في اليمن يستحوذ القات على كافة مظاهر الحياة.. ومنها الجانب الأدبي.. فالمنتديات الأدبية التي تُنظمْ في مجالس القات عديدة.. ويسمى بـ"المقيل الأدبي" وهو يماثل الصالونات الأدبية في الأقطار العربية من حيث مواضيع النقاش وتنظيمه دورياً. فالمقيل الأدبي مجلس قاتٍ.. حيث يقتعد الرواد متجاورين متكئين على مساند جدران الديوان.. يمضغون ويناقشون. وتلك اللقاءات شبيهة بـ "القلطة" في مجالس بقية أقطار الجزيرة العربية من حيث الشكل.. وأوقاتها عادة ما تكون عصراً حتى غروب الشمس وبعضها تستمر إلى ما يشاء منظموها من الليل. إلا أن اختلافها عن القلطة بأنها تقام دورياً.. ومحددة نقاط النقاش مسبقا نقاط .. وإن شابة القلطة مجالس القات الأخرى وهي مجالس تتم يوميا لقاءات اجتماعية. والمقايل الأدبية شبيهة بمقايل جلسات القات العادية.. إلا أنه عادة ما يكون لها يوم في الأسبوع.. ويعد لها برنامج متفق عليه ليدور النقاش حوله.
 

من أشهر "المقايل الأدبية" في صنعاء لقاء الأربعاء الذي كانت بدايته في ثمانينات القرن الماضي.. في ملحق بمركز الدراسات والبحوث اليمنية.. الذي كان يشرف عليه الأستاذ دكتور عبد العزيز المقالح.. وكان يحضره أدباء مميزون وبعض مدرسي الجامعات. كما يحضره من يزور صنعاء من الأدباء العرب والأجانب.. إلا أن حملةً تكفيريةً طالت المقالح على خلفية نشر قصيدته الشهيرة ( صار الله رمادا
صمتا
رعبا في كف الجلادين
حقلا ينبت سبحات وعمائم بين الرب الأغنية الثروة والرب القادم من هوليود
كان الله قديماً حبا
كان سحابة
كان نهاراً في الليل
أغنية تغسل بالأمطار الخضراء تجاعيد الأرض ). حتى بلغت أوجها عام 2004 ليُقفل مقيل الأربعاء خوفا على حياة المقالح.. كون ذلك المقيل كان يستقبل الجميع.. ويستبدله المقالح بمقيل أدبي في منزله.. سمي بمقيل الثلاثاء.. وهو مستمر إلى يومنا هذا يستقبل الأدباء.. وفيه تدار نقاشات في الفن والأدب.. كما يستقبل المقالح ضيوفه من داخل وخارج اليمن.. ويلقي الأدباء الشباب بنصوصهم المتنوعة. 
 

وفي صنعاء عدد من المقايل الأدبية المتماثلة نذكر أبرزها: 
"منتدى الجاوي".. وهو مقيل أدبي.. أسسه محبي الشاعر الكبير عمر الجاوي بعد وفاته عام 1997وأستمر بوتيرة منتظمة.. ويعد ملتقى للأدباء اليساريين.. كون الشاعر الجاوي كان رئيساً لحزب التجمع الوحدوي.. وهو حزب يساري. كما كان أمين عام أتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
"منتدى أم كلثوم" مقيل أدبي يمزج في أنشطته بين الفن والأدب.. تواضع مرتادوه على سماع بعض أغاني أم كلثوم.. ثم يدار نقاشات أدبية بعد ذلك إلى نهاية الوقت. ودير هذا المقيل الأدبي الأستاذ. مصطفى الرِّفاعي 
 

مقيل "غمضان الكهالي" وهو مقيل يتبع انتظامه مقيل المقالح.. ومرتادوه نفس شخصيات منتدى المقالح .. ويحضره صفوة منتقاه ولفيف من الأدباء. وكذلك مقيل د "عبدالله المجاهد" ومقيل الشاعر "محمد عبد السلام منصور" وتلك المتديات تتوزع أيام الأسبوع تباعاً وبشكل منتظم.
مقيل "السبت" في مؤسسة الابداع الذي كانت بدايته عام 1995، ويحضره جمع كبير من الأدباء، وخاصة الشباب منهم، حيث يجدون في هذه المنتديات متنفساً لهم، في ظل افتقادهم لمنابر التعريف بنتاجهم. ولا تختلف في طريقة إدارته عن مجلس المقالح، غير أن منتدى الإبداع يتسع أيضا للإنشاد والغناء. 
 

منتدى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، الذي بدأه في عام 2003 وكان له يوم الاثنين من كل أسبوع، وإن أختلف عن بقية المنتديات بعدم مناقشة الجوانب الفنية ..أو الأدبية .. مقتصرا على السياسية. وقد عرف رواده بالتيار السياسي الإسلامي.. وهذا المنتدى أغلق بعد سنوات قليلة من تأسيسه لوفاة مؤسسه.
 

وهناك عشرات المقايل الأدبية في صنعاء يلتقي الأدباء ومحبي الأدب والفن بصورة دورية يمضغون فيها القات ويتدارسون الأدب.
غير أن ما يؤخذ على تلك المقايل الأدبية تغييب المرأة.. في مجالس تَعَوَد الحضور الجلوس على الأرض متجاورين وقد انهمكوا بمضغ القات تارة والنقاش تارة أخرى.. وإن حضرت فباستحياء وذلك من الندرة بمكان. بالمقابل نجد من النِسوة من أسسن منتديات خاصة بالنساء.. وقد بدأت ذلك الشاعرة نبيلة الزبير بمقيل أدبي أسبوعي أسمته "لقى". يماثل المقايل الأدبية الذكورية من حيث الجلوس متجاورات وتناول القات.. وكان يقام دوريا في منزل الزبير التي تقول عنه " الملتقى الثقافي النسوي لقى.. تأسس 1998 واستمر لخمس سنوات يضيء بيتي بآفاق ثقافية نسائية من مختلف بلاد الدنيا.. وقد اعتبر أول ملتقى ثقافي نسوي في اليمن.. وهو حاليا يواصل الألق بصيغ مختلفة (بمحاور مفتوحة وبيوت أكثر)". 
 

وكذلك تأسس منتدى "شهزاد" بعد توقف "لقى" وهو أيضا منتدى يهتم بالأدب النسوي.. تديره الدكتورة منى المحاقري مدرسة للأدب العربي في جامعة صنعاء. والمهمومة بوضع المرأة وما تنتجه من أدب وفن.. ولذلك تنوعت أنشطة منتدى شهرزاد بين مجالس أدبية نسوية تقليدية وندوات في قاعات صباحية بعيدا عن القات.
 

القسم الثاني: منتديات كثيرة تمردت عن هيمنة القات وجلساته.. لها مقراتها وإداراتها.. تنفذ برامجها في قاعات يقتعد روادها حول الطاولات.. وتنفذ ندواتها بشكل دوري, مثل منتدى الثلاثاء في مؤسسة العفيف الثقافية الذي تأسست عام 1989 واستمرت بشكل منتظم حتى وفاة المؤسس الأستاذ أحمد جابر عفيف في عام 2010.. بعدها أُهملت أنشطة المؤسسة.. وتعطلت برامجها ليتوقف منتدى الثلاثاء.. الذي كان يعد من أهم المنتديات الأدبية في صنعاء .
 

منتدى نادي القصة "إلـ مقه" ويرمز "إلـ مقه" إلى اله القمر معبود السبئيين.. ويتكون من مفردتين إل بمعنى اله في اللغة اليمنية القديمة.. و مقه بمعنى القمر.. ويقال بأن إلـ مقه هو أصل لتسميه مكة.. حين كانت مركز ديني متعدد قبل الإسلام.
والـ مقه منتدى نادي القصة الذي أستمر منذ تأسيسه عام1990 كل يوم الأربعاء من كل أسبوع في تقديم برامجه.. وأستمر حتى اليوم رغم ظروف الحرب.. حيث يحتفي بالإصدارات الجديدة على قلتها.. كما ينظم للأدباء الشباب ورش في فن السرد.. ويستضيف نقاد للحديث حول المدارس النقدية ومناهجها.. ويقيم حفلات تكريم لأبرز رواد السرد والمبرزين بين فينة وأخرى.. وينفذ فعاليات القاء للأصوات الواعدة.. كما أن النادي أقام مهرجانات سنوية للسرد "مهرجان صنعاء" نظم على مدار خمس سنوات متتالية.. إلا أنه توقف منذ عام 2011 نتيجة للحرب.. وشحة امكانيات النادي.. والذي كان يدعى إليه أبرز كتاب وكاتبات القصة والرواية ونقادها في اليمن.. كما أستضاف كوكبة من الأدباء العرب. 
 

وفي سياق حديثنا عن المنتديات الأدبية كان في صنعاء صالون في منزل السفير المصري.. وخصص له يوم في الأسبوع.. لا يتناول فيه القات.. حيث كان موعده مساءً.. يدعى إليه نخبة من الأدباء.. تدور النقاشات فيه حول الأدب والفن.. ومنتدى آخر في منزل الملحق الثقافي للسفارة السعودي بصنعاء يديره د علي الصميلي..و هو مقيل أدبي شبيه بمجالس القات.. أستمر لأكثر من سنوات حتى اندلاع الحرب.. يدور النقاش حول محور محدد في الأدب والفن.
 

ومجالس القات عادة يمنية منتشرة بشكل واسع.. وكما ذكرنا منها القلة التي تحولت إلى منتديات أدبية.. يلتقي فيها محبي الأدب وبشكل دوري.. أما بقية المجالس وهي الأكثر فتصطبغ بالصبغة الشعبية الاجتماعية .. حيث تقام يوميا ويناقش الحضور قضايا سياسية واجتماعية دون ترتيب مسبق.. لقاءات للتنفيس عن هموم الحياة ومتاعبها.. ليُفرغ المكان مع حلول الليل.. وقد تعود الجمع على الالتقاء عصر كل يوم .. يتجاوز بعض الحضور المائة شخص في المجلس الواحد وفي الغالب بين الخمسين والعشرين شخص.. تكون مادة القات حاضرة.. عادة مع رشفات ماء بارد أو مشروبات غزية.
 

ومثلما لصنعاء منتدياتها.. للمدن اليمنية الأخرى عشرات الملتقيات الأدبية.. ففي عدن منتدى باهيصمي.. وفي ذمار منتدى "رفقة كتاب الأسبوعي" الذي يديره الأستاذ ثابت المرامي... وكذلك ومقيل "الحراسي" الأسبوعي.. ومقيل دكتور الورافي كل سبت. وفي الحديدة "مقيل الدهني الثقافي" الأسبوعي و"نادي القراءة" الذي يديره دكتور محمد شميري... اضافة إلى منتديات تنظمها الأحزاب في مقراتها وتتصف بـ "مقايل الفكر السياسي" ومعظم تلك الملتقيات يرتادها أدباء اليسار.. فنجد فيها القات حاضراً.. وتزداد وتيرتها مع اقتراب الدورات الانتخابية.

منقولة من مجلة الجسرة ...