الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عقدُ الفلِّ وعلبةُ الشوكولاتة - أزال الصُّباري
الساعة 14:28 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

كما حدثتني… 
فكرتُ في هديةٍ تناسب حفلة تخرجها . حملتُ ( بوكيه) ورد ، استقليتُ سيارة أجرة ، وصلتُ القاعة ، سألت عنها ، وحين وجدتُ عينيها ، ملأتْ ضحكتُها غرفَ روحي المهجورة. 
استمعتُ لفقرات الحفل ، التي لا أتذكر شيئا منها سوى النشيد الوطني الذي لا تزال لعظمته تقف كل خلية من جسد بجانب أختها كجيش يؤدي ولاءه الوطني ، تستشعر هيبته ونشوته الوطنية حتى اللحظة المعجونة بالغربة .
التقطتُ برفقتها صورة تذكارية ، تركتُني على الكرسي وأرسلت عينيَّ وراءها وهي تلتقط صورا تذكارية مع عائلتها الصغيرة . عقدٌ وحيدٌ من الفل يطوف حول أعناقهم واحدا تلو الآخر ، هي وأمها وأختيها وأخيها…
كانت حريصةً أن يشتم عقد الفل رائحتهم جميعا ، وأن تحتفل به كل الصور رائحةً لن تأخذها الرياح .
نزعتْهُ من عنقها أكثر من مرة لأجل ذلك ، وفي كل مرة كان عقد الفل يتأنق ، وهو يشير إليَّ ، وكلما ابتسموا ازداد غروراً عليَّ… 
تذكرت حينها يوم تخرجي القريب ، وكيف تراكمتْ حول عنقي عقودُ الفل وتكدستْ ، فاختنقتْ حريتُها ، وفي أمكنة لا أتذكرها نسيت أمرها، فأدركت أن العقد الوحيد يريد معاتبتي نيابة عن رفاقه الذين دهسهم ازدحام الفخامة تلك. 
لأنسى أمر العقد ، اقتربتُ من والدتها التي جلستْ قريبةً مني ، تحتضن مجموعة هدايا لا تتجاوز عدد الورد في باقتي .
لا طفتها بتهنئتي ، واغرقتني بكلمات الشكر .… وعيناها المجهدتنا تصبان السعادة كؤوسا أسكرت الوقت. 
ـــ ابنتي سعيدة بهديتكِ الأنيقة ، لم تتوقع حضوركِ أيضا ، كنتِ الوحيدة التي لبتْ دعوتها… 
احتفظتُ بالرد وقبلتُ رأسها ، وعيناي منشغلتان عني بحديثهما مع عقد الفل .
نضهتْ والدتها مجدداً ، سقطتْ من يدها علبة شوكولاته، لم تنتبه .
رفعتُها ، وعياني تتبعانها ، يحمل خطواتها نوراً كدتُ ألمس موكبهُ بأنامل قلبي .

وضعت رتابتي على الكرسي ، ورحتُ التقط سعادتهم نبضاتٍ أحيي بها روحي القافرة .
عادتْ أمها…
هي لم تجلس لدقائق كثيرة ، فقط تحلق كفارشة تجني عطرها . 
ناولتها علبة الشكولاته ، ابتسمت ، شكرتني ...
ــ علبة الشوكلاته هذه ، حكايتها حكاية ، يابنتي ، شهور وابني الصغير ، كلما سمحت لي الدنيا ومنحته مائة ريال للمدرسة ، خبأها حتى اكتملت قيمة هذه العلبة التي أهداها أخته…....
بدمعة خفيفة ، سألتها عن قصص بقية الهدايا، وفيَّ روحٌ جديدةٌ ، تعيش حياة كل هدية بشغف لم تعشه الحياة .
ولأن آخر هدية أهديتها أختي لم يتجاوز عمرها مسافة الطريق بيني وبين المحل الذي باعها لي ، فلا حكاية أحكيها لها باعتبارها آخر هدية لا زلت أتذكرها ، فقط اكتفيت بتكرار عبارتيِّ 
: ــ مباركٌ عليها ، الله يسعدكم… 
وأخبئ دهشتي في جيوب روحي، وأناملي تكتشفُ أسرار الحياة من هدايا لم تحجبها ترف الزينة وزركشة الأشرطة .

في بوابة الخروج شاهدتُ خرجين وخرجيات يخففون عن أعناقهم بعض عقود الفل في سلة المهملات. ويخنقون بازدحامها ما تبقى ، ويجر الأطفال خلفهم أكياس الهدايا التي لاتعد .
وعقدها الوحيد يغادر القاعة أميراً يعانق أميرةً في يديها هدايا تخط الطريق بندى حكاياتها.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص