميمة، ذات لم تفجعها الأقدار والحياة القذرة، وتخلق منها آلة تأخذ ولا تشبع، نكتشف إلى أي حد هو مفجع وبائس البحث عن إنسان لا تقلق أن يستغلك أو يفشي سرك، إنسان تفتح له نوافذ ذاتك، يفهم صمتك ويعي لغة عينيك، يحبك لأنك أنت، وثمة إيمان عميق أن لا شيء يتغير ما لم نستطع تغيير حيثيات صغيرة في حياتنا.

هذا المعنى سيلقانا في قصتها "مقايضة": "أقبل المساء، فنزعت يدي الثقيلتين من على كتفي المرهقتين ووضعتهما بجواري على طاولة هرمة، ثم غبت في ثغر نومي الآلي لعلني أجد بقاياي الأخرى".

"طلع الصباح، وظهر الطاولة عارِ بلا يدين.. ولا حتى رجلين، فصرخت في وجه الشرطي الكسلان:

"......؟!!!!"

ربما لأنه عجز عن مساعدتي في الحصول عليهما.

"عاد المساء.. وها هو السارق يلوح بيدي من شباك شاحب يدعوني إلى مقايضة غامقة اللون.!

- اذهب (وهما) إلى الجحيم!

- "......"

- لن أضعف على الرغم من احتياجي الماس إليهما، اذهب.. فقد خانتاني معك!

- "....."

- إذن فسأغيب في ثغر شباك آخر يعصمني من السرقة!

تقدم آمنة يوسف رؤيتها من خلال تكشيف إنسان اليوم الذي يقترب جداً من الآلة مثلما اقترب قديماً من الغابة، تصور واقعاً بشعاً أحست به، وعانت منه ، وهذا الواقع ليس أزليا وليس من الله، ولأنا نتوارثه فإنه لا يجدينا الهروب منه بفلسفة قدرية لا بد من المواجهة إذن.. حتى ولو ضحينا في سبيل الوصول إلى عالم آخر والمواجهة تستلزم قوة خارقة. وعند آمنة يوسف هذه القوة؛ ألم ترفض المقايضة المريبة؟ حين واجهت سارق وسيلتها.. ومعرقل مسيرتها..

"لا، اذهب و"هما" إلى الجحيم..!"

هناك أسباب موضوعية كما أسلفنا للارتياب في الآخر، بل لمقته وازدرائه إن أمكن، وما أسهل اكتشاف ذلك في أقاصيصها التي تحفل بعالم من الرموز والإسقاطات الدالة على هذا المنحى.

في قصة "ضفيرة" نجد الرجال "طيوراً جارحة"، "تعشق الكهوف المجوفة"، "أخشى أن تكون قد بنت أعشاشها في جمجمتي وانتهى الأمر".

وفي قصة "شخير" ثمة صراع بين (النور "الجرس، الشمعة، القمر)، والظلام "شخير صديقتها النائمة.."

آمنة تختار التعامل مع هذا النوع من الواقع باتخاذ موقف جريء وفاعل مزيج من موقف وجداني وأخلاقي.

وإذا كانت الكتابة الابداعية المتمثلة بالشعر والقصة تمثل متنفساً للذات فإن النقد الأدبي كان يكمل الشخصية العقلانية التي تعرف كيف تنطلق من المناهج والنظريات الحديثة. كان هذا أيضاً سر"انشغالها الطويل بالبحث عن أدبية الأدب، عما يجعل من نص نثري "مثلاً" قصة أو رواية ذات اشتراطات فنية وعناصر وتقنيات وجماليات؟ وكان عليها كباحثة متخصصة أن تفعل الكثير لتستكشف تلك التقنيات والجماليات."

من هنا نعلم: لماذا صارت كتب آمنة يوسف "مراجع مهمة وأساسية لكثير من الباحثين والمهتمين في اليمن وخارجه". يجدر بي الإستشهاد هنا بسعيد يقطين وهو يقول:

"تزاوج الباحثة آمنة يوسف بين النظرية والتطبيق، وتمارس التحليل الجزئي والكلي، وكما تشتغل بقضايا خاصة تشتغل بالعامة. وهذا الأسلوب يبين درجة امتلاكها لأدوات التحليل والرؤية المنهجية. وفي مقاربتها لموضوعاتها تزاوج بين الوصف والتفسير والتأويل بالانطلاق دائماً ممَّا يقدمه لها النص".. "بحيث لا تحمل النص ما لا يطيق من تأويلات جاهزة أو مسبقة، وهي تتدرج في التحليل من الخاص إلى العام، أو العام إلى الخاص.

ويبدو كل ذلك على مستوى لغتها العلمية، حيث نلمس دقة استعمال المصطلحات من عدم المغالاة في توظيفها والاقتصار على ما تستدعيه الضرورة المنهجية، ولا تخلو لغتها من مسحة جمالية تستمدها من نزوعها الشعري، لكنها لا تسقط في المبالغة التجميلية للعبارة. لذلك تظل لغتها علمية واضحة وشفافة بدون تقعر إنشائي أو اصطلاحي.

وأخيراً يكفي أن اسمها النقدي له مكانته في الدراسات النقدية العربية وليس اليمنية فقط."

أختم بهذا القول وأرفع القبعة تحية للحشيبرية في كل تجلياتها.

منقولة من ميدل ايست أونلاين 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً