السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الترجمة الشفوية وممارستها في المجال الدبلوماسي - أ.د. مسعود عمشوش
الساعة 14:51 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

أولا- الترجمة الشفوية
في هذا العصر، الذي تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة، بات من المستحيل أن نعيش بمعزل عن الثقافات والحضارات والأخرى، وأصبح الانفتاح على الآخر ضرورة حتمية. والترجمة هي الأداة اللازمة للتواصل اللغوي والثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب. لذا من البديهي أن تكتسب الترجمة اليوم أهمية بالغة في حياة مختلف الشعوب. 
 

ومثلما سَبَقَ التواصل اللغوي الشفوي التواصل بالكتابة سبقت الممارسة الشفوية للترجمة ظهور الترجمة التحريرية. ومع ازدياد حركة تنقل الأفراد والاجتماعات واللقاءات العملية والعلمية والدبلوماسية، والمفاوضات والمؤتمرات الدولية التي يشارك فيها أشخاص من لغات مختلفة، تضاعفت كذلك أهمية الترجمة الشفوية. 
 

وفي الحقيقة، غالبا ما يميل عامة الناس إلى الخلط بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية. وإذا كان هناك عدد من السمات المشتركة بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية، يوجد بينهما أيضا كثيرٌ من الفروقات التي علينا إدراكها والإلمام بها. ومن المعلوم أن اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية تمتلكان كلمتين مختلفتين لتسمية كل من الترجمة التحريرية والترجمة الشفهية. فمقابل الترجمة التحريرية لدينا في الإنجليزية: (translation)، وفي الفرنسية (traduction). ومقابل الترجمة الشفوية تستخدم اللغتان الفرنسية والإنجليزية كلمة (interpretation) مع اختلاف النطق.
 

وعمليا هناك فروقات عدة بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية. ففي الترجمة التحريرية، يقوم المترجم بنقل وثائق مكتوبة أو سمعية بصرية من لغتها الأصلية (لغة المصدر) إلى اللغة الهدف أو المترجم إليها، وذلك دون أن يستخدم لسانه ليترجم. أما في الترجمة الشفوية فالمترجم ينطلق من النص الذي يسمعه ويقومه بترجمته بلسانه في الآن نفسه.
 

والترجمة التحريرية (بعدية)، أي أنها لا تتزامن مع وقت إنتاج النص الأصل، بل تقع بعده، وهذا يعني أن المترجم التحريري (the translator)، لا يعاني من ضغط الزمن والمباشرة، بل لديه الوقت الكافي للاستعانة بالمعاجم والعودة إلى نصه وتصويب ما يمكن أن يقع فيه من أخطاء. أما الترجمة الشفوية فتتم في وقت إنتاج النص الأصلي نفسه، وليس لدى من يقوم بها (the interpreter) إمكانية تصويب الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها، أو الاستفادة من أي وسيلة مساعدة كالمعاجم وغيرها. لهذا يجب أن يكون المترجم الشفوي متقنا تماما للغة المصدر واللغة المترجم إليها، وكذلك وملماً بمكونات سياق التخاطب غير اللغوية بما فيها العناصر الثقافية والحضارية، كيلا يكون عرضة لأي خطأ أو سوء فهم، إذ ليس لديه أي فرصة للعودة إلى الخلف والتصويب. ويعد هذا المطلب أساسيا لاسيما في الترجمة القانونية والدبلوماسية، ففيهما تكون للأخطاء مترتبات بالغة الخطورة.
وإذا كان على ممارس الترجمة التحريرية أن يمتلك أسلوبا جميلا في الكتابة، فالمترجم الشفوي عليه أن يكون سريع البديهة وواضح النطق وقادرا على التعبير بطلاقة وتلقائية. ومن المؤكد أن ليس كل من لديه القدرة على أن يكون مترجما تحريريا جيدا يمكن أن يكون في الوقت نفسه مترجما شفويا. وفي اللغتين الفرنسية والإنجليزية يستخدمون (interpreter) مقابل (المترجم الشفوي) في اللغة العربية، وللمترجم التحريري يستخدم الإنجليز: (translator)، والفرنسيون: (traducteur). ويمكن أن نشير إلى أن هناك من يستخدم في اللغة العربية كلمة (ترجمان) للمترجم الشفوي، مثلما فعلت ريم الحجي في ترجمتها لكتاب رودريك جونز (ترجمة المؤتمرات، مبادؤها وأساليبها، ترجمة ريم الحجي)، وموراد دموكي في بحثه الموسوم بـ(الترجمة الشفوية: الأنواع والأساليب: الترجمة التتابعية نموذجا، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات- العدد 36، 2015، ص 328)
ولصعوبة الترجمة الشفوية عادة ما تركز مؤسسات تدريب المترجمين الفوريين على تدريب الطلبة على الترجمة باتجاه لغته الأم وليس العكس، إذ يُفضَّل أنْ ينقل المترجمون الشفويون، نطقا، الخطاب من لغتهم الأم إلى اللغة الهدف (الأجنبية)، وفي الواقع غالباً ما يضطر المترجم الشفوي إلى القيام بالترجمة في الاتجاهين، لاسيما عندما يقوم بالترجمة أثناء المقابلات والمفاوضات والمآدب. لهذا تفضل مؤسسات تأهيل المترجمين الشفويين قبول الطلبة الذين ينحدرون من والدين ينتميان إلى لغتين مختلفتين. 

 

 

وعند تدريب المترجمين الشفويين يتم التركيز على تحليل النص الشفوي بتلقائية وسرعة فائقة تتناسب مع الحيز الزماني المتاح والمحدود، وترتيب محتواه حسب الأهمية لتيسير نقله إلى اللغة الهدف في الحال. 
وفي إطار الترجمية الشفوية يتم التمييز بين الترجمة الشفهية الفورية أو المباشرة التي يتم فيها النقل المباشر والفوري للكلام المنطوق إلى لغة أخرى، وبين الترجمة الشفوية التتابعية التي يُعطى فيها زمنٌ محدود للمترجم ليأخذ مذكرات أو رؤوس أقلام مكتوبة لما قاله المتحدث قبل أن يشرع في نقله شفويا. ووهناك أشكال أخرى للترجمة الشفوية أهمها: الترجمة المنظورة، والترجمة الهمسية التي تستخدم كثيرا في المآدب في المحادثات الجماعية.
يتبع ثانيا- الترجمة الشفوية في المجال الدبلوماسي:......

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً