الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
إليــك جســـدي ـ ياسمين الآنسي
الساعة 20:34 (الرأي برس ـ خاص ـ أدب وثقافة)

قصة قصيرة                                                                 

وكأن رأسي بالون ضخم، لا صوت سوى طنين الأجهزة، و لا رائحة غير سوائل التعقيم، لساني معقود بلا حراك... !! ربما جفاف اللعاب حجره، الظلام حالك يغشى حجرة العناية الفائقة، هل فقدت بصري أم أنه التابوت...؟! 

 أتذكر اللحظات الأخيرة في غرفة العمليات و قد أنشغل فريق من الأطباء بتجهيز جسد آخر،  فريق ثان حول جسدي الممدد، اقترب طبيب التخدر يغرز حقنة التخدير، سمعته يحدث مساعده : 

- نجاح هذه العملية سيحدث ثورة طبية.

مساعده وهو منهمك فوق جسدي:

- بالتأكيد ستخلق عزة يتحدث عنها التاريخ. 

لم يكن اهتمام الأطباء من أجلي بل لإحداث سبق طبي...!! لا أدري كم حقنة حقنت بها وكم أنبوب وصل بي، خليتا نحل لا أسمع إلا همسا، فريق يعنيه رأسي وآخر يعنيه جسد آخر ممدد على طاولة جواري، بدأت الأضواء و الأصوات تختفي شيئاً فشيئا، و كأني أسمع الرأس الآخر بعد فصله يخاطبني (إليك جسدي أيها الرأس... فحافظ عليه).

أيام و سأكون الآمر الناهي و ما على الجسد الجديد سوى تنفيذ أوامري.. فليذهب جسدي المعطوب إلى تابوته.. أخيرا سأنهض و أقف على قدمي.

أتذكر بأن كلمات الطبيب "سيرجو كانافيرو" قبل إجراء العملية هي التي حفزتني لخوض هذه المغامرة (حظوظ نجاح العملية تصل إلى 90 في المئة، سيشاركني فيها الجراح الشهير "شياو بينغ" و فريق متخصص) .

حدثت نفسي وأنا أسمعه: أخيراً سيصبح لرأسي جسداً آخر معافاً متحرر من هذا المقعد اللعين، كنت اتابع علامات السعادة و الثقة في كل جزء من ملامح الدكتور كانافيرو و هو يتحدث حول نجاح العملية (أخيراً توصلنا بعد ثلاثين عاماً من الأبحاث إلى تقنية تسمح  بنقل رأس إلى جسد آخر بوصل النخاع الشوكي برأس المتطوع و جسم المتبرع) .

كنت أحدث نفسي وأنا أسمعه: أول ما سأفعله بعد نجاح العملية سأركض في الحدائق و الطرقات كالمجنون، لكن ما سمعته من الدكتور "إبراهيم عبيد" في الاجتماع أقلقني (لو زرع رأس في جسم آخر و تم وصل العظام بنجاح فإنه من الصعب وصل الأوعية الدموية التي داخل العظام و دون وصل لن يعود الدماغ للحياة) .

أأرضى بما أنا عليه جسداً ساكناً لا يمكنه سوى إمداد رأسي بالغذاء؟ 

لحظتها لاحظ الطبيب كانافيرو على وجهي القلق، حينها فتح شاشة العرض يشرح لي و للأطباء تفاصيل العملية: فريقا جراحة سيعملان في نفس الوقت، الأول يضع رأس المتطوع في درجة حرارة منخفضة للحفاظ على خلايا الدماغ حية و الثاني يجهز جسم المتبرع الميت سريرياً، بعدها سيتم قطع النخاع الشوكي من الهيئتين بشفرة النانو الماسي -كما ترون- و نقل رأس المتطوع إلى جسم المتبرع و وصل النخاع الشوكي بسرعة فائقة من  1 : 2  دقيقة بعدها يقوم الأطباء بإصلاح باقي الأنسجة . 

شردت أتساءل: ماذا لو لم يجدوا لي متبرع سوى امرأة، كيف سأكون رأس رجل وجسد امرأة ؟! و ماذا لو لم يعثروا للآخر متطوع إلا امرأة، كيف سيصبح جسد الرجل برأس امرأة ؟! مجرد تخيل هذا الأمر مضحك بل محرج لكنه سيكون عجائبي... !! هل ستتوافق الأفكار والأحاسيس و سيكملا بعضيهما ؟ أم سيخلق صراع ؟ أخرجني من شرودي ارتفاع صوت الدكتور عبيد فجأة : (لو افترضنا نجاح عملية الزرع فإنه من المؤكد أن النظام المناعي لهذا الجسم سيتغلب على هذا العضو و سيلفظه) . 

عاد القلق إلي، ماذا لو رفضني الجسم ؟؟ لازال الخيار أمامي، أأتراجع كمن سبقني أم أجازف ؟ أتوقع لو جلبوا لي جسد امرأة سيقبلني و سيدعمني بكل ما يملك عبر دمائها و ربما تنازلت لي بنبضها، ندرك مدى العشق بين المرأة و الرجل... لكن لو كانت متمردة لفضلت الموت و التحلل على أن تكون برأس رجل، لن ألومها و إن كنت مختلفاً عنهم، ماذا لو استبدل رأس رجل تالف برأس امرأة هل سيخضع لأوامره أم سيفضل رأس الكلب... ؟!

عاد الطبيب كانافيرو لحديثه ليتماها قلقي وهو يردد: لابد أن يبقى المتطوع في العناية المركزة طويلاً بعد نجاح العملية ليخضع لحصص العلاج الطبيعي حتى يتمكن من الحركة شيئاً فشيئا، و سيتم تطعيمه بلقاحات مضادة للرفض. 

من حسن حظي أن الذي سيتبرع بجسده لي رجل مفتول العضلات  لأعجب من  أحببتها... 

تلاشى انتفاخ رأسي... الطنين... رائحة مطهرات الجراح... الظلام...

أين أنا ؟ هل أنا أنا أم هو؟ أي هوية أحمل ؟ كم مضى على غيبوبتي...؟

هل انتقلت إلى العالم الآخر... أم نجحت عملية النقل؟

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً