السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
التجنيس بين الرواية والقصة.. التباس وتجاور- محمد الغربي عمران
الساعة 17:20 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 


"ثورة عاشق". رواية صادرة حديثاً عن دار فكرة في القاهرة. وقد وصفت على الغلاف بـ قصة.. ليثار بالضرورة موضوع التجنيس في ظل تداخل الأجناس الأدبية.. قد يلتبس الأمر على القارئ العادي.. لكنه عند الكاتب والناقد واضح وجلي. وبصفتي كاتب أعتبر ذلك مدخل لمناقشة الفروق بين القصة والرواية.. فالقصة القصيرة تشير من تسميتها بالقصة والقصيرة . والرواية عرفت بطولها.. ومن المعروف أن بداية النشأة الأولى لم يكن ثمة تمييز بينهما.. فكليهما قصة وإن كانت تضاف قصيرة وطويلة بعد ذلك.. إلا أن تطور الأنماط وتشظيها أفرز فصلاً بين الرواية والقصة القصيرة.. وق ق ج والشذرة ...الخ. والجميع فنون سردية وافدة.. إلا أنها في الوقت نفسه ضاربة حكائياً بجذورها في تراثنا العربي.
 

وما يهمنا هنا ذكر مايميز القصة القصيرة عن الرواية.. فالقصة القصيرة نص من عدة صفحات.. والرواية تأتي في عشرات الصفحات، والنوفيلا بين الرواية والقصة القصيرة في الطول.. وهذا ما تلقاه الأدباء والنقاد من منظرين أوربيين.. وأستقر الأمر على ذلك إلى يومنا. والفروق بين الرواية والقصة القصيرة ليست في الطول والقصر.. بل يتجاوزها إلى خصائص أخرى منها.. تعدد الشخصيات في الرواية.. وتعدد التيمات.. إضافة إلى قدرة الرواية على استيعاب أكثر من نص قصصي في بنيتها.. كما تستفيد كثيراً من الفنون الأخرى.. الرواية ملحمية في تناولها.. بثراء الأمكنة والأزمنة وتعدد الأحداث...الخ
 

ولا يسعني المزيد فالقارئ يعرف بقية الفروق. وما يهمنا هنا تناول رواية "ثورة عاشق" 80 صفحة.. حفلت بمجموعة من الملامح.. منها الصور السردية.. مثل "أشعة الضوء التي ظل ينطقها نشوان ويطلقها في وجه القمر" ويمكن للقارئ تأمل الجملة وقد نطق نشوان ضوء. وصورة سردية أخرى "أحبَ وتعلق بكل لوائح الشرف ودساتير العصافير المغردة في سماء الهواء والمحلقة فوق سحب الحب الَّا محدودة" ومثل تلك الصور السردية الكثير.
 

ملمح آخر تمثل بالحب كقيمة انسانية.. وما يحمله "نشوان" من حب سمته العداء والفداء لمحبوبته "فردوس". ولا أعني بحب الشهوة.. فالحب الشهوي بين الذكر والأنثى لا يمثل من الحب إلى نسبة مما قدمته الرواية.. وما أعني هنا حب للوطن المتمثل في فردوس.
 

بداية من العنوان الرئيسي "ثورة عاشق" الدال على رغبة المحب لفداء حبيبته وإنقاذها من قبضة الطاغية المستبد.. وذلك أسمى درجات الحب. مرورا بالإهداء المعبر عن تقدير من سكبوا دمائهم وعصروا عرقهم في سبيل عزة الوطن.. ونهاية بما تحمله جمل النص من القيم الإنسانية السامية.
الملمح الثالث اللغة وجزالتها.. وقد ظهر ذلك من خلال الوصف الذي المسيطر على مساحات النص.. مقابل انحسار الحدث وتماهي تناميه.. وإن كانت اللغة في هذا العمل قد قدمت صوراً باذخة تحمل القارئ على التحليق لعناق رؤى جديدة. وفي ذلك كان الوصف طاغ بين الحدث وتطوره وتقديم الشخصيات والأمكنة بصوة أكثر تشويق.

 

الملمح الرابع الرمز.. وهو ما طغى على العمل منذ أسطره الأولى.. تلك الرمزية التي تداخلت مع قيم الحب.. لتنسج حبكات مدهشة.. جسد فيها نشوان ضمير البسطاء وإرادة قوى الخير لإنقاذ الوطن المرموز له بـ فردوس "ذات يوم قرر نشوان قراراً جريئاً.. مفاده أن يحرر معشوقته فردوس من أكناف سجن الطاغية ولو كلفه أن يقدم روحه في سبيل حريته روحه ونسمته ". وما يرمز به بـفردوس إنما الوطن.. وفي كلمات أخرى يشير السارد إلى أن الوطن كله أصبح سجنا كبيرا.. وليس ذلك الحصن الذي تُسجن فيه حبيبته "غير أنه كان يدرك تماماً أن سجنه الكبير الذي يترنح فيه أضيق بكثير من زنزانة توأمه المسكينة المغرم بها" وكذلك يدخل الكاتب مشاعر فردوس "كانت تشعر بقربة منها لوثاقة العلاقة التي جمعت بينهما يوما والتي كانت اشبه بعلاقة الأرض بالسماء" التي ترمز إلى الوطن بما يحمله من معاني الخير.. وبالمقابل هناك شخصية "غضبان" رمز التسلط وممثلاً للتجبر والبطش والاستغلال "فثقافة العبودية والرق هي الصدى الراجع منذ زمن في المنطقة وهي الحليب الذي رضعوه مع حليب امهاتهم فنمت منها جلودهم وعظامهم " وفيما بينهما تأتي عدة رموز مثل: صديق الطفولة وحارس قصر الطاغية .. وقد رمز بها لقوى الخير التي يحركها الضمير "إن الملأ يأتمرون بك فأخرج إني لك من الناصحين"، هذا النص على لسان يحيى وهو ينذر صديقه.. ككائن يقف في المنتصف بين الشر والخير.. ثم عوام الشعب من أكتفوا بالأماني الطيبة لنشوان.. في الوقت الذي وقفوا موقف المتفرج.. وكذلك أصحاب المصالح.. من كانوا يتمنون له الفشل والنهاية المحزنة.. في هذا العمل برزت الرمزية لتتظافر مع العديد من أنساق الحكاية .. ولتخط وتتظافر في أكثر من تيمة.
 

والقارئ اللبيب يعي أن الرمزية يستخدمها الكاتب داعيا له أن يعمل عقله لاستبطان النص وقراءة ما بين السطور.. وما لجوء الكاتب للإيحاء تارة والترميز تارة أخرى إلا لإيصال ما يود قوله.. وفي هذا تتعدد قراءة العمل الواحد من قارئ إلى آخر.. حسب ثقافة كل قارئ.
وما يعيشه اليمن من ظروف قاهرة أتت على مظاهر الحياة بالقهر والإذلال والتجويع وسلب مقومات الحياة.. ناهيك عن حريته وكرامته.. صورت لنا هذه الرواية ما لا نستطيع قوله.. برمز فردوس المختطفة من قوى الشر.. لتسلب كرامتها.. بطغيان وبطش غير مسبوق في تاريخها.. ولم تكتفِ تلك القوى بذلك بل زرعت الشقاق بين فئات المجتمع بالدعوات السلالية والمذهبية.. مدعين لأنفسهم ورثة لنبوة النبي.. وبلي عنق آيات بينات يدَّعون بأنها تعني بأن الله فضل جنس بشري دون آخر للهيمنة على خلقه من المؤمنين به. باثَّين ادعاءاتهم بالتقى بينما أعمالهم تدل بأنهم أبعد عن الله ورسوله الكريم.. وأن غاياتهم هي استعباد الناس والتسلط على دمائهم وقوتهم وكل مقومات حياتهم. فارضين ما يدعون بالحديد والنار.. وهو ما قدمته الرواية.

 

الرواية تحمل أكثر من ملمح.. وذلك ما يستحق التناول من قبل الكتاب متذوقي العمل السردي.. فالعمل به الكثير مما يدعو الناقد المتعمق لتناوله.. تلك الجمل الفارقة التي تحمل القارئ إلى خيالات أفق الفنتازيا الرائعة.
سؤالي أيضا أوجهه لمن يقرؤون مثل هذه الأعمال لماذا لا تكتبون حول ما تقرأونه؟ فكثيرة هي الإبداعات التي تستحق الإحتفاء بها.. وأنا على يقن أن لكم أراء تتبرعم أثناء القراءة وكذلك تساؤلات.. أرجو أن تخطونها.

 

وحين نشير إلى فروقات سردية مختلفة.. أو إلى بعض التقريرية والفضفضة.. أو غياب بعض الخصائص الحكائية.. لا يعني بأنا نملك الحقيقة.. أو لدينا ميزان يفرق بين الجيد ونقيضه. أعني أن ما نطرحه مجرد قراءات.. يعتمد الكاتب فيها على تجاربه في ما ينقد.. وأخص بما أطرحه.. هي مجرد أراء على المتلقي أن يدعها جانبا.. وأن يكتشف بنفسه أفاق الرواية ومساحات الروعة فيه.. ولا يدع آرائنا تفسد عليه قراءته.. وأن يكتشفها دون دليل.. وعلى الكاتب أن لا تثبطه ما نتقول به وأن يضعها جانبا.. وبالذات ما أطرحه أنا عليه أن يضعها في سلة المهملات ويمضي قدما في انجاز عمله الجديد.. بمعزل عن نعيقنا.
 

قد تكون هذه إضاءة لما طرحته حول أعمال سردية سابقة.. أو ما أطرحه اليوم وما سأطرحه مستقبلا من قراءاتي لنصوص سردية قادمة.
وعذري أني عاشق الأدب وبالذات السرد روائيا وقصصياً وكل ما يتصل به. وأن نخطه مجرد قراءات ليس إلا.. لنص أراه رائع ويستحق كاتبه التصفيق الحار.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً