الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
خذلان - أحمد مصلح الأسعدي
الساعة 15:46 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

تتضايق من كل شيء، تكتئب، وترمي كل غيظك في وجه هذا العالم الغبي الذي لم يرتب الطريق أمامك. رغم أنك تعرف أن مصدر كل هذا العذاب هو جزء صغير منك، جزء لعين بإمكانه أن يحول حياتك في أي لحظة إلى جحيم. وكأن وظيفته أن يستخرج أسوأ اللحظات التي عشتها في ماضيك البغيض، ويرميها في وجه حاضرك مبعثراً بقايا ابتسامة تحاول جاهدا لملمتها.
دعنا نری أي ذكری قذرة انبعثت الآن. 
كان يوما ماطرا، أنت تعشق المطر لكنك تكره أن يبلل ثيابك. 
ترهق نوافذك بانتظار تباشيره، وعند مقدمه تغلقها في وجهه 
بإحكام. ليس في الأمر تناقض بطبيعة الحال. ليس المطر وحده من يحدث ذلك معه، نحن نشتهي أشياء كثيرة نتلف أعمارنا في طلبها والبحث عنها، لكننا لا نريد أن نعيش لحظات ما بعد البلل تلك!
كان يوما ماطرا ولم تبتل فيه ثيابك بل شرفك المزعوم! لا تزال تشعر بمرارة تلك اللحظات - وحماقتك - في حلقك الآن، ومن داخلك ينخرك الوجع والضمير الذي وإن غاب حينها، الا أنه يعود لاحقا . كنت تشاهد فيلما علی قناة فضائية مستلقيا علی ظهرك ومسندا رأسك على وسادة من القطن. تشاهد بانسجام عندما حدثت الضجة!هرعت إلى مصدر الصراخ والجلبة ونظرت من النافذة، حينها تجمد الدم في عروقك عندما عرفت أن الأمر يخصك. تحرش بها، هذا ما حدث!  مستغلا  غياب الناس في الشارع . لم تشاهد ذلك هل مد يده إلى جسدها ، أم أنه قال لها كالما فاحشا؟هذا أقصي ما يمكن أن يحدث لكنه كلفك سنوات طويلة من الشعور بالخزي ووجع الضمير. ما تشهده عيناك وذاكرتك هو منظر أهل الحي وهم يجرونه ً بعيدا ويضربونه، بعد أن أطلقت هي صرخة بددت السحاب الملبد في السماء، ولم تبدد جاهلية القبيلة داخلك. أختك بنت أمك وأبيك، في لحظة قهر تخلی عنها كل شيء،. وبدلا من أن يقف أخوها إلى جوارها وقف متأفف .  لم يمر أسبوع الا ونسي الناس كل شيء عداه. استمر يجلدها  بسياط القبيلة والأعراف والتقاليد. 
ألم تجد ما تهدئ به روعها سوی شعورك بالخزي؟ ألم يكن  الأجدر بك أن تضمها إليك وتطمئنها، تخبرها أنك سندها وجدارها الأخير الذي تستند عليه. لماذا حبستها ولم تطق رؤيتها؟ كنت تتشدق في الاجتماعات بقيم التحديث الأخلاق والتجديد، وعندما مررت بأدنى اختبار. اكتشفت أن داخلك مومياء تنتمي إلى  أقصى زوايا التاريخ. 
أتعرف شيئا؟ هو أمر وحدث، ومن الطبيعي أن تشعر بنوع من 
الانكسار كونك ابن لمجتمعك بتركته الثقيلة عليك. ولكن أين ذهب قلبك عندما كنت تسمع نشيجها خلف الباب، كانت بحاجة إلى صدرحنون، كلمة تعاطف، وضمة حانية تخبرها أن لا ذنب لها سوی أنها أنثي في مجتمع لا يری منها سوی ثدييها وأردافها، وكتلة من العار الشهي!
كم هي السنون التي احتاجها ضميرك كي يفيق وتعترف أنك 
أخطأت؟ كم هي اللحظات التي تعذبت فيها، لأنك جبنت ولم تواجه ذاتك اللعينة حينها؟. 
ما هو الشرف إن لم يكن الانتصار للضمير؟
ها أنت تقف اليوم إلى جوارها، وهي ترتدي الفستان الأبيض، 
تلتقط بعض الصور، كي تثبت أنك شاركتها فرحتها ولكن في 
ذاكرة كليكما ألف إثبات علی أنك خذلتها ذات يوم عصيب. ستغادر بعد لحظات إلى بيت رجل آخر، ولا تدري أي صورة عنك ستحمل معها؟ كم تود الآن لو أن لها ذاكرة مثقوبة، تری لو أنها احتاجتك ً يوما ما، هل ستنادي أخيها؟ أم أنها باتت علی ثقة من إدانتها المسبقة!!

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص