الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قصة قصيرة
مقارنة - آزال الصُّباري
الساعة 14:35 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

لم يكن عمرها يساوي تلك القوة التي شتتها بين أوراقٍ تلتهمُ نظراتها كلما تأكدت أنها وصلت للنهاية.

استنزفت تلك الصورة ، الوقت، الأوراق، الجهد، وعلبٌ ألوانٍ كثيرةٍ خشبيةٍ ومائية وزيتية و الكثير من صبر أمٍّ يختبئ تحت عباءة صمتٍ وخوف وبعض الأمل.
ذلك الأمل التي تأتزر به سطور كل الحكايات اليائسة والبائسة .

ضاقت غرفة سلمى بأوراقٍ وألوانٍ متضاربة، عدا عدة المدرسة التي حافظت على ترتيبها مدةً مميتة لم تقترب منها…، ولم تستدع أي وقت لها.

فالوقت لايُشبع تنقلها بين الرسم والمسح ويتوه أكثر بين ضياع الألوان التي تسيح بين الأوراق كلما انتهت من انتزاع الصورة من مخيلتها ووضعتها على الورق.

لم يثن عزمها عن رسمتها توبيخ المعلمات وملاحظة المربية! بل أضافت لإهمال الوظائف شروداً يختطف ساعات الدرس… ويختطفها .
شرود المحب الشغوف والمفارق الحائر والخائف؛ هذا ماتفصح به عيناها وأناملها المرتجفة بين الأوراق .
استدعتها المديرة :

– “سلمى لماذا كل هذا الضياع بعد ذلك التفوق ؟!.سلمى ماذا استجد؟”

اكتفت سلمى بنظرات توحي خجلٍ وخاطر في نفسها:

“سأهتم بمستقبلي وأترك تلك اللوحة…..”

في الغرفة ؛ تذكرت تأنيباً طرياً..، تناولت الحقيبة بدأت بأول اهمالاتها، نبشت….

لم تكمله؛ فثمةَ نزاعٌ يتقاسمها ويربك أركان غرفةٍ ضاقت بها : “دروسي أهم، لالا…رسمتي الأهم، لا بل دروسي أهم من تلك الرسمة”… .

استدعت دفترها من بين أكوام الورق، قلَّبت صفحاته…فتقلب معها خيالٌ لصورةٍ تشرح صدرها وخاطرها وتعذبها كلما حاولت صبها على الورق.

عاود النزاع يضجُّ بتفكيرها بين ماتريده هي ومايُراد منها، يقطعهُ دخول أمها :
“سلمى طفح الكيل يابنيتي هذه الرسوم ليست أهم من…..

“أي مستقبلٍ يا أمي، يستحيل المستقبل ولم تكتمل رسمتي..”

اقتربت الأمُّ ، لملمت بعض الأوراق، تحننت بيأس : “سلمى اختاري واحدة من هذه الأوراق التي رسمتها واكتفي بها..”

أجهش صوت سلمى: “أمي تحققي جيداً، ألا ترين هذه الورق أنها تلتهم كلما رسمت – ويرتفع وجعها – فكلما انتهيت من تلوين رسمتي ساحت الألوان وتلاشى قلبي.
غادرت الأم الغرفة تلوك الحزن وتختنق بالخوف.

تُغلق سلمى غرفتها، يُنهكها الدوار ، يُفتت رأسها الوجع ، تختنق بخوفها، تقترب من النافذة الوحيدة..، تُلقي للسماء مصراعيها، ترتشف نفساً عميقاً، وتُرسلُ نظراً بعييييداً، وتمعن فيه…….
تهللت تباشير وجهها، اتسعت عيناها، اسرفت بالدموع ، حينما رأت تلك الصورة التي تستحوذ خيالها تتوسط اتساع السماء، وتضيق في حدود النافذة..
مدت أناملها ، نحو السماء ، لم تفلح في التقاطها ، ضاعت سلمى بين صورة بعيدة وغرفة تكدست بأوراق تلطخت بالسواد.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص