الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قصة قصيرة
بابا نويل - فاروق مريش
الساعة 14:42 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

 


هاهي أجراس الكنيسةُ تدق في مسامعي لأول مرة ، وثلوجهم تتساقط بكل نعومةٍ وخفة على رؤوسنا بغير ما تفعله أمطارنا الغزيرة وثلجنا الحجري ، كانت تمسك بيدي بحب وتقودني بحنان وابتسامتها تدعوني للجلوس بجوارها بين تلك الكراسي الخشبية السميكة المنظمة والمزدحمة بالكبار من الجنسين ، لا زالت ترانيمهم الحزينة وكبيرهم الماسك للسيف بتصوري الطفولي ، عالقون في ملف خالد من سجل ذاكرتي .
سألتها ماذا تصنعون !
فمسحت رأسي الصغير وأشارت إلي سأجيبك لاحقاً ..
وقع ذلك في مدينة ( كاسل ) الواقعة في حدود ألمانيا الغربية ، عندما كنت أبلغ السادسة .. خرجنا من الكنيسة بعد مرور وقت ليس بالقصير قضيناه بالجلوس والوقوف وترديد الأهازيج التي تشبه نشيدهم الوطني .
كانت معلمتي عند وعدها فبمجرد عودتنا لقاعة الصف نادتني للجلوس بجوار طاولتها وكأنها همست في أذني بلغتها التي لم أكن أفهمها بعد .. ( هذا عيد ميلاد الرب ) ، عدت للمنزل وأخبرت والدي الذي كان يُحَضِّر لدراسة الماجستير في استضافتهم ، وأجابني بأسلوبه البسيط عن طقوسهم وأشبع كثير من فضولي ، وعن بابا نويل وهداياه - ينادونه الألمان نيكولاوس - وأخبرني أن الكنيسة في دينهم مثل المسجد في ديننا ، وبطفولة قلت له : ( ولكنهم لا يتزاحمون في الباب عند الخروج ) .
حينها أتذكر أنه ضحك بقهر ثم صمت بعمق .
عدنا إلى اليمن وعمري في الثامنة ومن يومها وأنا أبحث عن بابا نويل في بلادي ، واتسائل من يفرح الصغار هنا ؟؟ 
وأخيراً وجدته ذات مره بنفس المواصفات في شارع هائل ، كبير في السن .. ذو لحية بيضاء كثيفة وبيده شوالة ، وقفت في صرح الجامع أنتظره وهو قادمٌ باتجاهي ، ابتسم لي وأنا أنظر إليه بإعجاب ، أدخل يده تحت ثوبه .. فظننت بفرح أنه سيخرج الهدية ، وإذا بي أُفجع بالأمل العجوز يخلع سرواله الداخلي - الواقف من سرَكِه - ليضعه في باب المكان المقدس .

٢٤/١٢/٢٠١٤

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص