السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
في لقاء قبل وفاته… الناقد اليمني هشام علي: عندما أكتب عن الشأن المحلي أهرب إلى الموتى - أحمد الأغبري
الساعة 16:12 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

برحيل الكاتب والناقد هشام علي بن علي خسر اليمن واحداً من أهم نقاده ومفكريه الذين أثَرْوا المكتبة اليمنية بعددٍ وافرٍ من المؤلفات التي تعَاملت بجدية مع قضايا النهضة والتغيير وغيرها من القضايا التي ما زالت مثار جدل.

عمل هشام علي بن علي وكيلاً لوزارة الثقافة لأكثر من خمس وعشرين سنة، مارس خلالها عمله بحيادية لم يلتزم فيها موقف أي تيار من التيارات السياسية التي تناوبت على الوزارة، بل ظل معروفاً بدماثة خُلقه ومواقفه الوطنية… لم يتغير ولم يتبدل حتى خلال المحطات الصعبة في حياة المجتمع، بما فيها الفترة التي حُرم فيها موظفو الدولة من استلام مرتباتهم؛ إذ بقي هشام مُلتزماً قيافته وعلاقاته وأخلاقه ومواقفه، على الرغم من التغير الكبير الذي طرأ على الحياة من حوله؛ ولعله ظل يُكابد ذلك في نفسه إلى أن غلبته قسوة الواقع؛ ليغادر فجأة، بدون سابق انذار، في مساء 10 ديسمبر/كانون الأول، عقب وقت قصير من إعلان وفاة الفنان اليمني أبو بكر سالم بلفقيه.
رحل هشام، وهو ما زال يسكن مع عائلته في بيت بالإيجار في صنعاء، التي قَدَم إليها مع مَن قَدموا من عدن عقب إعادة تحقيق الوحدة عام 1990. وعمل فيها عضواً في مجلس النواب، ومن ثم وكيلاً لوزارة الثقافة؛ ما يؤكد مدى نزاهة الرجل في علاقته بالوظيفة العامة؛ وهذه الصفة يشهد بها كل مَن عرفه بمن فيهم موظفو وموظفات الوزارة الذين قالوا في بيان نعيهم له إن وزارة الثقافة خسرت برحيل هذا الرجل (الأب الروحي) حد تعبير البيان.

 

أصدر خلال حياته عدداً من الكتب منها: «الثقافة في مجتمع متغيّر» 1984، «فكر المغايرة» 1990، «الخطاب الروائي اليمني» 1994، «السرد والتاريخ في كتابات زيد دمّاج» 2002. «عبدالله محيرز وثلاثية عدن» 2002، «المثقفون اليمنيُّون والنهضة»2003، «مجازات القراءة» 2004، «أدوارد سعيد وتفكيك الثقافة الإمبريالية» 2013 وغيرها من الكتب بما فيها كُتب ما زالت مخطوطة.
 

ولد في حي الشيخ عثمان في مدينة عدن عام 1957. حصل على بكالوريوس في العلوم في جامعة بغداد، ثم التحق بدورات في طرق التدريس في جامعة بريستول في بريطانيا، جامعة روما، جامعة بافيا إيطاليا. عمل مدرسًا في جامعة عدن إلى سنة 1987، ثم عُيّن وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام في ما كان يعرف بالشطر الجنوبي من اليمن، إلى سنة 1990، وبعد تحقيق الوحدة بين شطري اليمن في عام 1990 عُيّن وكيلاً لوزارة الثقافة والسياحة وعضوًا في مجلس النواب حتى 1993، ومن ثم عيّن وكيلاً لوزارة الثقافة حتى وفاته. وكناقد أجرينا مع الراحل مقابلة ننشرها في «القدس العربي»؛ لنقرأ كيف كان يفكر وينظر للواقع من حوله، كما نقرأ رؤيته لمشكلة اليمن قبل الحرب الراهنة:

 

■ هل يستطيع المفكر والمثقف، وهو يشغل وظيفة من وظائف الإدارة الثقافية، أن يوائم بين التزاماته للمجتمع ومتطلبات الوظيفة؟
□ الموضوع يتناول مسألة مهمة؛ وهي مسألة لا تتعلق بالوظيفة الإدارية للمثقف وإنما تتعلق بمهمة المثقف ودوره؛ وفي رأيي أن المثقف الذي يؤمن بدوره الحقيقي كمثقف لا يلتزم حدود الوظيفة العامة، وإن كانت للوظيفة متطلبات وشروط، ربما تؤثر على الأداء الفكري للمثقف؛ لأنها تأخذ من وقته وجهده الكثير، لكن الدور الذي ينبغي أن يقوم به المثقف في المجتمع ينبغي إلا يتأثر بالوظيفة؛ لأن الوظيفة قد تكون إحدى الوسائل لعزوف المثقف عن الحياة العامة، وبالتالي إذا استسلم لهذا الشرط فإنه يخرج عن مهمته الأساسية كمثقف وعن دوره في المجتمع.

 

إسكات المثقف

■ لكن غالباً لا يتم منح المثقف والمفكر، في مجتمعاتنا، من وظائف الإدارة الثقافية أو غيرها، إلا الوظائف التي يكون فيها مجرد أداة من أدوات السياسي؛ فيكون حينها بمنأى عن ممارسة دوره في المجتمع؟ 
□ اسمح لي أن أقول إنه في السابق وتحديداً قبل عقدين وأكثر كانت الوسائل لإسكات المثقف هي السجون والمعتقلات والملاحقة والمحاصرة بأدوات كثيرة، لكن الآن تغيرت الأحوال بتأثير العولمة والديمقراطية وحرية الرأي والانفتاح العالمي؛ فأصبح شراء صمت المثقف بالوظيفة العامة، وهي واحدة من الوسائل… لكن تبقى المسألة هي لدى المثقف نفسه بين الاستسلام لهذا الإغراء وهذه الغواية غواية السلطة، والمحافظة على بريق وجذوة المثقف في داخله.

■ وأين أنت في هذه المعادلة؟
□ اترك هذه المسألة للقارئ، لكنني أحاول أن أكون مخلصاً لدوري ومهمتي كمثقف، حتى عملي في وزارة الثقافة انطلق من هذا المبدأ. لاحظ أن المثقفين ربما لا يميلون أو لا يصلحون للعمل في الإدارة الثقافية؛ لأن الإدارة الثقافية هي تخصص آخر يحتاج لمهارة خاصة. وأنا أضرب مثلاً بمحمود أمين العالم؛ فالعمل في إدارة الثقافة والصحافة أخذ الكثير من إمكاناته كمثقف، وربما لو أنه تفرّغ للعمل الثقافي لكان أكثر عظمة مما كان، وهو كان عظيماً بالفعل، لكنه كان سيصير أكثر عطاء مما كان؛ لأن هذا العمل يأخذ من الوقت الكثير، فالإدارة الثقافية هي جزء من دور المثقف ومهمته في المجتمع، وعليه أن يتنازل عن أشياء خاصة به من أجل العموم، وأنا لا أدّعي أنّي أقوم بهذا الدور الذي قام به محمود أمين العالم أو غيره من المثقفين الكِبار الذين عملوا في الإدارة الثقافية، لكنني أحاول أن أحافظ على شيء من هذا القبس.

■في كتاباتك النقدية نجدك تكتب بعيداً عن الشأن المحلي، وفي حال كتبت عن اليمن فتكتب عن تجارب غادر أصحابها دنيانا…لماذا؟ 
□ ربما أن هذا الكلام صحيح في شأن القراءات المحلية وهذا مرده إلى حساسيتنا كأدباء ومثقفين في هذا البلد؛ لأن كل كتابة لدينا عن ديوان ما أو مجموعة قصصية، إما أن تقع في ورطة المجاملة، أو في الصراع. ليس لدينا مناخ نقدي حقيقي يسمح للكاتب أن يكتب بنَفَسْ نقدي واقعي وبمنهجية، فإما أن يسقط في فخ (التربيت على الأكتاف) أو في الصراع، وهذا لا أحبذه، وربما أنك تجدني أحياناً عندما أكتب عن الشأن المحلي أهرب إلى الموتى، أو أكتبُ عن الذين تجاوزا السن الذي تبرز فيه الرغبة في المدح أو الخوف من الفتح.

■ قد يعتبر البعض ذلك استسلاماً وخوفاً من المواجهة؟
□ ربما هو خوف لكن بالنسبة لي؛ فإن هذا الموقع وهذه الوظيفة (يقصد وظيفة وكيل وزارة الثقافة) تبعدني عن هذا؛ لأنه، أحياناً، يتم الربط بين موقفي كناقد وموقف الوزارة، فمثلاً قد يُعتَقد أن مَن أكتب عنه قد لا يُنشَر له في الوزارة، وهذا ما يجنبني الكتابة في هذا المجال.

■ كيف تقيم تجربتك في الوزارة خلال أكثر من 25 سنة من حيث علاقتك بالوزارة وبقطاع الثقافة والمثقفين؟
□ ربما قد لا يجوز لي أن أقيِّم نفسي، لكني استطيع أن أقول إنني حققتُ جزءاً مما يجب أن يتم تحقيقه، ومن ذلك التأكيد على ما ورد في الدستور اليمني وقانون الصحافة، في ما يتعلق بمناخ الحرية، وبإمكان المراجع للمكتبات والأسواق اليمنية أن يلمس ذلك، حيث سيرى أن اليمن أنموذجية في المحيط العربي في ما يتعلق بحرية الكتاب وحرية الرأي في ما يخص الثقافة. (أُجريت المقابلة قبل الحرب الراهنة في اليمن).

■ هل تحاسب نفسك عما حققته لقطاع الثقافة من خلال موقعك كل هذه المدة؟ 
□ طبعا أحاسب نفسي وأشعر بقصور؛ وهو قصور جزء منه ذاتي، لكن جزءا منه عام ويعود إلى قصور الاهتمام بالثقافة في البلاد؛ فالثقافة في اليمن في أدنى سلم أولويات خطة التنمية في البلاد، وهذا مؤسف حقاً.. وكنتُ تقدمت برأيِ لوزارة التخطيط في الخطة الخمسية السابقة، عندما بدأوا في تحديد عدد من القطاعات الواعدة، وكان من بينها السياحة فقلت لهم، حينها، إن الثقافة أولى باعتبارها قطاعاً تنموياً واعداً، ونحن نعرف ما صار يحققه ما يعرف بـ»اقتصاد المعرفة» و»المعلوماتية»، التي باتت من المجالات الجديدة الأسرع نمواً في الاقتصاد العالمي، لكنهم لم يوافقوا وأبقوا الثقافة خارج القائمة.

اليمن مشكلة ثقافية أولاً

■ لِمَ لا يكون السبب في رفض ذلك يعود لوزارة الثقافة نفسها التي لم تبرهن على ذلك وحصرت نفسها في إحياء المناسبات الوطنية؟ 
□ ممكن.. لكن هناك مناخا عاما، وهناك أولويات وضعتها الحكومة، ونبهنا في وقتها لخطورة تحديد الأولويات في ما عُرف بالأولويات الخمس؛ وهي الخبز والماء والكهرباء والصحة والتعليم، بينما كان يُفترض أن يكون على رأس هذا القائمة الثقافة؛ لأنها هي التي ستعرفنا وترتقي بوعينا في كيف نوفر ونأكل الخبز، وكيف نستخدم الماء والكهرباء؛ فالمسالة ثقافية بالدرجة الأولى، ولذا تبقى المشكلة اليمنية، حتى اليوم، هي مشكلة ثقافية أولاً…لكن عندما تُذكر أمامنا المشاكل الاقتصادية الكبرى نستسلم في وزارة الثقافة وهذا، ربما، هو عيب وزارة الثقافة، وهو أنها ليست وزارة صدامية. وأذكر كلمة قالها لي مخرج فرنسي، وهي أن الثقافة لا تعرف التنازل، وهذه مسألة لا نقوم بها. نحن دائما ـ للآسف ـ نتنازل، وحين نتنازل تتوالى التنازلات.

■ ولِمَ تتنازلون دائماً؟
□ لأننا نجد أنفسنا أمام ظرف عام؛ فأنت عندما تناقش ميزانية تُفاجأ أن هناك أولويات وهناك سقوف لاستخدام المال العام ليس من بينها سقف للثقافة.

■ ألا تتوفر لديكم وسائل ضغط تعزز من موقفكم، أمام هذه الأولويات؟ 
□ لا؛ مع الأسف! وكما قال طه حسين «الثقافة مستطيعة بغيرها وليست مستطيعة بنفسها»، أي أنها مثل الأعمى؛ وللأسف هذا الواقع مستمر منذ قيام الثورة (يقصد ثورة 26 سبتمبر/أيلول ضد حكم الائمة في شمال اليمن 1962) وحتى اليوم. 
التيار الديني السلفي

■ في الأخير؛ من المسؤول عن استمرار النظرة القاصرة للحكومة تجاه أهمية دور وزارة الثقافة وإبقائها خارج خطط التنمية؟ 
□ اعتقد أن هذا الموضوع يحتاج لنقاش عام. ومن وجهة نظري؛ فإن المسؤولية هي مسؤولية وزارة الثقافة بالدرجة الأولى في عدم قدرتها على محاربة هذا التيار العام ومواجهته، وهناك أسباب كثيرة، ولاحظ أن هناك مناخ عام ساد المنطقة العربية وليس اليمن فقط، ويتمثل هذا المناخ في التيار الديني السلفي، الذي أطاح مراكز ثقافية كبرى ليس في اليمن فقط، بل في دول كثيرة منها مصر ولبنان، ونحن تأثرنا أشد التأثر بهذا المناخ. كانت لدينا فرق للفنون الشعبية يصل عدد الفتيات فيها إلى أربعين فتاة، بينما اليوم لا توجد فِرِق…في السابق كان يوجد لدينا أكثر من خمسين دار سينما بينما اليوم لا يوجد دار سينما واحدة…والمسؤول عن هذا المناخ هو تيار سياسي وديني كبير وقوي أثّر في اليمن على السياسة والاقتصاد والثقافة. نحن بحاجة إلى نظرة نقدية جريئة وقوية تجاه هذا التيار؛ فهذا واحد من الأسباب الرئيسة وأحد البدايات الحقيقية للمواجهة.

منقول من القدس العربي...

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً