السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قراءة انطباعية ( سيميائية النص وعمق الموضوعية ) لرواية مجدلية الياسمين - فاروق مريش
الساعة 14:05 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم صل على صاحب المقام النبوي المحمدي ، والشرف الدائم السرمدي ، محمد مبلغ رسالاتك ، وأمينك على وحيك وأمانتك ، وعلى صاحب المقام العلوي ، والنبأ العظيم العلي.
أما بعد فقد جئت إلى النادي وقد كان أول من تعرفت عليه ياسمينة الجبل وزيزفون الوادي ، حمل وديع وليس بضاري إنه المبدع ثابت القوطاري .
مقدمتي هي ذاتها مقدمة المخطوط الذي خطه جد ثابت في الرواية ..

جمعتني به علاقة حميمية منذ أول يوم وحتى اليوم وكأني أتخاطر معه في اللا مكان وهو يروي أهم محطات عمره بأسلوب السارد الذات كمذكرات يرويها لحبيبته التي غادرته وحفرت في عقله الواعي واللاواعي حكاية وطن ووجع مواطن يتعذب كأسطورة سيزيف والصخرة التي أجاد توظيف هذه القصة الرمزية المستوحاة من الأدب الإغريقي .
وإذا كان معظم من يقدمون إنطباعاتهم حول أي عمل فني يبدأون بالإيجاب فأنا سأبدأ بالإشارة لبعض الهفوات التي وقع فيها الأستاذ ثابت بقصد أو بدون قصد وهي مجرد وجهة نظر لا تقلل من روعة هذا العمل الإبداعي على أية حال .

 

إن عملاً بهذا الجمال وهذه الروح الفلسفية العالية أتعجب لها كيف تتقبل خروج هذا المنتج بهذا الغلاف المهترئ من وجهة نظري ، فليس هناك أي علاقة بتاتاً بين الصورة والعنوان ولا يوجد أي رابط تماماً أو وسيلة تسويق وتشويق من خلال الغلاف للقارئ .. فنحن جميعاً ندرك أن الغلاف هو أول عتبات النص وهو بمثابة الخطام الذي نقود به القارئ نحو العمل وإن لم تكن هذه الرواية للعزيز ثابت فإنني من خلال الغلاف فقط ربما سأترك الرواية ، فلا المجدلية تجلت ولا الياسمينة ظهرت حتى نوع الوردة لم يكن موفقاً في اختيارها .
 

المقدمة المعنونة في البدء أظنها كشفت الكثير من تفاصيل الحبكة وأزالت جزءاً من التشويق وأعتقد لا داعي لوجودها كونها غير مبرر لها .
كذلك يا صديقي لو لاحظت أن رسالتك التي بدأت بها الرواية موجها حديثك إلى الحبيبة التي سكنت وجدك ووجدانك قد أسهبت طويلاً في مقدمتها فاستمريت فيها لأكثر من ٨ صفحات و٩٥ سطر وما يقارب الألف كلمة حتى وكأن الزمن توقف وتلاشى مفهوم السرد فيها إلى أن بدأت في قصة الجد .
ومن الهفوات كذلك أظنها لكونه أول عمل وتحتاج هذه النقطة إلى مراس مستمر وهي أنك فقدت زمام السيطرة على الفكرة في بعض المحطات فبينما كنت تحدثنا عن تجربتك التربوية فجأة وجدناك تختزل مدرستك في لؤي وحده وكأن البقية كومبارس رغم روعة الوصف والموصوف والعاطفة الجياشة التي ظهرت هنا .

 

وبينما كنت تحدث محبوبتك طيلة الرواية وأنت تسرد لها تفاصيل ومراحل حياتك وجدتك قد نسيت وأصبحت تحدث جدك مباشرة بضمير المتكلم أنت وليس بضمير الغائب هو ونسيت أنك تحدثها هي تلك البعيدة .
 

كذلك ورغم جمال الحبكة وربطها بالمخطوط الذي ورثته عن جدك وتجزئتك لعبارات المخطوط بحيث تشد وتشوق القارئ إلا أنك تناسيت أن عقل القارئ لا يتقبل أنك تظل تقرأ هذا المخطوط الصغير بكلماته طيلة هذه الشهور أو ربما السنين .
 

لا أخفيك كذلك بعض الأخطاء الاملائية المتكررة خصوصاً بعد أداة الجزم لم ، معظمها غير مجزومة بالسكون ولا بحذف حرف العلة .

هكذا كانت نظارتي السوداء تقرأ نصك لكني حين استبدلتها بالبيضاء رأيت الجنة كما رأيتها أنت في اسطنبول .
جنة الأدب الممتلئة بالحكمة والثقافة والنظرة الفلسفية العميقة للحياة وللوطن وللإنسان وللأنثى ..
فرائحة الياسمين التي شممتها من حروفك أسهرتني ليلتين ، ذكرتني بياسمين الشام ورائحة الفل الطاهرة التي فاحت عند توبة مريم المجدلية .. وكأنك تريد الوصول بنا أن الخطيئة حين تخوضها الروح والمشاعر دون الأجساد يكون لها رائحة الياسمين .

 

عنوان يعبر عن جذورك المحافظة وتربيتك التي امتزجت بالدين والدنيا والسماء والأرض والتاريخ والحاضر والحب والحزن والحياة والموت وكل هذه المتناقضات وغيرها كانت تعبر عن فلسفتك ومفهومك الذي تخطه كمذكرات للحياة .. وعبرت فيها في عدة مواطن بأنك تعشق الحياة من أجل هذه المتناقضات ، فلولا الكره ما عرفنا قيمة الحب ولولا الظلام لما أدركنا أهمية النور ولولا الممات لما عرفنا روعة الحياة والأحياء ولولا الخطيئة لما فهمنا معنى الفضيلة .
 

ثابت أو ياسين في هذه الرواية يستخدم لغة سرد ولغة كاتب ممتهن لهذه الصنعة فيها من البساطة ما يعجزك عن الفهم ومن الجزالة ما يعطي للكلمة أبعاداً مختلفة .. وهكذا شأن الحكماء .. ولا أبالغ أني قرأت بداخل دهاليز هذه الرواية حكيماً وفيلسوفاً وعاشقاً ومجنوناً وربما طفلاً يعيش بقالب رجل وعقل عجوز وقلب مراهق .
 

ثابت القوطاري تجاوزت نفسك وأنت تصف صنعاء وتصف معشوقة الجامعة وتصف قريتك جارة القمر وتصف نفسك وجدك وفصل لؤي ..
كثيرة هي أوصافك التي أدهشتني وجعلتني أشاهد أفلاماً قصيرة وليس مجرد قراءة نصوص وحروف .. أذهلتني أحياناً وربما أذهبتني وأذبتني وألهبتني في أفلام أخرى .
ولذلك أنت كاتب متمكن لأنك أمسكت بتلابيبي عنوة وأخذتني لحيث تريد .. ولذلك كان الوصف هو العنوان الأبرز لقلمك .. والفلسفة هي الخط العريض لفكرك المضمن لمحتوى هذه الرواية .

 

لغتك كانت شاعرية أحياناً وفيها من المجازات والاستعارات والتشبيهات بشكل مكثف ربما وخصوصاً في الجزء الأول والجزء الأخير ، اسقاطات الشعر كانت موفقة وعبرت عن عشقك اللامحدود واعتزازك الكبير بهذه اللغة التي طوعتها في خدمة الأدب وقلة الأدب .
 

هذه الابتسامة يا صديقي والروح المرحة التي تصاحبك في الواقع صاحبتك مرتين في الرواية بشكل بارز وواضح كانت الأولى وأنت تصف ولادتك ونافياً لكلام جدك قائلاً في صفحة ٣٢:
( أما ولادتي فكانت متعسرة وحين خرجت صرخت صراخاً حاداً وبكيت كثيراً ، غسلتني عمتي في وعاء بلاستيكي ، من مياه البرك المملوءة بالطحالب الخضراء والديدان ، والطفيليات ، وفي أحسن الأحوال كان يتم تنظيفي بمياه الأمطار المتجمعة على سطح البيت القديم الممزوجة بالأتربة وذبل الطيور والفئران ، وقشور بيض السحالي والأفاعي ...) 
والآخر في صفحة ٣٨ وأنت تصف اسطنبول .

 

وهذه ميزة ليس من السهل اكتسابها فالذي يضحك على المسرح أو الكتاب يستطيع بسهولة أن يُبكي المتلقي أو القارئ .. وأنت قد أشعلت ابتسامة وأوقدت دموعاً وحركت بركاً راكدة بأحجارك وثيماتك التي تساقطت .
لن أسهب في الوصف واللغة والإيقاع لأترك الحديث للبقية لكني مضطر أن أعرج على الموضوع العميق الذي تسللت فيه لذات القارئ على مدار فصول الرواية ، الوطن والحب كانا هما السمة البارزة في سلطة قلمك التي وجهتها للقارئ .

 

هناك ثيمات ومواضيع تخللت في سياق النص مثلت في مجموعها مجموعة المبادئ والقيم التي تعيشها وتعيش من أجلها .
أنت تحدثت عن الانتماء بغزارة الانتماء للمحبوب وللأسرة وللقرية وللصديق .
تحدثت عن الوفاء كذلك للمعشوق وللتلميذ لؤي وللمربي المتمثل بالدكتور سعيد الذي ظننته عمي والدكتورة ابتسام المتوكل في شخصية وفاء وللقدوة المتجسد بجدك رحمه الله .

 

تتحدث عن شظف المعيشة بقناعة ، وعن جنون القراءة بنهم ، استطعت ببراعة أن تشكل نفسك بوعي بينما كنت تكبر بغير وعي .. وهذا الاستشفاف لأسبار الأيام وأسرار الأعوام يشبه ملخصك لعمرك المنصرم ويجسد وثيقة وقعتها مع ياسين ثابت بأن هذا الدرب المتراكم يستحق أن يتخلد لجيل قادم لم يعرف قمة حراز وجارة القمر المطلة على كل قمم اليمن ، لم يعرف الحطيب موطن الداعي ورائحة العود التي تجسد دلالة حضارية ودينية في آن واحد .
 

ثيماتك كثيرة ورسائلك الضمنية متعددة لكنها ليست متشعبة وقدرتك في المزج بينها جارفة كنهر منساب يجر كل شيء معه لمصب واحد .
تراوح حياتك وتخط مذكراتك بين طفلٍ رحل فجأة ، ومعلم يستلهم النور من رسالته وعاشق يتسعد لمغادرة خطيئة المجدلية وعجوز غادرك ولم يرحل بعد لكنه ترك ياسمين تفوح بهيئة ياسين وليس كما أراده ضياء .
ياسين هو ثابت وثابت هو مجدلية الياسمين .
وهكذا يتأخر الإيجاب لأن العقل يبني على آخر تجربة .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً