الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قصة قصيرة
الرجل الغامض ... - عبدالرقيب طاهر
الساعة 14:48 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



 

على مفترق الطرق ينصب خيمتهُ المهترئة ، الطريق المؤدي لليمين تصلك بمركز المدينة بينما الطريق المؤدي شمالاً طريق صحراوي قديم عادتاً ماتكون مرعى للجمال السائبة وبعض الشباب الطائشة التى ترتاد هذه الصحراء للاستمتاع بالبر وهدوئه .....

قال لي ذات مرة إسمه عباس ومرة أخرى قال إسمه صابر أطلقت عليه إسم (العم صابر) نتيجة لتحمله مثل هذا العمل في هذه الظروف الصعبة ....
كان رجل خمسيني يتحدث باللهجة الشامية أحياناً وأحياناً أخرى تبدُ لهجته عراقية بلكنة كردية ....

رجل طويل عريض المنكبين يضع على رأسه عصابة تشبه عمامة الأكراد لا يزيح من على عينيه نظارته الشمسية السوداء التي تبتلع نصف وجه ...

قال لي بأنه يعاني من مرض الرمد بسبب رمال الصحراء.

عند نهاية كل أسبوع أمر على طريقه لظروف عملي المتجول فأركن سيارتي الصغيرة بالقرب من خيمته وأنزل أقضي معه بعض الوقت أسلم عليه واشرب معه قهوته العربية التي كانت لها مذاق خاص و أتناول معه بعض تمرات مجففة ....

نشأت بيننا مايشبه الصداقة والألفة وأحسست برغبة مجالسته ربما لتشابه ضروفنا الغامضة أو لقساوة أعمالنا والجهد الذي نبذله ....

يسألني لماذا لا أعود من نفس الطريق قلت له بأني أستأنف الرحيل شمالاً ومن ثم أرجع من طريق مختصر الي مقر إقامتي ....

أمام خيمته أكوام من حُزم الحطب وأكياس الفحم المعروضة للبيع بالإضافة إلى عتماده على بيع أنواع من السجائر والتبغ كانت معضمها مهربة .....

كنت أرفق بحاله كيف لرجل بهذا العمر أن يتحمل عناء مثل هذا العمل الشاق في هذه الظروف الصعبة ..

يقضي اليالي الحالكة في هذه الصحراء وحيداً إلا من موقد للجمر و كيس من الفرو الخالص يقيه من لدغات الأفاعي والعقارب السامة و مذياع صغير بعض أحيان لا يعمل بسبب حالة الجو وتقلبلت الطقس ...

أحياناً تقف أمام خيمته بعض السيارات الفارهة لشراء بعض الفحم والسجائر بعضهم يناديه بالعم عباس والبعض بالعم صابر والبعض يكتفوا بماندته با ابو علي ....

كنت كلما حان موعد زيارتي الأسبوعية له أحمل معي بعض ألمأكولات والمشروبات الغازية والفواكة ...
أشاركه الطعام وأتجاذب معه أطراف الحديث ولم أسأم أحاديثه المتناقضة بين الحين والاخر ..

قال لي أنه خدم بالجيش العراقي إذبان الحرب مع إيران فاصيب بطلق ناري في بطنه ومن ثم مكث في غيبوبة ثلاثة اشهر حتى فاق وأحيل بعدها لتقاعد ...

مرة قال لي أنه كان صاحب مزرعة كبيرة فيها خيول وابقار في كردستان وأنه من مدمنين أفلام الكاب بوي...
وذات مرة قال لي انه من سوريا وله أولاد لكنهم بعد أن صنع لهم المستحيل تنكروا عليه وطردوه من البيت وخانته زوجته مع عشيقها الذي كان صديقه ورفيق كفاحه الطويل .....

سألني عن حياتي أجبته بأني أعمل مندوب مبيعات متنقل بين عدد من المدن الكبيرة لصالح شركة خاصة وأعول أربع خوات وأم ضريرة منذُ أن توفي والدي وانا لم اتجاوز الخامسة عشرة فلم أعد أتذكر ملامحه إلا من بعض صور قديمة كانت أمي تحتفظ بها منذ أيام السبعينات حين ذهبا للحج ...

سألني لماذا لم أتزوج رغم تقدمي بالعمر أجبت أنها الظروف التي جعلتني اتاخر بزواج وأنني اتقاضى راتب زهيد بالكاد يكفيني لاعول أمي وخواتي وانا وحيدهن .

كان يتعاطف مع كل كلمة أقولها وأحس بعض أحياناً أن شبه دمعة تقفز من محجريه فتنساب على خده برفق يرفع نضارته قليلاً ليمسح دموعه بطرف كُمه العريض ..

تعلقت به لدرجة أنني كنت أنتظر موعد زيارتي له بفارغ الصبر وأشتاق لحديثه ووناسته وتناقض أفكاره وبعض مغامرته التي كانت تشبه الخيال ....

وفي إحدى زيارتي له عقدت لساني الدهشة وتملكني الفزع حين رأيت المكان قد سوى بالأرض وليس لرجل ثمة أثر وكان الأرض أنشقت وبلعته ....

في نفس المكان قعدت على الرمال أحثها على راسي كا أخت فقدت أخوها في المعركة ....

كنت أصيح بملىء صوتي أين أنت يابو علي ؟
أين أنت ياعم عباس ؟ أين أنت ياعم صابر ...؟ أين ذهبت خيمتك وحطبك وكل شيء كان هنا .......

وقفت سيارة شرطة ونزل شرطي يلبس زي أمن الطرق ليرى ما أصابني ،، أخبرته عن القصة كاملةً قال لي عشرون عام أخدمُ في هذا الخط الخلاء لم أرى في هذا المكان خيمة أو رجل يبيع الحطب ..............................

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص