السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أقصى الخيال - هيثم حسين
الساعة 14:11 (الرأي برس - أدب وثقافة)


في هذه العوالم الخيالية التي صورها أدباء وأبدعها علماء يكون السؤال: أين يتموضع مستقبل الفنون والآداب وهل بإمكان أي روبوت أن يعكس ما يعترك في أعماق الإنسان.
 

يحتلّ الذكاء الاصطناعيّ مساحات أكبر في العالم يوماً بعد يوم، وهناك تنبّؤات عن إمكانيّة اضطلاعه بكثير من العمليات الإنسانيّة التي تحتاج دقة وتمريناً وخبرة وممارسة في السنوات القليلة القادمة، وقد تحمل هذه التنبّؤات في جانب منها الأمل بمستقبل مشرق تؤدّي فيه الأجهزة المصمّمة كثيراً من الأعمال التي من شأنها إراحة الإنسان وتحقيق رفاهيته المنشودة، لكن في جانب آخر تحضر تحذيرات من سيادة الذكاء الاصطناعيّ وتحوّله إلى غول ينهش الإنسان نفسه.

هناك الكثير من الأفلام والروايات الخياليّة التي صوّرت عالم الخيال العلميّ، وفضاءاته اللامحدودة، وانطلقت في لعبة التخييل لدرجة الانتصار تارة للأجهزة المصنوعة بأشكال وهياكل بشريّة تكاد تكون نموذجية، وتارة أخرى التحذير من قدرتها على تطوير نفسها بطريقة ذاتيّة بحيث تغدو أقوى من صانعها، وأكثر مهارة وأقدر على قيادته من بني جنسه أنفسهم. وهنا هل يمكن التخوّف من أن يتحوّل الذكاء الاصطناعيّ إلى فرانكشتاين المستقبل المرعب الذي سيتمرّد على مصمّميه ويبدأ بالتحكّم بهم؟ أم أنّه لا يعدو أداة من أدوات التقدّم نحو مستقبل بشريّ يبدو محفوفاً بالإشكالات والعتمات معاً؟

يمكن للروبوتات أن تؤدّي مهمات دقيقة جدّاً، كما يمكنها القيام بالكثير من الأعمال التي يعجز عنها البشر في الأحوال العادية، وقد يسدّ روبوت واحد محلّ أكثر من عامل، وذلك من دون أن يعرف أي طريق إلى أيّ مشاعر قد تصيب العامل من ملل أو كسل أو تأفّف أو إهمال أو تشتّت. الآلة تكون وفيّة لعملها ما لم تصب بعطب يوقفها عن العمل، أو عطل يهدّد سلامتها.

يعتمد أداء الروبوت على البيانات المدخلة إليه وبرمجته وتصميمه ومرونته، وذلك بالاعتماد على قدرات مصمّميه وتخيلهم لدوره المنوط به، ولا يخلو الأمر من إرضاء للغرور البشريّ بالقدرة على الخلق والقيادة والتحكّم، لكنّه يحمل في ذاته بذور شرور على البشريّة نفسها حين يخرج الذكاء الاصطناعيّ من إطار البرمجة إلى ميدان القيادة مندفعاً بآليات تهيّئ لترقيته ومعادلات تساهم في تعزيز قدرته على التفكير خارج قيود البيانات المدخلة وخارج إطار البرمجة التي تمّ تصميمه بموجبها.

لا حدود للعلم، ولا حدود لخيال الإنسان، لكن ألا يحتمل التقدّم التكنولوجيّ في بعض زواياه المخبوءة خطراً قد يهدّد الإنسانيّة نفسها، ولا سيما حين يكون مندفعاً في سباق يبدو تنافسيّاً نحو تشكيل جيوش من الروبوتات التي لو صحّت فرضيّات، خياليّة بدورها، عن قدرتها على القيادة الذاتية والتمرّد على مبتكريها، لشكّلت عالمها، ووضعت قوانينها بمعزل عمّا صُمّمت من أجله.

في هذه العوالم الخيالية التي صوّرها أدباء وأبدعها علماء يكون السؤال: أين يتموضع مستقبل الفنون والآداب؟ هل بإمكان أيّ روبوت مهما بلغ من الذكاء المبرمج عليه أن يعكس ما يعترك في أعماق الإنسان، أم أنّ هذه العتمات هي الوحيدة التي من شأنها إنقاذ الإنسان من جنون بني جنسه وشرورهم؟

يبدو أنّ المستقبل يحمل نذر صراع بين تأليل الإنسان وأنسنة الآلة، وما يلوح بأنّه قد يكون من المساهمين في الإنقاذ هو الخيال والفن والأدب، لذا تبقى أعماق الإنسان ملاذات وقارات يستحيل الزعم بكشف جميع ألغازها وخباياها وزواياها، ولعلّ هذا ما يبقي الأمل متجدّداً بقدرة الإنسان على الابتكار دوماً.


كاتب سوري

منقولة من صحيفة العرب ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً