الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
خيانة - آزال الصُّباري
الساعة 12:27 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

لستُ أنا من تسردُ كلَّ هذه الخزعبلات ، هي تلك الماردة التي تحررت من مصباحها المهجور بعد أن مسح غبارهُ مجنونٌ عابرٌ على أطراف خارطةٍ محروقةٍ تسمى وطن .
كلُّ هذا الهذيان إنما حصيلة ذلك الحرمان، أو ربما ذلك المجنون نفخ من روحه فتحررت كلُّّ الكلمات المختنقة ً .
ملاحظة (لايسأل أحدكم عن هوية ذلك المجنون ، فربما أتخذه وطناً لي ويصبح كلانا ذات الهوية نفسها.) 
لم يعد مهماً معرفة سبب هذا الهذيان بقدر الأقرار ببرائتي مما تعصف به هذه المخبولة. 
تلك الماردة تقول:  
أريد خيانة محبوبي بطريقةٍ لاتشبه  الخيانات الواردة في قائمة الرحيل. 
أنّي  أُحِبُّهُ إلا أنَّ حزنَهُ أنهك الحب أريد حباً أبادله كل العواطف حتى الحزن لكن أن تُغْزلَ كلُّ العواطف حزناً، ويرتدي الحبُّ كلَّ ذلك الحزن ، فذلك أمرٌ لايُحتمل ، أُريدُ الرحيل، وليقلْ القولُ مايريد فيَّ.
 لا أريد أشلاء حب ، أفضل أن أتناثر بين تلك الأشلاء ، بل أتمنى أن يتوقف الوقت عن العبث بما تبقى من أنفاسي ، لم يعد النبض يحتمل حمل دماءٍ جائرٌ حزنها، وأسودٌ لونها حد الخوف . 
علميا ًالحزنُ يمزقُ القلب،َ والقلبُ بيتُ الحبِّ فأين أحيا وقلبي ممزق؟ وكيف أتجاهل ذلك الحب الذي فطرت عليه أول ساعات ميلادي. 
لا أريد البقاء على قارعة أيامه أشاهدُ مأساته في عيون العابرين فتلفحني فأحترقُ ولا أموت ، أترمَّدُ وجعاً ولا تأخذني الرياح بعيداً ، أتلاشى ولا أختفي .
لاتزال العجوز ذات القدم المبتورة ترقع حزنها على أطراف قلبي منذ جلست بجواري في ( الدباب ) تحكي لي تفاصيل يومها المنهك بحثاً عن ما يسمى بالضمان الاجتماعي ، وتسرد لي عدد حفيداتها اليتيمات وعدد المرات التي لم تمت بها وهي تحتضر على بكرها المفقود في الحرب قبل الأخيرة . 
ولاتزال مسامات تلك الصغيرة ترتعش من بردها أمام عيني فأرتجف وجعاً وأتدثر بعجزي ، منذ ذلك اليوم الذي أرتدتُ فيه (دبابا) وضعها بالمقعد المقابل لي ،أُعيدُ المشهد يقلبني الوجعُ، وأقلبه فيلوكني بشهيةٍ أشد بشاعة من شهية أسدٍ يمضع دماء غزالٍ أمام دموع شقياتها ،  كنت حينها محصنة من البرد وكانت هي عارية الذراعين تدثر أطرافها ببقايا دسمالٍ حزين ، كنت أنا أقصد عملي المرهون للمجهول ، وعلمت أنها تقصد قطع خبز لأخوتها الصغار المرهونين للمجهول أيضاً.
لايزال ذلك الرجل الشامخ الصامت على المقعد المقابل لي ينقر بوجع كرامته على بوابة روحي فيحدث عزاءً لا رحيل منه إلا إليه ، شاهدته يدس يده في جيبه يبحث عن خمسين ريالا يسلمها لسائق (الدباب) ولم يجدها، هو يعرف أنه لن يجدها فهي ليست في جيبه منذ أشهر؛ لكنه حاول أن يخفف من تلك الحرارة التي أحرقت وجنتيه وترمد هو خلفها. 
أين أخبئني من وجعٍ اتخذني وطناً له ؟
في غرفتي في زواية ألفتني أتمنى لو أن لي وطناً يحبني؛ فتصفعني الزاوية المقابلة وأصرخ ملئي .
لايوجد وطن……  
لكني أحبه !
حسناً هل استطيع الموت لأخون حبي له ، فأنا لم أنجح بخيانته وأنا على قيد أماكنه وأزمنته .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص