الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عقدُ الفلِّ وعلبةُ الشوكولاتة - أزال الصُّباري
الساعة 14:28 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

كما حدثتني… 
فكرتُ في هديةٍ تناسب حفلة تخرجها . حملتُ ( بوكيه) ورد ، استقليتُ سيارة أجرة ، وصلتُ القاعة ، سألت عنها ، وحين وجدتُ عينيها ، ملأتْ ضحكتُها غرفَ روحي المهجورة. 
استمعتُ لفقرات الحفل ، التي لا أتذكر شيئا منها سوى النشيد الوطني الذي لا تزال لعظمته تقف كل خلية من جسد بجانب أختها كجيش يؤدي ولاءه الوطني ، تستشعر هيبته ونشوته الوطنية حتى اللحظة المعجونة بالغربة .
التقطتُ برفقتها صورة تذكارية ، تركتُني على الكرسي وأرسلت عينيَّ وراءها وهي تلتقط صورا تذكارية مع عائلتها الصغيرة . عقدٌ وحيدٌ من الفل يطوف حول أعناقهم واحدا تلو الآخر ، هي وأمها وأختيها وأخيها…
كانت حريصةً أن يشتم عقد الفل رائحتهم جميعا ، وأن تحتفل به كل الصور رائحةً لن تأخذها الرياح .
نزعتْهُ من عنقها أكثر من مرة لأجل ذلك ، وفي كل مرة كان عقد الفل يتأنق ، وهو يشير إليَّ ، وكلما ابتسموا ازداد غروراً عليَّ… 
تذكرت حينها يوم تخرجي القريب ، وكيف تراكمتْ حول عنقي عقودُ الفل وتكدستْ ، فاختنقتْ حريتُها ، وفي أمكنة لا أتذكرها نسيت أمرها، فأدركت أن العقد الوحيد يريد معاتبتي نيابة عن رفاقه الذين دهسهم ازدحام الفخامة تلك. 
لأنسى أمر العقد ، اقتربتُ من والدتها التي جلستْ قريبةً مني ، تحتضن مجموعة هدايا لا تتجاوز عدد الورد في باقتي .
لا طفتها بتهنئتي ، واغرقتني بكلمات الشكر .… وعيناها المجهدتنا تصبان السعادة كؤوسا أسكرت الوقت. 
ـــ ابنتي سعيدة بهديتكِ الأنيقة ، لم تتوقع حضوركِ أيضا ، كنتِ الوحيدة التي لبتْ دعوتها… 
احتفظتُ بالرد وقبلتُ رأسها ، وعيناي منشغلتان عني بحديثهما مع عقد الفل .
نضهتْ والدتها مجدداً ، سقطتْ من يدها علبة شوكولاته، لم تنتبه .
رفعتُها ، وعياني تتبعانها ، يحمل خطواتها نوراً كدتُ ألمس موكبهُ بأنامل قلبي .

وضعت رتابتي على الكرسي ، ورحتُ التقط سعادتهم نبضاتٍ أحيي بها روحي القافرة .
عادتْ أمها…
هي لم تجلس لدقائق كثيرة ، فقط تحلق كفارشة تجني عطرها . 
ناولتها علبة الشكولاته ، ابتسمت ، شكرتني ...
ــ علبة الشوكلاته هذه ، حكايتها حكاية ، يابنتي ، شهور وابني الصغير ، كلما سمحت لي الدنيا ومنحته مائة ريال للمدرسة ، خبأها حتى اكتملت قيمة هذه العلبة التي أهداها أخته…....
بدمعة خفيفة ، سألتها عن قصص بقية الهدايا، وفيَّ روحٌ جديدةٌ ، تعيش حياة كل هدية بشغف لم تعشه الحياة .
ولأن آخر هدية أهديتها أختي لم يتجاوز عمرها مسافة الطريق بيني وبين المحل الذي باعها لي ، فلا حكاية أحكيها لها باعتبارها آخر هدية لا زلت أتذكرها ، فقط اكتفيت بتكرار عبارتيِّ 
: ــ مباركٌ عليها ، الله يسعدكم… 
وأخبئ دهشتي في جيوب روحي، وأناملي تكتشفُ أسرار الحياة من هدايا لم تحجبها ترف الزينة وزركشة الأشرطة .

في بوابة الخروج شاهدتُ خرجين وخرجيات يخففون عن أعناقهم بعض عقود الفل في سلة المهملات. ويخنقون بازدحامها ما تبقى ، ويجر الأطفال خلفهم أكياس الهدايا التي لاتعد .
وعقدها الوحيد يغادر القاعة أميراً يعانق أميرةً في يديها هدايا تخط الطريق بندى حكاياتها.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً